فرحٌ بنصرِ عبد الفتاح السيسي، هكذا استقبلت الرياض وأبو ظبي، بهجة بعضهم في القاهرة بعودة التاريخ إلى ما قبل الخامس والعشرين من يناير. فرح يقاس بنسبة التصويت، الذي امتد ثلاثة أيام، وعزَفَ قطاعٌ واسِع من الشَعب المصري عن الاقتراب من مراكز الاقتراع فيه. ثلاثية الرقص والتمديد جعلت من السيسي رئيساً بعدَ أن بايعهُ قطاعٌ آخر غير ذلك الذي اعتكف عن التصويت. ذهَبَ الرجل في خطابِ التنصيب ليؤكد ويبرز عزمه شنَ حربٍ على الإرهاب، مؤكداً أن لا قيادة موازية لقيادته، في دلالة لكلامه على محمد مرسي ومكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، في إشارة إلى أنه سيسير، وبعزيمة كبيرة، باتجاه قصم ظهر الجماعة وتحييدها من المشهد مستعينا بأموال الأمراء من حلفائه الرامين لإلحاق الهزيمة بتنظيم الإخوان.
التجربة المصرية استهوت أحد الجنرالات الذين خلفتهم حرب التشاد، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فمعمر القذافي تيمن وقلدَ جمال عبد الناصر، فأسقط الملكية في ليبيا. لكن خليفة حفتر، بعد أن لم يجد مكانا ضمن رجالات ليبيا ما بعد العقيد، أراد إعادة السيناريو المصري الخاص بالسيسي، وطعم جُلَ خطابه بنعوت الكرامة والحرب ضد الإرهاب وتربية الخوارج. هنا تجدر ملاحظة أن مصطلح الخوارج تكرر في السعودية أيضاً، في سياق الحديث عن الإخوان، وعن السلفية الجهادية من طرف جماعات سلفية أخرى مناوئة، كما كان له حضوره في الإعلام المصري في فترة سابقة. يعود حفتر ليستدعي الاصطلاح في ليبيا ليقول: "إننا أمام العدو نفسه، فهلموا لبوا نداء الكرامة إخوة الخليج"، ليذكرنا بالقذافي واصطلاحاته عن الزنادقة.
الفرحة بنصر السيسي تقابلها حسرات، لدوام الأسد على مقعده، فوز الأخير بقرابة تسعون بالمئة، في انتخابات رشح وصوت وراقب فيها لنفسه على نفسه وبنفسه، رافعاً حدود المشاركة لتتجاوز السبعين بالمئة، خالقاً انطباع بأن السوريين شاركوا بكل رضا في انتخابات الرئاسة، وأن الدولة تبسط هيبتها على عموم البلاد، بدليل ارتفاع نسبة المشاركة. هنا يبرز سؤال مركزي الأهمية، فما العمل مع الأسد، تسليح المعارضة لم يجلب المراد، والشام أصبحت بلد الخلافات الموعودة، كما من الصعب التخلص من "داعش" أو جبهة النصرة أو أي فصيل آخر، ولنا في أفغانستان والصومال وحتى العراق خير دلالة.
فوز الأسد وفوز السيسي، يُعبران عن مرحلة تكريس واقع هيمنة الثورة المضادة النابعة من رحم الدولة العميقة، والأخطر من ذلك أنه يفرض على المعارضين أو على الطرف الآخر القبول به والتعامل معه، فهل سيظل التحالف ينادي بمرسي رئيسا شرعيا وبجواره حركات ثورية تعارض الانقلاب العسكري ولا ترضى بمرسي رئيساً في نفس الوقت. هل ستبقي المعارضة السورية على مطالبها بإزالة الأسد من معادلات المستقبل السوري.
لوحظ أن أمير الكويت زار طهران، والرياض كانت قد بعثت دعوة لوزير خارجية إيران، وفي هذا الصدد، لكن يجدر الانتباه أن أي تقارب مع طهران من كلا الجانبين يعني، في الغالب، الإبقاء على الأسد. في الإعلام المصري، المحسوب على رجال الأعمال داعمي الانقلاب، يحظى الأسد بدعم من نوع خاص، فهم يرجون انتصارا على ثورة أسقطت حسني مبارك، وللأسف لهم ثورتهم المضادة التي أعادت السيسي ولم تنفك ذاهبة باتجاه اجهاض الربيع في مصر، من هنا تشجعت هوجاء الردة لتتخذ سبيلها نحو الغرب، وتركت الباب موارباً، فهل سينجح حفتر في فرض نفسه على ليبيا ما بعد القذافي. في حالة نجاحه سينضم اللواء المتقاعد إلى صاحبيه السيسي والأسد، وسينصبون معاً أبطالاً لإجهاض الربيع
التعليقات (0)