مواضيع اليوم

جنون الحرب وصناعة الارهاب - مروة كريدية

إبراهيم قعدوني

2009-01-11 09:29:28

0

جنون الحرب وصناعة الارهاب  - مروة كريدية
 
في لحظةٍ يُصبِح الحليم فيها حيرانًا، وأمام أحداث أليمةٍ تفتح في هيكل الانسانية جرحًا لا يُمكن لمخلوقٍ أن يتجاهله، ولا يمكن حصر تفاعلاته على الأجيال اللاحقة فيما بعد.
وفي وقتٍ يعجز الانسان فيه عن الحياد ويبحث عن خِطابٍ عقلاني متوازنٍ يحاور فيه عقلاء المجانين من صناع حروب، فلا يجد الا اشلاء رضعٍّ وبقايا أطفال!
 
وفي ظلّ تلك الظروف الكارثية تسقط كل المعادلات السياسية والتكهنات العسكرية ومفاهيم "الربح والخسارة والحدود والسلطة والحكم... " وتكون لحظة تدين كل إنسان في الوجود مهما كانت هويته وانتماؤه وتضع دول العالم كلها أمام مسؤولية أزمة انسانية حقيقية!
وفي وقت يُظهرُ فيه الرأي العام و الدول سُخطًا "انتقائيًّا" تجاه دماء البشر المسالة، نجد أنفسنا مطالبين بنزع الشرعية عن ممارسة شتى انواع الارهاب كائنًا من يقف ورائها أفرادًا دولاً او ايديولوجيات.
 
صناعة الارهاب: نحو مجتمع "كارثي" مخيف!
من منطلق العدالة الانسانية التي لا تفرق بين رضيع "اسرائيلي " وآخر"غزاوي"، يتساءل المرء عما يمكن ان تؤول إليه الأمور"الانسانية"  بعد خمسة عشر عاماً -على سبيل المثال - عند كافة الأطراف من مرتكبي "الجرائم" والمتورطين فيها، وممن تَبَقَّى من أطفال المجازر الذين أقلهم يحمل "عاهة " جسدية ونفسية تلازمه مدى الحياة.
فما هو السيناريو الاجتماعي والانساني المحتمل والمُتوقع لمنطقة تحمل دماءَ نصف قرن من الصراعات الدامية؟ وكيف ستكون صورة شباب غزة وشباب المستوطنات بعد عقدين من الزمان؟ وما هي العلاقة المتوقعة التي ستتحكم بالأجيال القادمة؟
إن التفكير الهادئ يضعنا أمام حقيقة مرّة، وهي أن الحروب والمجازر الدائرة الآن ستوّلد "مجازر الغد" التي تنذر بأنها أكثر ضراوة، فارتكاب الجرائم وممارسة العنف بحق الضعفاء وهم "الاطفال الان"، سيؤدي الى تحويلهم "قنابل بشرية موقوتة " و "كائنات انعزالية متشرنقة " في المستقبل، مالم تتم معالجة أوضاعهم الجسدية واعادة تأهيلهم النفسي.
 فكيف سيكون حال من فقد عائلته وبُترت ساقه ووَجد نفسه فقيرًا وحيدًا؟ كائن كهذا لن يتوانى عن "الانتقام" ولو قدّم نفسه وجسده "قربانا"!
 
وبالمقابل فإن "أطفال المستوطنين" القابعون في الملاجئ الآن ينظرون الى الآخرين على انهم كائنات تهدد وجودهم، وبالتالي فإن طفل كهذا سيتحول مع الوقت الى "كائن انعزالي مذعور" يخاف من الآخر ويعمد الى امتلاك اشد الأسلحة فتكًا ليحمي نفسه من "عدو دائمٍ متوقع "!
 
