مواضيع اليوم

جند الأرض .. جند السماء

عبد الهادي فنجان الساعدي


في الحين الذي كان يحضِّر فيه الحزب الشيوعي العراقي كل المستلزمات الاقتصادية والثقافية والفكرية لتهيئة الاجواء المناسبة لاقامة مؤتمره الثامن ، وتسير الدولة بخطى واسعة لتطبيق خطتها الامنية الموعودة .. تسير البلاد نحو الجنون بخطى اوسع بكثير .
أن العزوف عن الانتماء الى الاحزاب العلمانية والقومية لا يشكل ظاهرة لدى الشباب بقدر ما يشكل احدى الثوابت التي لم تستطع الاحزاب العلمانية أن تعيها أو ان تغيرها بل بالعكس فقد بدأت عناصر عديدة من خلاياها الشعبية بالتسلل خارج حضيرة هذه الاحزاب التي ما زالت تعيش في متاهات بداية واواسط القرن الماضي عندما كانت الشعارات تغطي الجدران متحدية كل ارهاب السلطات الحاكمة في ذلك الوقت كاقل افتراض نضالي وكانت المشانق تؤكد ديمومة هذه الاحزاب بعكس ما كان يراد لها من تدمير وتصفيات جسدية لقياداتها.
لقد سيطرت البيروقراطية على كل مفاصل الاحزاب العلمانية التي تعيش في جنوب وشرق المتوسط ، حتى لقد بدأت بالبحث عن مسكنات لوجع الراس القادم من داخل تنظيماتها القاعدية وتحالفاتها الجديدة التي فقدت الاحساس بالالم من اجل القضية في خضم الاحساس بالحاجة الى اهم مقومتين حياتيتين أشرَّهما الامام علي بن ابي طالب في احدى مقولاته (نعمتان مخفيتان .. الصحة والامان) أما لقمة العيش فقد بدأت تنحدر إلى الدرجة الثانية في سلم الاولويات .. أن (الخزين الستراتيجي) من احتياطي القيادات البيروقراطية في الاحزاب العلمانية في المناطق التي اشرنا اليها بامكانه ان يقضي على هذه الاحزاب ليتركها هياكل وصور لماض عريق تدخل ضمن مصنفات المنقرضات القديمة او ضمن خانة من خانات التاريخ .
بالمقابل نرى ان رصيد الاحزاب والتيارات الدينية في زيادة مستمرة .. لا لانه يمتلك الحقيقة الكاملة بل لانه عرف الطريق الى الدعم والتمويل الداخلي والخارجي والذاتي الذي لا يتناسب في أي شكل مع المبادئ التي يحملها هذا الحزب او التيار او التي يدعيها .. وفي بعض الاحيان تعمل الاجتهادات في استباحة كل المحرمات والمحللات بادعاء انها (دار حرب) ودار الحرب يجوز فيها كل شيء حتى ضياع واستباحة (النفس اللوامة) .. فهذا الجيش او التيار تشكل بموجب اجراءات التصفيات الجسدية التي مارستها احدى الطوائف ضد الطوائف الاخرى لانها فقدت امتيازاتها التي بقيت تتمتع بها طيلة قرون عديدة .. وكما قلنا عندما يكون الفعل خاطئا يكون رد الفعل خاطئا ايضا استنادا الى النظريات الفيزياوية التي تحكم العلاقات وهكذا جاء رد الفعل خاطئا وقاسيا الى درجة تناغم التصفيات الجسدية مع الرغبات المحمومة والتوجهات الصبيانية التي تربت لمدى قرون على فلسفة الحرمان والسلاح والثار (لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى – حتى يراق على جوانبه الدم) . و"ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة وللقلم والبندقية فوهة واحدة" ناسين او متناسين بان القلم ليس له فوهة وان واجبه يتلخص في اعطاء صورة الكلمات التي تخرج من العقل لتخاطب العقل ولتوجه فوهة البندقية ضمن اسس الفكر والنظريات التي اوجدها الانسان لخدمة بقائه وليس لخدمة دول كبرى هي في حقيقتها ولدت من مخاضات مافيات لها تاريخ عريق في صنع الملوك واقالتهم وذلك بموجب مصالح تلكم المافيات التي بدأت تحكم عن طريق الكومبيوتر .
وبغض النظر عن كل الاخبار والتصريحات والتقارير التي صدرت عن توصيف جند السماء وقياداتهم وتضارب تلكم الاخبار الا اننا نعتقد بان هذا التيار ولد من نفس الحاضنة التي ولدت فيها الطوائف والاحزاب والميليشيات التي تسيطر على مفاصل الدولة بخطيها الحكومي والمعارض سلميا وارهابيا .. وبالتاكيد فان الاعتماد على سذاجة الناس وهبوط الوعي السياسي والثقافي لديهم هو الذي ولد هذا الجيش – المفترض – من طرفي المعادلة ، وليس من الغريب أن تولد مثل هذه الجيوش في بلد لا تملك الحكومة فيه سوى ثلث السلطة و 10% من مجموع الاراضي والطرق والمساحات الخالية الا من القتلة والمافيات المصغرة عن المافيات الدولية الكبيرة ان كل هذه الولادات الممسوخة هي نتيجة واقع ممسوخ على الرغم من كل التساؤلات المشروعة وغير المسموح بها .. ففي الوقت الذي يمتلك فيه مجموعة من الناس يتعدى عددهم الالف بقليل كل هذه الاسلحة الخفيفة والمتوسطة ، وكل هذه الامكانيات المادية لشراء بساتين وبيوت وتموين ومحروقات نتسائل : هل من الممكن ان يمتلك أي حزب من الاحزاب العلمانية العريقة الامكانية لشراء بستان صغير ؟!! لقد وقف الحزب الشيوعي العراقي الذي قارب عمره ثلاثة ارباع القرن عاجزا عن ايجاد فضائية يستطيع من خلالها ان ينافس الاعلام الامبراطوري لبعض الاحزاب والتيارات التي لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات . وفي نفس الوقت هناك تيارات لم تفقد صدقها حتى الان ولكنها تعاني من الاحتضار الاقتصادي لكثرة اكتنازها الفكري الذي بدأ يفيض في الاماكن التي كتب عليها الجدب واللعنة .
أن الاحزاب الطائفية التي تسيطر على الحكومة التي تعد ممثلة للاغلبية الطائفية هي ليست ممثلة لهذه الاغلبية انما هي طائفية سياسية نفعية ولا تمتلك الرؤية المستقبلية التي تؤهلها لتقود البلد . ولكنها بالرغم من كل ذلك ما زالت تحكم ومستمرة على العيش ولو في مساحات من الارض الخضراء تقاس بالامتار وليس بالكيلومترات المربعة التي تركتها للحثالات التي ارتبطت بحبل سره منذ الازل مع مشيمة تكفيرية يمتد عمرها الى القرن الرابع الهجري ، قرن التكفير والهجرة .
اخبرني احد الاشخاص القريبين من مركز الاحداث وغرفة عمليات المستقبل بان الامريكان بدأوا ينحازون الى الاقلية الطائفية في كل الاعمال الاجرائية التي يمارسونها مع القوات العراقية ضد المسلحين وذلك لخلق الموازنة في تقليل عدد السكان وايصال البلاد الى التدمير الذي يوصل المعادلة الى القبول بالحد الادنى .
الاحتلال متعدد الجنسيات يستثمر دماء العراقيين في معادلاته التي تخرج كناتج لعمليات حسابية في الكومبيوتر والعراقيون يعيشون عصر الدموية الاسلامية بين الرقم صفر والرقم مليون في الحسابات المالية وفي بنوك الوعي الفكري .
اين مكان الاغلبية المستَغَلة سياسيا ؟!! لقد ضاعت هذه الاغلبية في طوابير الازمات العالقة والازمات المستقبلية . أن نسبة التمثيل في البرلمان للمرأة دستوريا 25% ولكن نسبتها في طوابير الازمات والترمل والاستجداء هي 75% وهكذا تكون النسبة المئوية المفترضة 100% لضياع المرأة بين الطوابير النيابية وبين طوابير الازمات وزحام التقاطعات .
في زحمة البحث عن الهوية تتكشف صورة جديدة كانت مختبئة لمدى بعيد بين شكلي التشيع في العالم الاسلامي بالخصوص في العراق وايران ، وذلك لشدة الصراع التصفوي بين الافكار الذي تحول الى مرحلة التصفيات الجسدية. هناك التشيع الصفوي الذي ولد نتيجة انبعاث الدولة الصفوية او ولادتها على انقاض الخلافات الطائفية والعرقية والاثنية وحاجتها الى عناصر بقاء من الممكن ان تكون سلبية في نتائجها على المجتمع الاسلامي وحتى على المذهب الشيعي وهذا ما حدث .. وهو ليس من اعترافات المحتضرين انما هو موضوع حساس جدا سبقنا الى طرحه المفكر الاسلامي الايراني المعارض الشهيد الدكتور علي شريعتي الذي ميز بين التشيع الصفوي الذي جاء كنتيجة سياسية والذي ولد تصادما اكيدا بين الطائفتين الشيعية والسنية في العراق خصوصا لانه استعمل الرؤية الماضوية العقيمة والاستناد على التجزئة من اجل البقاء ولم يستعمل الرؤية المستقبلية التي تجعل من الصراعات الطائفية ماض لا يجوز النظر اليه بقدر الاستفادة منه لبناء المستقبل العلمي والتسامحي والفكري الذي يتمثل بالتشيع العلوي الذي يقف الامام الصادق ممثلا له في الكثير من المواقف التي يرفض فيها اسلوب الشتم والمكروهات التي ينهى عنها كما كان ينهى عنها الامام علي والرسول (ص) عندما يقول (لا تكونوا سبّابين) ومن المعتقد بان مقولة (اننا نبرأ الى الله ممن يسب ابا بكر وعمر) تعود الى الامام الصادق لانها صورة انعكاسية لاخلاق الامام علي الذي ما توانى عن ابداء المشورة الصحيحة والنصيحة الاخلاقية والعلمية عن احد الخلفاء الراشدين والماثور عن ذلك كثير .
والغريب في هذا الامر ان النسيج العراقي الذي صمد لقرون عديدة امام الهجمات الصفوية والهجمات العثمانية ومحاولات التصفية التي حدثت لمرات عديدة بدأ يفقد القدرة على الصمود امام المواد الكيمياوية الحارقة التي بدات تحيل هذا النسيج الى رماد . هل هم الشيعة ام السنة ام هو الاحتلال .. والبعثيون والتكفيريون .. وحكام يفتقدون الى الكفاءة والنزاهة او الى كليهما؟!!
أننا نسير نحو الكارثة النهائية .. والاغلبية تمثل الرقم صفر في الاقتصاد وعلى المستوى الفكري .. وهي لا تمتلك سوى الرضوخ لمصيرها الدموي .. ولا توجد حلول سحرية .. ولكننا نعتقد بان الحلول الاساسية يمتلكها المثقفون العراقيون بتضحياتهم واصالة العراقيين المسحوقين ومن المؤكد بان العبد حين يثور لا يخسر سوى قيوده .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !