قتيل شها بالمنصورة .. طفل اتهم بسرقة "باكو شاي" بنصف جنية تم تعذيبه بقسم الشرطة .. وإحراق جسده الطفولي .. ثم تم إلقاؤه على ناصية الطريق إلى أن مات .. وذهب دمه هدراً ...لأنه فقير ..
هل رأيت جنهم الحمراء ؟!
لا بالطبع .. فجنهم هذه في الآخرة ..
حسناً .. فإن "جهاز أمن الدولة" هو لفحة من لفحات نار جهنم الحمراء ..
تكفي سيرته .. ويكفي فقط ذكر اسمه ليثير الفزع والخوف والقشعريرة في جسد أتخن واحد في مصر عدا النظام وزبانيته طبعاً ..
قرن كامل ..مائة عام والمصريون في أشد وأنكى أنواع العذاب المهين على زبانية قساة القلوب ومعدومي المشاعر الإنسانية ..
في عام 1913 ولد هذا الجهاز الرهيب على يد الاحتلال الانجليزي لمصر والذي أنشأه تحت مسمى ( قسم المخصوص) بغرض مطاردة وتصفية الوطنيين والمقاومين للاحتلال .. وبحسب موسوعة الويكيبيديا قيل أنه أقدم جهاز بالشرق الأوسط ..وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للإسكندرية، بالإضافة إلى قسم مخصوص يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم، حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك.
وعلى الرغم من التغيرات الجذرية العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في شتى مناحي الحياة المصرية، إلا أنه، وهو الأمر المذهل، ظل كثيراً من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في آب/ أغسطس 1952 تحت اسم المباحث العامة، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته بمباحث أمن الدولة، ثم تغيرت لافتته إلى قطاع مباحث أمن الدولة، وأخيراً سمى بجهاز أمن الدولة. ظلت وظيفة ومهام رجل أمن الدولة من دون تغيير يذكر في كل العصور واستمرت آليات عمله من دون تغيير يذكر، اللهم إلا إضافة المزيد من الصلاحيات والسلطات والتغول على كل مؤسسات الدولة، انتقاصاً من حقوق المواطنين وانتهاكاً لحرياتهم الأساسية.
كان هذا هو تاريخ الجهاز .. أما الممارسة فأعتقد أن إبليس وقبيلته من أعتى الشياطين ستفيض أعينهم النارية من الدمع وتقطع نياط قلوبهم الشيطانية من الحزن والأسى حينما كانوا يسترقون السمع وينظرون من وراء الحجب إلى ممارسات زبانية جهاز أمن الدولة وأفاعيلهم وجرائمهم وتعذيبهم وتنكيلهم بأجساد وأرواح وكرامة وآدمية الشعب المصري على مدار عشرات السنين وباختلاف العهود الملكية والناصرية والساداتية والمباركية .. لافرق .. لافرق يا سيدي ..
تغيرت المسميات ..ولكن الممارسات واحدة ..والمفاهيم واحدة .. والاستبداد واحد .والطغيان واحد
كله سجن ..وكله اعتقال .. وكله تعذيب ..وكله سحل.. وكله إذلال..وكله قتل وتغييب قسري ..
إن القصص التي كانت تروى بصوت خافت لضحايا هذا الجهاز الإجرامي الذي توغل في حياة شعب مصر وفي كل لحظة من لحظات معيشة المواطن المصري بدءاً من ولادته فلا شيء كان يحدث في حياة المواطن في مصر دون الرجوع إلى جهاز أمن الدولة وعلم زبانيته .. فتح المساجد وإغلاقها .. وتعيين أئمة المساجد والموظفين حتى الفراشين وجامعي القمامة .. المنتديات المؤتمرات الأفراح التعيينات المسابقات كرة القدم المطاعم الحوانيت الصحف الإعلام حتى دورات المياه كان يسكنها زبانية أمن الدولة .. كل مواطن في مصر تقريباً لديه ملف بجهاز أمن الدولة !!
إذا استدعي أي مواطن مصري إلى أحد أفرع جهاز أمن الدولة فكل من يعرفه يترحم عليه فوراً ..كما لا يجرؤ أي مخلوق من عائلته أو محاميه أو غيره على الإقتراب من المبنى المتواجد فيه ..ما على الناس سوى الانتظار فقط .. فإذا خرج وعاد ولو بعد ألف عام فقد ولد من جديد ..وإذا غيبته الأيام فقد احتسب عند الله ..وصار نسياً منسياً سوى في قلوب أهله وذويه ..
ويكفيك صور تعذيب طفل شها على يد زبانية الداخلية تلامذة زبانية جهاز أمن الدولة الكافر الرهيب..
الكافر بكل مبادئ حقوق الإنسان ..الكافر بآدمية الإنسان المصري .. الكافر بكل معاني الحرية والكرامة والحق في الحياة الآمنة المطمئنة ..
ويكفي أن تعلم أن لهذا الجهاز الرهيب الفضل الكبير في احتلال مصر المركز الأول في العالم ليس في جرائم التعذيب .. بل وفي فنون التعذيب أيضاً .. كما أن ميزانية وزارة الداخلية كانت مروعة ومذهلة وبلا حساب في شراء أحدث وأبشع أدوات التعذيب واستخدامها ضد مواطني هذا الشعب ..
من هنا تستشعر ضراوة الهجمة الجنونية لجموع الشعب المصري على مقار وأبنية جهاز أمن الدولة إبان الثورة وإحراقها وتكالب الناس للفتك بكل من يقع في قبضتهم من زبانية هذا الجهاز من الضباط وأعوانهم الذين عذبوا ونكلوا وشردوا عشرات الآلاف من الأبرياء من أبناء هذا الشعب الصابر الجريح..
في كل مرة ألتقي أحداً أو أجالس أناساً لا أجد حديثاً لهم سوى عن الأموال المنهوبة ومحاكمات رجال الأعمال .. كل شيء عن المال المسروق فقط .. لا شيء عن الجسد المنتهك .لا شيء عن جرائم تعذيب المصريين .. لا شيء عن انتهاك كرامة وآدمية شعب على مدار مائة عام ..
كيف يلفت الزبانية ؟!
كيف يفلت المجرمون الذين عاثوا فينا تعذيباً واعتقالاً وترويعاً وإذلالاً ؟!
لماذا لا تفتحون الملفات ؟! أين ذهب الضحايا؟!
أين أصوات كل من انتهك جسده وعرضه وحريته وحياته وأسرته واستقراره ؟!
أين هؤلاء ليقتحموا علينا غباءنا ولهاثنا خلف أخبار الأموال المسروقة وبنوك سويسرا ومأكولات العادلي وعز في سجن طره وصحة الرئيس وجبال الثلج التي يملكها نجله وخناقات زوجتي ولديه ؟!
لماذا لا تفتحوا ملفات تعذيب الشعب والتنكيل به ؟!.. محاسبتهم على التعذيب أولى من محاكمتهم عن السرقة..
فالتحقيق في جرائم التعذيب والقتل والاعتقال دون مبرر والتغييب القسري أهم مليون مرة من السؤال عن الملايين والمليارات المنهوبة ..
محاكمة الزبانية والمجرمين بجرائم التعذيب والقتل والاعتقال والتغييب القسري للبسطاء من مواطني هذا الشعب أفضل وأوجب مليون مرة من محاكمات أصحاب الياقات الزرقاء من رجال الأعمال ومن حكاية من أين لك هذا..
محاكمات الدم اوجب من محاكمات المال . لو كنتم تعلمون ..
التعليقات (0)