اذن نحن أمام واقع يُصَنِّع "الارهابيين" الجدد (عند كل الأطراف) بِنُسخةٍ مُطورة ومحدثة ومعدلّة، وسنجد أنفسنا أمام تنامي كل "الأصوليات" كنتيجة حتمية، فالأصولية والاستبداد توأمان.
وعن جدلية الارهاب والحرب نتسائل كعقلاء: ان كان "الارهاب " هو قتل للأبرياء وهو أمر غير مشروع قطعًا، فهل الحرب تُعدّ عملا مشروعًا؟
الحقيقة ايضًا ان الحروب لا تقتل المذنبين فقط! من هنا فإن الحروب كانت وستبقى جائرة ولا يمكن إضفاء "المشروعية" عليها طالما انها تطال الابرياء تحت وهم الادعاء بامتلاك "الحق".
ستجد الانسانية نفسها أمام واقع كيانات "أصولية" أشدّ بأسًا وأشد تنكيلا لانها حاضنة تخوف وشعور قائم دائم من "الآخر"، وستعمد هذه الكيانات على اكتساب شرعيتها بإخضاع اللاهوت لها وتتحول الصراعات من خلاله الى حروب آلهة على أرض "مقدسة" ضحيتها الاول والأخير الانسان!
 
سلام الكيانات الأصولية!
أمام واقع الكيانات "الاصولية " هذه هل يوجد مكان للسلام؟ وماهي طبيعة العلاقة " الرسمية " القائمة من اتفاقيات اطلق عليها "انها اتفاقيات سلام "؟
في الواقع نحن امام تفاهمات "شكلية" مع "أنظمة ديكتاتورية قمعية" لا تمثل شعوبها من جهة كما انها عاجزة ان ترقى لمستوى المسؤولية في السياسة الدولية من جهة أخرى.
وهذه التفاهمات "المصلحية" لا ترقى لصنع السلام بحالٍ من الأحوال، فإسرائيل كما العرب، لم تؤسس ولم تسعى لسلام حقيقي إنساني مع الشعوب.  وهل يُعقل أن تقوم انظمة "ديكتاتورية قمعية " لا تحترم شعوبها ولا تعترف بحقوقهم باحترام شعب آخر؟؟
انظمة كهذه لا تؤسس سلامًا وهي التي تمارس شتى انتهاكات حقوق الانسان بحق مواطنيها. إن عقلاء اسرائيل والعرب يعلمون جيدًا ان السلام لا يتحقق الا في ظل انظمة ديموقراطية! كما يعلمون جيدًا أن السلام لا يتحقق الا بنظام علماني ينزع المشروعيات اللاهوتية عن العمل السياسي!
وهو أمر لا يريده " العرب" ولا تريده "اسرائيل "!
 
أخيرا، هذه القصة!
في حوار أجرته الصحافية "كاثرين إنغرام" مع المناضل اللاعنفي الفلسطيني مبارك عوض أواخر الثمانينيات عندما سألته عن الانتفاضة الغير مسلحة: قلت إن بعض زعماء العالم العربي يَخشَوْنَ الانتفاضة، وانهم قد اتصلوا بك لكي يتحدّثوا معك عن استراتيجيات العمل اللاعنفي. لماذا يخاف هؤلاء الزعماء من الانتفاضة؟؟؟
أجاب مبارك عوض: " قوة هذه الانتفاضة هي أنها لا تأتمر لزعامة رجل أو ملك... عندما يبدأ الناس بأخذ مبادراتهم بأنفسهم ويتزايد عددهم أكثر فأكثر... فإن هذا يُشَكِّل خطرا على السلطة.عندما يقوم الشعب بما عليه ان يقوم به تنتفي الحاجة تدريجيًّا لأن تطلب منه الحكومة ذلك.... وعندما قرر الفلسطينيون عصيان السلطة فإن البلدان العربية الأخرى خشيت ان تفهم الشعوب العربية في كل بلد عرب، عبر الانتفاضة، أنها تملك الشجاعة والقدرة على ان تقول "لا " لأولئك الذين يقودوننا وان نرفض طاعة أوامرهم "!
وفيما بعد قال:" إما أن تقع كارثة وإما أن يحل السلام!"
 
 

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/1/399002.htm




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !