ان تكون جنديا بين انياب السياسة و السياسيين تاخذك برهة من الزمن في متاهات تقلّب موازين مفاهيمك الاخلاقية لهدف حملك السلاح و ارتداءك الزي العسكري , لم يكن حمل السلاح يوما من احلامي و لم يكن يوما هدفا اسعى إلية كي اكون آمرا و ناهيا في القوانين الصارمة التي ترتدي شخصية كل من امتهن تلك الحياة الغير مدنيّة, الظروف التي تحكم اين تتجه افكارك نحو مشاريع المستقبل و حين تصطدم بواقع من الظروف التي تحرمك من تطلعاتك كأي شاب يحارب في معترك الحياة لأجل تحقيق احلام ربما هي اكبر من حجم ما تتيحه له الظروف , خاصة حين تكون هناك معوقات تفرض عليك خيارات غير تلك التي تملأ رأسك,, ساعمل كذا و سأدرس ذاك الأختصاص و سأنخرط في ذلك المجال و سأشتري منزلا و اكوّن أسرة و انجب اطفال ,, قائمة من الأحلام لا تنتهي تتجدد و تكبر كل يوم و كلما هبت ريح من جانب تغيرت مسارات الأختيار بأتجاهات غير مدروسة تأخذ منك الكثير لغاية ان تستوعبها لتعديل اتجاه مسارك المعاكس.
حين دفعني حبي للحرية و رفضي القاطع لأن اجبر في اختياراتي بسبب ظروف خلقها انسان او كيان لا تتطابق او تتقابل رؤانا فيها, و التي اعتقدت انها تلبي طموحاتي كشاب انهى دراسته و اتجه لسوق العمل , قررت ان أتمرد و ارفض ان تفرض عليّ خيارات الأخرين , قادتني رواسب ذهني من خلال الكتب التي قرأتها عن رجال كافحوا من اجل الحرية و اصبحوا رموزا يرتدي افكارهم الشباب في عالم خيالاتهم بان يتحملوا مصاعب الحياة و استغلال موارد الطبيعة في تكوين شخصيتهم بشكل يختلف عن واقع الحياة الطبيعية ,, ان يتصوفوا و يزهدوا في التعايش خارج اسوار المدنيّة , ان يشقوا طريقهم على ضوء الطبيعة بدلا من الكهرباء , ان يسيروا اميالا بدلا من ركوب السيارات ,ان يرتضوا بالقليل بدلا من الكثير الذي تمنحهم اياه حياة الترف في المدن ,, لكن لماذا ..؟
كان مفهومي بين ما تعلمته من حياة المدن و الكتب الأنيقة التي حولت افكارنا للتمرد على المعطيات, والأن اعتبرها نسبية في عملية التغيير التي كنا نطمح إليها ,, فلو سألني سائل من اين نحصل على رغيف الخبز كنت سأجيب و بدون تردد من محل الخباز , لكن معايشتي مع الطبيعة و الناس الذين كانوا يكافحون في الحياة خلف الستار علمّني انه يبدأ من الأرض التي تُحرث بجهد أناس يصارعون معوقات تضاريس الأرض و تقلّبات مزاج المناخ في الرياح و الأمطار و عكوف السماء عن سقي الأرض و من يخلفهم في حصاد القمح و يطحنه ليصبح دقيقا ابيض او اسمر يصل لأيدي الخباز فنشتريه لنسد جموح الجوع في بطوننا,, تلك المعاني التي اكتبها بحروف هي صور عكستها مخزون ذاكرتي بآلة تصوير مخيلتي البدائية حيث لا تنقل دقة الصورة بل تحمل تعابير تلك الوجوه و خطوط تقدم العمر و طغيان سلوك الحياة عليهم و التي كان من المفروض كجندي حمل السلاح ان يطوّع سلاحه من اجلهم و من اجل ان يخفف عبء الحياة عنهم و حين وصلت الهدف و أُسقط الطاغية وجدت نفسي ضالا في غابة السياسة و لا اجد الطريق لترجمة طلقاتي التي اطلقتها لتحرير الأرض و الأنسان لأعود لترف الحياة المدنيّة و أتسائل لماذا حملت السلاح.....
التعليقات (0)