مواضيع اليوم

جمهورية همام!

محمد بلغازي

2009-12-23 10:01:35

0

يعرف المصريون أن محاولة جرت لإنشاء جمهورية في مدينة زفتى، وذلك بعد قيام ثورة 1919 إثر اعتقال الزعيم سعد زغلول، ففي يوم 18 مارس أعلنت "جمهورية زفتى" برئاسة يوسف الجندى حاكم المدينة، لكن التجربة أجهضت على يد الإنجليز الذين لم يتركوا الفرصة لامتداد الفكرة إلى بقية القطر المصري، وإلا أفلتت الأمور من أيديهم وتحقق الاستقلال للمصريين.
أما ما لايعرفه كثير من الناس فهو أن نظاما جمهوريا قام بالفعل في مصر في القرن الثامن عشر، قبل نشوء فكرة "جمهورية زفتى" بأكثر من 150عاما. استمر هذا النظام الجمهوري أربع سنوات نعم فيها جزء كبير من مصر بالاستقلال، شمل معظم بلدان الصعيد، امتد من المنيا شمالا إلى أسوان جنوبا. بدأ ذلك عام 1765 عندما استطاع شيخ العرب همام بن يوسف أمير قبيلة الهوارة الانفصال بالصعيد عن الحكومة المركزية للمماليك بقيادة علي بك الكبير، واستمرت الحرب بين دولة همام والحكومة المركزية حتى سقطت هذه الدولة عام 1769، وتمتع في ظلالها المصريون في الصعيد بالحكم الذاتي لأول مرة منذ فترة طويلة. لاحظ رفاعة الطهطاوي في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" أن نظام الحكم الذاتي في هذه الدولة ينطبق عليه وصف "الجمهورية"، وذلك عند حديثه عن الأفكار حول الملكية والجمهورية، وننقل رأيه عن موقع "منتديات أنسابكم"، حيث يقول في كتابه: "ومن الفرقة الثانية طائفة عظيمة تريد أن يكون الحكم بالكلية للرعية ولا حاجة إلي ملك أصلا، ولما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم، وهذا هو مثل مصر في زمن حكم الهمامية، فكانت إمارة الصعيد جمهورية التزامية". ويشير الموقع إلى أن الدكتور لويس عوض في كتابه " من الحملة الفرنسية إلي عصر إسماعيل- الخلفية التاريخية- الفكر السياسي والاجتماعي" نبه إلى أن طبعة وزارة الثقافة من كتاب "تخليص الإبريز" أسقطت الكلام عن "جمهورية همام"، مشيرا إلى حدوث هذا رغم الأهمية القصوى لهذه الجمهورية في تاريخ النظم السياسية والاجتماعية في مصر.
استطاع الأمير همام أن يدير دولة الصعيد بمهارة وجدارة لا تقل عن غيره من الحكام غير المصريين، واهتم بتقوية دولته من خلال التنمية والحماية العسكرية في الوقت ذاته. يشير موقع "منتديات مركز فرشوط" إلى أن الأمير همام أنشأ الدواوين لإدارة شئون الأراضى ورعاية العاملين فيها، وشكل قوة عسكرية من الهوارة والمماليك الفارين إلى الصعيد، وسعى إلى ازدهار الزراعة بصيانة الترع والجسور، وعقد المجالس لسماع شكاوى الأهالى وحل مشاكلهم، ولم يفرق فيها بين الغنى والفقير.
"جمهورية همام" صورة مضيئة في التاريخ المصري، استطاع خلالها مصري أن يحقق الاستقلال لجزء كبير من بلده، وربما كان يسعى إلى تحقيق الاستقلال الكامل للقطر المصري عندما تستتب له الأمور. "همام" انتزع الصعيد من المماليك، فقدم دليلا قويا على أن المصري لا يقبل أن تكون مصر ضيعة يتوارثها حاكم عن آخر، وأثبت كذب المقولة التي تدعي أن المصريين خانعون، يرتضون ما يمارسه عليهم الحكام من قمع وبطش وتخويف. كان "همام" مثلا عمليا في رفض الظلم والطغيان والتصدي لنهب قوت الشعب واستغلال طاقاته وإمكانياته.. المصري في داخله مارد يظل صابرا على الأذى أمدا طويلا، لكنه إذا ثار وزمجر فإن ثورته يُخشى منها، وقد تأتي بما لا يتوقعه أحد.
(مقالي الأسبوعي في جريدة "الوفد" يوم السبت 19 ديسمبر 2009)





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !