يعجب المرء من شدة التشابه بين الجنرال ميشال عون وزعيم الحوثيين في اليمن بدر الدين الحوثي، فكلاهما غرّر بجمهوره واتباعه ومؤيديه، وذهب بهم بعيدا جدا عن ثقافتهم ومبادئهم العقائدية والوطنية والتاريخية.
فبدر الدين الحوثي، يعد احد كبار علماء المذهب الزيدي في اليمن، وتحديدا في محافظة "صعدة" حيث يوجد أكبر تجمعات الزيدية في تلك البلاد.
ومع بداية التسعينيات من القرن المنصرم، بدأت ايران الخمينية بتنفيذ اجندتها الهادفة لاختراق المجتمع اليمني بالمذهب الشيعي الاثني عشري الذي تدين به، فعملت على تجنيد عدد من الزيدية الذين تحولوا الى شيعة اثني عشرية او بقوا على مذهبهم الزيدي ولكن غرّر بهم، ليكونوا اداة وذراعا للنفوذ الايراني الاثني عشري في اليمن...
وكان على رأس هؤلاء المجندين: حسين بدر الدين الحوثي وابوه بدر الدين، اذ هما في الاصل من فرقة الجارودية وهي احدى فرق الزيدية، وقد انتقل الحوثي من الزيدية الجارودية الى الامامية الاثني عشرية مبكرا، وبعض من وقعوا تحت تأثير حملته يؤرخون العام 1997 كعام للانتقال الفعلي من الزيدية الجارودية الى الامامية الاثني عشرية.
وتطوَّر الأمر أكثر مع بدر الدين الحوثي، حيث بدأ يدافع بصراحة عن المذهب الاثني عشري، بل إنه أصدر كتابًا بعنوان "الزيدية في اليمن"، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية، في محاولة منه لاستمالة الزيديين واستدراجهم بغية تحويلهم الى الامامية او تطعيم عقيدتهم ببعض تعاليم الاثني عشرية، وبالتالي تحويل ولائهم من دولتهم اليمن الى ولاية الفقيه في ايران. ونظرًا للمقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية، فإنّه اضطر إلى الهجرة إلى طهران حيث عاش هناك عدة سنوات.
وعلى الرغم من ترك بدر الدين الحوثي للساحة اليمنية، إلا أن أفكاره الاثني عشرية بدأت في الانتشار، خاصة في منطقة صعدة والمناطق المحيطة، وهذا منذ نهاية التسعينيات، وتحديدًا منذ سنة 1997م، ولذلك قام علماء اليمن بالبراءة من الحوثي وحركته، في بيان اسموه "بيان علماء الزيدية" وردوا عليه دعاويه وحذروا من ضلالاته التي لا تمت للمذهب الزيدي بصلة.
وكان الحوثي وابناؤه ينضوون تحت "حزب الحق"، وهو حزب سياسي زيدي، ولكن بعد ذلك انفصل الحوثي عن هذا الحزب واسس تنظيم "الشباب المؤمن"، وهو الذي كان يقوم ولم يزل بأحداث التمرد والفتنة في منطقة "صعدة" شمال اليمن، بهدف فصلها عن الحكومة اليمنية واخضاعها لحكم الحوثيين لتشكل قاعدة ايرانية متقدمة في عمق الخليج على حدود المملكة العربية السعودية بما ترمز وتمثل.
ففي عام 2004، أعلن الحوثي خروجه على نظام الحكم والإنتفاضة المسلحة ضد الدولة لتدور بينهما عدة حروب، كان آخرها الحرب المندلعة بين الحوثيين والجيش اليمني منذ آب 2009، والتي ما لبثت ان امتدت الى الاراضي السعودية في تشرين الثاني، وهي لا تزال مستمرة الى اليوم وان بشكل متقطع بعد موافقة الحوثيين على وقف اطلاق النار في شباط2010.
وتقوم ايران بدعم هذا الحوثي ماليا وفكريا وعسكريا، وذلك نظير تصدير الثورة الخمينية الى اليمن.
