التحدي: أبيي وجيش الرب.. ..و"الحكم الرشيد هو الحل"!
جنوب السودان يدشن انفصاله عمليا بوثيقة أمن استراتيجية
تقرير: ممدوح الشيخ
فيما العالم مشغول بالسودان، وفيما السودان مشغول بدارفور، تحرك الجنوب خطوة كبيرة في قيمتها ومعناها صوب الانفصال، بإقرار وثيقة أمن استراتيجية هي من أهم شروط قيام مفهوم منفصل للأمن القومي ومن ثم لقيام دولة، وقد مر الخبر في هدوء يعكس مدى الانشغال – سودانيا وعربيا – بتداعيات أزمة دارفور.. .. وهكذا مر الإعلان عن الوثيقة بهدوء، وكأن شيئا لم يكن!
الوثيقة اعتمدتها حكومة جنوب السودان بعد نقاش مستفيض في مجلس وزراء الإقليم. وحسب المتحدث الرسمي لحكومة الجنوب جابريل شانقسون فإن الوثيقة تتكون من 37 صفحة، وهي ليست استراتيجية عسكرية، وإنما استراتيجية أمنية شاملة تهتدي بها حكومة الجنوب لضمان أمن مواطني الإقليم الشخصي وحماية وحدة حدود الإقليم. وحددت الوثيقة المخاطر والتحديات التي تواجه حكومة الجنوب، معتبرة أي فشل في إعادة ترسيم الحدود مع الشمال أهم التحديات أمام إنفاذ اتفاق السلام الشامل، ورأت أن قضية أبيي النزاعات القبلية بالجنوب وعدم الاستقرار الذي يخلقه جيش الرب تحديات يتعين مواجهتها.
وركزت الوثيقة على أهمية إقامة علاقات دبلوماسية مع دول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي، وأهمية إنفاذ اتفاق نيفاشا بالكامل كأفضل السبل لبسط السلام. ودعت الوثيقة، حكومة الجنوب للاستمرار في عملية الوساطة بين الحكومة الأوغندية وجيش الرب والتعاون الكامل مع كمبالا للتوصل لحلول سلمية لمطالب جيش الرب. وركزت الوثيقة على أهمية إقامة حكومة ديموقراطية و"حكم رشيد"، وبالتالي أكدت أهمية حماية حقوق الإنسان، ورعاية التنوع الإثني والثقافي في الجنوب للاستقرار وبسط الأمن. كما تضمنت الوثيقة ضرورة إقامة نظام اقتصادي لتحقيق الأمن الغذائي وحماية المصادر الطبيعية. وانتقدت الوثيقة ضعف استجابة السلطات الجنوبية للطوارئ واعتبرت ضعف البنى التحتية، من وسائل الاتصال والمواصلات ورداءة الطرق وانعدام الجسور وحتى الملاحة الجوية عقبة أمام السلطات الأمنية للاستجابة السريعة لأي طارئ.
الوثيقة تعكس إحساسا بالانفصال الجيوسياسي عن السودان حيث مفهوم الأمن مختلف وصادر التهديد مختلفة، بل إن من المحتمل – في حال فشل ترسيم الحدود في المناطق المتنازع عليها – أن تصبح "الدولة لسودانية" من مصادر تهديد أمن الإقليم. وفي هذا السياق فمن الضروري التوقف أمام حقيقة الإغفال المتعمد للوثيقة لقضية الاستمرار في الوحدة أو الانفصال وهو اختيار سيحل عام 2011.
منطقة أبيي اتلي توقعت الوثيقة أن تكون مصدرا محتملا لأمن الإقليم تقع غرب منطقة كردفان في السودان، وتحدها شمالا مناطق تسكنها قبيلة المسيرية، وجنوبا بحر العرب. ويعيش فيها مزيج من القبائل الأفريقية مثل"الدينكا" والعربية مثل المسيرية والرزيقات، ويدعي كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة ويصف الآخرين بالغرباء.
وتعتبر أبيي منطقة تداخل بين قبيلة المسيرية الشمالية وقبيلة الدينكا الجنوبية التي ينتمي إليها زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، وهو تداخل يعود لمنتصف القرن الثامن عشر. وقد ظلت المنطقة إداريا تتبع إداريا المناطق الشمالية، لكنها تحولت الآن لمنطقة نزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي تريد ضمها إلى الجنوب. وتقول وجهة نظر الحكومة إن أبيي هي منطقة تمازج بين القبائل العربية والأفريقية، نافية كونها خالصة لطرف دون الثاني. أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فتقول إن أبيي كانت تابعة للجنوب قبل سنة 1905، ولكنها ضمت من قبل الحاكم العام البريطاني لشمال مديرية كردفان بقرار إداري، وتطالب بإعادتها إلى الجنوب. ويضاعف أهمية منطقة أبيي أنها غنية بالنفط.
والخطر المحتمل الذي تتحدث عنه الوثيقة سبق أن انفجر بعنف في مايو 2008 عندما اندلعت اشتباكات عنفية في المدينة بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية أسفر عن نزوح وهروب نحو 30 ألفا إلى 50 ألفا من سكانها، وهي بالتالي نقطة خلاف أخرت تطبيق اتفاقية السلام، ودون حل هذه المسألة فلن يكتمل تطبيق الاتفاق الذي أنهى حربا أهلية عمرها حوالي نصف قرن. وفي يوليو 2008 وقع اتفاق ينظم عملية تحكيم يفترض أن تحدد حدود الشمال والجنوب ومن ثم تحدد تبعية آبيي للشمال أو الجنوب.
أما جيش الرب الذي اعتبرته الوثيقة مصدرا محتملا لتهديد أمن الإقليم فهو مجموعة أوغندية مسلحة تأسست عام 1986 وهو في حرب مع الجيش النظامي الأوغندي. وتركز نشاط جيش الرب العسكري على الحدود الأوغندية السودانية. ويترأس جيش الرب جوزيف كوني المولود عام 1961 في أوغندا والمنتسب لمجموعة أشولي العرقية. ويصفه أتباعه بصفات التأله والتنبؤ. وهو مطلوب لدى محكمة لاهاي بتهمة اقتراف جرائم ضد الإنسانية. ويسعى جيش الرب للإطاحة بنظام الرئيس الأوغندي يوري موسفيني لإقامة نظام ثيوقراطي (حكم ديني) يتأسس على الكتاب المقدس/العهد الجديد والوصايا العشر. وخلفت الحرب الأهلية بينه وبين الجيش الأوغندي أكثر من 100 ألف قتيل ومليوني نازح.
والوثيقة تتحدث بوضوح عن إقامة علاقات ديبلوماسية إقليميا وعالميا ما يعني أنها تنطلق من أن جنوب السودان هو قاب قوسين أو أدنى من أن يتحول من "إقليم" إلى "دولة"!
التعليقات (0)