اما في لبنان فقد وقع الاختيار الايراني على الجنرال ميشال عون لكي يكون "الوكيل الشرعي" المسيحي لسياسة ايران وسوريا في المنطقة، ومموِّهاً من الدرجة الأولى لكل خطوات "حزب ولاية الفقيه" الرامية الى السيطرة على لبنان وجعله قاعدة عسكريّة متقدّمة لإيران، ومنفذا على البحر الأبيض المتوسّط لولاية الفقيه.
فالجنرال عون الذي غادر الى منفاه الباريسي المرفه تاركا جنوده في ارض المعركة، بعدما حوّل المسيحيين الى قرابين والمناطق المسيحية الى ارض محروقة نتيجة خوضه حرب تحرير عارية من أي قوة متكافئة، وحرب الغاء مسيحية-مسيحية حوّلت المسيحيين الى مهجرين ومشتتين في اصقاع العالم، والى أعداء حاقدين على بعضهم البعض في الداخل...وبعد صعوده الى بكركي لإذلال سيده وتهجيره الى الشمال ليصبح تحت حماية مباشرة من الجيش السوري...عاد الى لبنان بصفقة كريم بقرادوني واميل اميل لحود التي جرت في نيسان 2005، ووافق عليها الرئيس السوري بشّار الأسد بمباركة "حزب ولاية الفقيه"، بحيث أعطوا فيها الموافقة على إسقاط جميع الدعاوى المقامة على العماد عون لكي يستطيع العودة، مقابل عدم معارضة الجنرال البرتقالي عند عودته سلاح الحزب الايراني، مع تأمينه الغطاء المسيحي لسياسات ايران وسوريا في لبنان.
ومنذ تلك العودة "المجيدة"، بدأ الجنرال يقوم بدور مشابه جدا لما فعله الحوثي في اليمن سياسيا، لكن هذه المرة كان الهدف اختراق المجتمع المسيحي وتمزيقه بالسياسة الايرانية، من خلال اعتماد استراتيجية "حزب ولاية الفقيه" وحلفائه في دمشق وطهران، وهي استراتيجية لا تفيد المسيحيين في شيء، لا على المستوى الثقافي او التراثي او العقائدي او الاقتصادي او حتى الأمني...والهدف الاخير لهذه الاستراتيجية هو إما جر لبنان الى حرب أهلية جديدة تنتهي بسيطرة الطرف الاقوى عسكريا، او فرض نظام شمولي لا يشبه لبنان التعددية والتنوع والمناصفة والعيش المشترك، الذي ينشده المسيحيون والمسلمون الذين رفعوا شعار: "لبنان اولا".
وتنفيذا لبنود الصفقة الباريسية، انسحب الجنرال العائد من قوى الرابع عشر من آذار التي تتبنى الخطاب التاريخي المسيحي الذي تحوّل الى خطاب عابر للطوائف بعد اعتماد المسلمين السنة شعار"لبنان اولا". ثم خاض انتخابات 2005متحالفا مع جميع القوى الموالية لسوريا في لبنان، ومستعملا شعارات زائفة خدع بها المجتمع المسيحي الذي اعطاه70%من اصواته، الا ان قوى 14آذار تمكنت مع ذلك من حصد اكثرية مقاعد البرلمان.
في 6شباط2006، قام الجنرال المنقلب على تياره بإبرام «اتفاق مار مخايل» موقعا وثيقة تفاهم مع "حزب ولاية الفقيه"، تميَّزت بتمثيلها خطاب الحزب الايراني بامتياز، ليعطيه بذلك غطاء مسيحيا واسعا نقله من حركة سياسية وعسكرية معزولة بفعل ثورة الارز وانتخابات 2005، الى حركة فاعلة ومؤثرة تتلطى وراء حليفها المسيحي كي تنفذ مخططها الانقلابي للسيطرة على لبنان بجميع مفاصله متسترة بثوب وطني متنوع يخفي حقيقتها الاحادية والطائفية البحتة.
بعد ذلك كرّت سبحة التجاوزات العونية الخطيرة خصوصا في حق المسيحيين، فقد استمر الجنرال في سياسة الانبطاح عند اقدام الحزب مقدما اوراق اعتماده الواحدة تلو الاخرى، فدافع عن السلاح الميليشيوي بشراسة خصوصا بعد "حرب تموز2006"، ثم شارك في انقلاب «23 كانون الثاني2007»، و اعتصم في قلب بيروت، و أسهم في شل البرلمان وتعطيل الانتخابات الرئاسية، كما برر لـ"حزب ولاية الفقيه" وضعه الخطوط الحمر بوجه الجيش قبيل معركة نهر البارد في ايار2007، و غطى غزوة أيار 2008 الإرهابية، واعلن النصرعقبها، وتوعّد الإستقلاليين بالمحاسبة، كما برّر اعلان 7ايار يوما مجيدا... وعمل جاهدا طوال تلك الفترة على تغطية سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي طاولت التيار السيادي والتي كانت تعرقل مسار المحكمة الدولية، وذلك من خلال تبرئته المجرم والقاتل، وإبعاد الشبهة عنه، وصولاً الى مطالبته بالتحقيق مع قيادة الجيش بسبب إرسالها طوافة عسكرية الى إحدى القرى اللبنانية، حيث اغتيل أحد أبرع طيّاريها بدم بارد.
لم يقف الجنرال عند هذا الحد، بل قدّم الشكر والتقدير لسوريا وايران بعد زيارته لهما نهاية عام 2008، وطالب الضحية بالإعتذار من جلادها اثناء زيارته دمشق التي نصبته بطريركا سياسيا وربما روحيا لمسيحيي الشرق، كما تنكّر للمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
ربيع2009، ذهب العماد عون الى الانتخابات النيابية بتمويل ايراني لحملته الانتخابية الاعلانية قدّر بنحو 6 ملايين دولار، ساعيا مع المعارضة المتحالفة مع سوريا وايران الى أكثرية نيابية تسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية ليتسنى لها تطبيق نظام ولاية الفقيه وتغيير وجه لبنان بغطاء شعبي وبرلماني...ثم بعد اكتساح قوى 14 آذار نتائج الانتخابات مجددا وتجريد الجنرال من نحو20%من شعبيته بفعل وعي المسيحيين، عمل عون على عرقلة الأكثرية ومنعها من تشكيل حكومة جديدة لا تملك فيها سوريا وايران الثلث المعطل، فنجح في مهمته، وتوجه الى سوريا اواخر عام2009 في زيارة شكر متبادل، شكر سوري على الدور المعرقل للجنرال، وشكر عوني على توزير صهره ومنحه حصة وزارية لايستحقها.
هذا على الصعيد السياسي. اما على الصعيد الديني المسيحي، فقد تحوّل الجنرال بعد عودته الى لبنان رأس حربة في التطاول على الكنيسة ورموزها، نيابة عن الحليف الذي لا تسمح له صبغته الطائفية القيام بذلك... كما جهد في تفتيت المجتمع المسيحي، مع التصويب على الطائفة السنية في لبنان وزرع بذور الكراهية تجاهها في نفوس اتباعه، ونصّب نفسه زعيماً للموارنة والمسيحيين، وجعل معركته في الانتخابات النيابية معركة "استرجاع حقوق المسيحيين" لاستجرار عطفهم ونهب اصواتهم. هذا، مع العلم ان الاجتماعات العامة لـتياره كانت تعقد بمعظمها ولا تزال في أديرةٍ كنائسية لهدف شد العصب المسيحي حول سياسته، وما هي بسياسته، بل سياسة "حزب ولاية الفقيه" وحلفائه الهادفة الى اختراق الكنيسة بالفكر السوري-الايراني عبر مؤسساتها وصروحها التربوية الجامعية والمدرسية، بعدما فشل في اختراق مواقفها الوطنية التي لم تحد عنها يوما.
وسيرا على خطى بدر الدين الحوثي، الذي أصدر كتابًا بعنوان "الزيدية في اليمن"، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية، في محاولة منه لاستمالة الزيديين واستدراجهم بغية تحويلهم الى الامامية او تطعيم عقيدتهم ببعض تعاليم الاثني عشرية وتحويل ولائهم الى ايران... قارب الجنرال عون في 27/12/2009، خلال حديث مطوّل له ادلى به لاحدى وسائل الاعلام بمناسبة عيد الميلاد وذكرى عاشوراء... قارب الجنرال بين ذكرى استشهاد الامام الحسين في عاشوراء لدى الطائفة الشيعية، "كميلاد للعدالة واستمرارية الوجود"، وميلاد السيد المسيح لدى الطوائف المسيحية، "الذي شكل فجرا جديدا في تاريخ الانسانية، كحالتين يعيشهما الانسان ويشعر بهما"!!
وقال العماد عون في حديثه لـ"الدار"، ان "عاشوراء طقس الآلام يشبه اسبوع آلام المسيح. ان شهادة الحق والسير في اتجاه تحقيق ذلك، يؤدي الى التضحية بالحياة، هذه التضحية وتلك المسيرة، يتشابه فيها الشيعة والمسيحيون. ففي اسبوع الصلب تمر القضايا الكبرى بالصليب، فمن دون آلام لا وجود للحرية والاستقلال".
ويضيف العماد ميشال عون في حواره "العاشورائي" قائلا:"...ان ارفع مستوى الشهادة، التي تنقل البشرية من حالة الى حالة، تعيش في عقل وشعور المسيحيين والشيعة. فعاشوراء والجمعة العظيمة طقسان متطابقان بشكل معنوي وعملي"!!
و"لدى الشيعة والمسيحيين قواسم اخرى مشتركة"، يقول "اللاهوتي العتيق" ميشال عون، "فعند الاثنين، هناك انتظار للمجيء الثاني. فالمسيحيون يؤمنون بعودة المخلص المسيح الذي رفع بعد صلبه الى السماء، والشيعة يؤمنون بظهور الامام المهدي المنتظر. هناك جزء ايماني (مشترك) لدى الطرفين. فالمجيء الثاني للمهدي والمسيح هو من اجل اقامة العدل، والمعنى الثاني ايضا لديهما في موضوع المجيء هو لمحاسبة الاشرار وكذلك الاخيار. لذا نحن،( كما يضيف العماد عون)، نشعر ان الدعوتين متلازمتان ولو ان المسيحيين والمسلمين او الشيعة بالذات في هذا الموضوع، نشأوا في بيئتين مختلفتين. لكن التبشير الديني او ظهور الاديان كان ينسجم مع عادات المجتمع في مكان ظهوره، الا ان الدعوة تبقى واحدة في مجتمعات مختلفة".
وختم الجنرال "عظته" معتبرا أن "الإمام الحسين ومسيرة التضحية تخطت حجم المجموعة، لتصبح رسالة اممية، فيما تخطت ايضا رسالة المسيح من الحالة القائمة الى المفهوم الاسمى(...) المسيح مسيرة تضحيات، كما الحسين، انهما رسالتان خلاصيتان".
وقد اثارت تلك المقاربة حفيظة القوى المسيحية في 14آذار، رفضا لمقارنة عون بين «يوم الجمعة العظيمة» عند المسيحيين ويوم عاشوراء عند الشيعة، واستدعى الامر تدخل رئيس مطرانية جبيل المطران بشارة الراعي، الذي اعتبر أن "تشبيه ذكرى عاشوراء بصلب المسيح في غير مكانه". ولا يخفى ما تنطوي عليه تلك المقاربة المشبوهة من دغدغة لمشاعر المسيحيين من خلال استحضار وقائع تاريخية من صميم تعاليمهم، بغرض دفعهم للاستسلام الفكري امام مغالطات تطرح بصورة حقائق، وذلك في محاولة لدمجهم عقائديا وايمانيا بثقافات ومعتقدات وسياسات لا تمت لهم بأي صلة، سعيا الى الالتفاف على قناعاتهم ومفاهيمهم الاصلية واختراقها، ومحاولة توظيفها في خدمة مشروع سياسي يتحفظ قسم كبير من المسيحيين واللبنانيين عليه.
في 9شباط2010، وفي عيد مار مارون، وفي الذكرى1600 على وفاته، تابع الجنرال المنقلب على مبادئه تغريره بجمهوره، وعمله على اضعاف كنيسته، واخذه المسيحيين بعيدا عن ثوابتهم الوطنية والتاريخية...فأوصل انقسام المسيحيين الموارنة وتفكّكهم الى مراحل خطرة ومتقدّمة، طالت هذه المرّة قديس الطائفة وشفيعها؛ فقد توجه العماد عون برفقة وفد كبير من تياره السياسي ومسيحيي 8آذار للاحتفال بعيد مار مارون الى "براد" السورية حيث ولد مؤسس الطائفة المارونية ودفن، في زيارة سياسية بامتياز متخفية بستار العودة الى جذور هي بنفسها انتقلت بكليتها منذ اواخر القرن السادس (على ما يجمع عليه المؤرخون) الى منابع نهر العاصي في البقاع اللبناني وجبال شمال لبنان، حيث هناك بدأت الهوية المارونية بالتجلي وتبلور معها الوجود الماروني، بأبعاده الرعوية والاجتماعية والسياسية...
وعلى اثر ذلك انقسم مشهد الاحتفال بين كاتدرائية مار جاورجيوس في بيروت حيث كانت المناسبة وكان القداس الاحتفالي الوطني الجامع، و"براد" السوريّة حيث تجمّع الابناء الضالون او "المسيحيّون الجدد"، وذلك في رسالة من النظام السوري للكنيسة المارونية في لبنان، بان ثمة مسيحيين موارنة تحديدا يقبلون بان تكون سوريا محجهم وقبلة ايمانهم... كما انها رسالة تمرّد من مسيحيي8آذار على رأس السلطة الكنسية المتمثلة بالبطريركية المارونية و بطريرك انطاكية وسائر المشرق مار نصرالله بطرس صفير، بأن ثمة من ابنائه مَن هو قادر على التنكر له ولكرسيه البطريركي، وصولا الى محاولة تأسيس لـ"نمط ايماني جديد مسيّس ومصلحي"، لا يتوانى او يتورع عن المتاجرة برمز الطائفة ومؤسسها، وجعله مطية لتحقيق مكاسب شخصية شخصانية ومحورية هدامة.
وفي 15 شباط 2010، سلّم الجنرال البرتقالي مهمة ارساء وتثبيت الخط "الايماني" الجديد المطعّم بالعقائد المستوردة الى تلميذه النجيب النائب نبيل نقولا، ليتابع محاولات تسخير الدين خدمة لمصالح سياسية وصولية رخيصة، وكانت آخر ابداعات ونظريات وفلسفات ذلك "الفقيه اللاهوتي الجديد"، تشبيهه مناسبة ذكرى شهداء "حزب ولاية الفقيه" بمناسبة الصوم عند المسيحيين، في خلال محاضرة القاها في الحفل الذي اقامه الحزب على مسرح مدرسة الحكمة في جديدة المتن التابعة للمطرانية المارونية، وذلك بعدما احتال الحزب على ادارة المدرسة التي اجّرته مسرحها على خلفية ادعائه تقيّة تنظيم لقاء تحت عنوان "الحوار المسيحي الاسلامي"، وليس الذكرى السنوية لشهداء الحزب، واذ بها تفاجأ بعد فوات الاوان انها تعرّضت لعملية خداع!!
وتابع النائب نقولا، ناهلا من معين روحانية وتعاليم الجنرال الذي اعتاد على تفصيل تاريخ المسيحيين على مقاسه، او على قياس تعاليم ايران وحزبها: "هذا الشهر بالنسبة للمسيحيين هو شهر المقاومة، مقاومة المسيح الذي قاوم الشر واليهود، وبالنسبة للمسيحيين نعتبر ان اول شهيد سقط ضد اليهود هو السيد المسيح"!!
وقد استدعت هذه المقارنه وهذا التشبيه، ردا من "الأب الدكتور يوسف مونس"، الذي اوضح ان كلام النائب نقولا سياسي بحت، ولا علاقة له برسالة المسيح. وتابع قائلا: "من هنا يجب عدم التوقف عند أي كلام يقصد به تأمين غطاء للفكر الديني(...). المسيح جاء مخلصا وليس مقاوما لأي طرف أو فئة، ولا يجوز تغيير الجوهر او التلاعب عليه، لأن كلام الكتاب المقدس مختلف تماما".
وعن مقاربة شهر الصوم بالمقاومة سأل مونس:" متى قالت الكنيسة إن شهر الصوم هو شهر مقاومة؟ فهذا الشهر له مدلولات لاهوتية وقراءة واحدة في الفكر الديني، ولا يجوز أن نقرأ معاني الصوم بعيدا عن فكر الكنيسة واللاهوت. ومن الخطأ أن ننجر إلى هذا الكلام، والأفضل ألا نتوقف عنده إذا كنا نتقن القراءة في الفكر اللاهوتي والكتاب المقدس، علينا أن نفهم ماذا تريد الكنيسة وماذا يقول الكتاب المقدس، وليتكلم الباقي بما يريد".
باختصار: نحن امام "مسيحيين جدد"، يقدمون الشخص على الحزب، والسياسة على المبدأ، والمصلحة على الكنيسة، والقصر على الوطن...فمنذ عودته الى لبنان، والجنرال يقوم بتربية اتباعه على "مسيحية جديدة"، تقوم على الايمان والمحبة والرجاء، لكن ليس بالمعنى اللاهوتي المعروف بل بمعان مغايرة؛ فالمحبة عنده تعني محبة السلطة، والايمان: ايمان بأن "حزب ولاية الفقيه" وسوريا وايران يشكلون رافعات تاريخية للوصول الى هذه السلطة. اما الرجاء في تعاليم الجنرال، فيكون حين يعمل "حزب ولاية الفقيه" وسوريا على انهاء كل مسيحي حرّ من أمام طريق العماد عون، إما من خلال الطريقة التي شهدناها في السنوات الاربع الماضية، وإما عبر الطرق التي رأيناها في الـسنوات الـ15 الماضية.
وبعد استعراض الدور الخطير الذي يلعبه رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون على الساحة المسيحية في لبنان، والذي يتلاقى ودور الحوثي في اليمن، سواء على الصعيد السياسي او الماروني الكنسي، لا يسعنا الا ان نطمْئِن الجنرال وحلفاءه، ان المسيحيين واللبنانيين عموما، واعون ومتيقظون لكل المحاولات الهادفة الى تزوير الوقائع والتاريخ، والتلاعب بمشاعر المواطنين ودفعهم إلى خيارات غريبة عن تاريخهم وتقاليدهم، لاسيّما تلك المراد منها تلاقيهم عقائديا وتحالفهم سياسيا مع الذين نكثوا بوعدهم وتنكروا لثوابت وطنهم، وراحوا يعلون شأن دويلتهم على حسابه.
وفي نهاية المطاف، عاقبة المكر السيّئ ان ينقلب على اهله، ولذلك نشهد منذ عام 2005 إلى الآن تدنيّاً ملحوظا في شعبيّة الجنرال، وتزايداً مطردا في شعبيّة القوى المسيحية المتمسكة بالثوابت الوطنية للكنيسة المارونية، وفي مقدمها "القوّات الّلبنانيّة" ومسيحيو14آذار.
عبدو شامي
التعليقات (0)