جمعتهم الثورة وفرقتهم الرؤى الشعرية؟!
بقلم: السيد نجم
ليس أصدق من الشعر مرآة تعكس طموحات وأطروحات الشعوب، وهو أكثر الفنون الإبداعية المتزامنة مع التجارب الكبرى.. مثل الحروب والثورات ومقاومة الفساد والقهر. الشاعر وحده هو القادر على التقاط الآني والتحليق به إلى سماوات بعيدة، دون حاجة إلى فترات زمنية طويلة مثل فن الرواية والمسرحية.
وهو ما يبرر كم هائل من الكتابات الشعرية، مقابل كم إنتاج ابداعات الفنون الأخرى، وقد يضيق معها مقام كتابة مقال. وان كانت من محاولة.. فهي لرصد تنوع الرؤى وارتباطها بالأحداث اليومية مع مجريات الثورة حتى انتخاب أول رئيس للجمهورية الثانية بمصر.
.. مع انطلاق الثورة فى الخامس والعشرون من يناير2011م، بدت القصيدة مشاركة لمطالب المتظاهرين، وفرحة بما أنجزت من سقوط رأس النظام.
قصيدة: "عايزين نجرب خلقة تانية" للشاعر: "أحمد فؤاد نجم"
نظرا لأن النعمة فاقت حده/ا"
ولأننا غرقنا في جمايل/ مستحيل حنردها / نستحلفك ……. نسترحمك /
نستعطفك.. نستكرمك / ترحمنا من طلعة جنابك حبتين/ عايزين نجرب خلقة تانية/
ولو يومين/ اسمع بقى / إحنا زهقنا من النعيم/ ونفسنا في يومين شقا/
عايزين نجرب الاضطهاد/ ونعوم ونغرق في الفساد/ بيني وبينك حضرتك/
دا شعب فقرى مايستحقش جنتك/ أنا عارفه شعب ماينفعوش/ إلا شارون وبلير وبوش/
عايز يجرب الامتهان/ ويعيش عميل للأمريكان/ بيمد، غازه، لإسرائيل
ويومين كمان ويمد نيل/ أهو يعنى نشرب ميه واحدة/ ندوب في بعض
ماء.. وماء.. وماء../ ونفض سيرة الانتماء/
وبلاها نعرة وطنطنة/..."
(وهى تعد من أشهر القصائد التي ترددت بين جنبات ميدان التحرير.. فكهة، محرضة، ساخرة، باللهجة العامية البسيطة)
قصيدة: "ميدان التحرير"
للشاعر: "سيد محمد عبد الموجود"
خَرَجَتْ مَلايينُ تدُكُّ بِصُوْتـِهَـا
قّصْرَ الـْعُـروبَةِ لعـلَّهَـا تـَرْتاحُ
قالتْ بِصَوتِ الشَّعبِ قّوْلاً واحِداً
إنَّ الــسِّـقـُوطَ لـِفـَاسِـدٍ أفـْـراحُ
هـَــذا النِّظـَامُ تعَـفَّـنَـتْ أحْـشَـاؤهُ
حـتـَّى بــَـدا وكـأنـَّـهُ الـسَّـفـَاحُ
هـَلْ كانَ إِلاَّ قـَــامِعَـاً بِـسِـلاحِـهِ
حــُـرْيَّــةٌ وعـَـدالـة ٌ وفــَـلاحُ
فتحَ السِّجُونَ على الخُصومِ كأنَّهُ
نـــَارٌ شـَـرَتْ بلهيـبهَـا أدْواحُ
وإذا الطَّوارِئُ مُنْــتهى أحْــلامهُ
أجْرى بِها الأحـْـزان والأتراح
مُذْ جَاء فينا ناشِراً مِــنْ حَـولـِـهِ
فـَقـْـرٌ وجـَهْـلٌ للـورى صَدَّاحُ
كمْ مِنْ ألوفٍ زَجَّهَا فِي سـِجْـنهِ
فـَتَـعَلـَّقَـتْ وتـَكَهْـرَبَـتْ أرْواحُ
ثُوروا على تلكَ الـمَجَـازرِ إنّـَهَـا
فـاقــَتْ حُـروبـَاً سـيَّـمَـا أنْواحُ
سيُروا على دربِ الشَّهادةِ والهُدى
إنَّ الكِـفـَاحَ لأرْضـِنـَـا مِـفْـتَاحُ
(وهى قصيدة تسعى لسرد أسباب الثورة. بالرغم من شيوع وكثرة مشاركة الشعر العامى، فى التعبير عن أحداث الثورة، لم تخل الساحة الإبداعية من قصائد الفصحى التقليدية.. وهنا الشاعر فى7/2/2011م، يبدو التوثيق هاما، حيث كتبت القصيدة قبل تنحية رأس النظام)
قصيدة: "في الخامس والعشرين وقف البحرُ على قدميه" |
للشاعر: أحمد فضل شبلول
أما وقد حققت الثورة الشعبية أولى انجازاتها، بسقوط رأس النظام، أسرع الشاعر معبرا عن فرحته، بل وفرحة الطبيعة والأشياء والبحر.. كتبت القصيدة فى19-3-2011م.
"- في الخامسِ والعشرين/ من كانونِ الثاني/ جاء البحرُ إلى أجفاني/ ودعاني.. للتغيير/ أمسكتُ بيدهِ/ كانتْ دافئةً/ لم تكُ .. مائيَّة/ أو إسفنجيَّة/ لم تكُ.. رمليَّة/ أو مِلْحيَّة/ كانت يدًّا .. ثوريَّة
- في ميدان التحرير/ يسبحُ بَحْري.. وَسْطَ الطوفانْ/ وَسْطَ ملايينِ الأحرارْ/ أصبحَ بَحْري ثَوْريّا
أتذكَّرُ لحظةَ أنْ كانَ يُغازِلُ بنتًا في "المعمورة"/ أو أخرى في "مارينا"/ ويُصادقُ أمواجًا في "مارسيليا" و"فينيسيا" و"أثينا"
أتذكَّرُ لحظةَ أن يجلسَ في المقهى/ ويدخِّنَ نارجيلَته/ يتثاءبُ فوق رصيفِ المينا/ يُغمضُ عينيه عنْ تهريبِ بضائعْ/ أو تخريبِ مصانعْ/ أو تسميمِ مزارعْ/ أو تزييفِ ضمائر/ ويسافر.. / للتصييف مع الكبراء
- بحري../ كانَ يعودُ حزينًا لشواطئهِ/ كانتْ روحُ الثورةِ تكمنُ في داخلهِ/ تتسامى.. تتعالى .. / تتراقصُ في أعماقِ الدوَّامات
- جاء الخامس والعشرون/ فانتفضَ البحرُ../ وهتفَ الموجُ ../ وطمسَ المدُّ بريقَ الزيفِ/ وسحبَ الجَذْرُ رصيدَ الخوفِ
في الخامسِ والعشرين / وقفَ البحرُ على قدميهِ/ عملاقًا.. وزعيمًا / يرفعُ راياتِ الحريَّة ولأوَّلِ مرَّةْ ../ تمشي في الأرضِ.. عروسُ البحر/ رافعةً لؤلؤةَ التنوير
ولأوَّلِ مرَّةْ .. / يجري بَحري نحوي / ويلامسُ فجري / يفتحُ أحضانًا / ويقبِّلُ صحوي يكتبُ أشعارًا / يزرعُ أوطانًا / يسكبُ أنهارًا / ويسابقُ شبانًا / في .. ميدان التحرير."
هكذا لم تعد الصورة الشعرية مجازية، بل يسعى الشاعر أن يجسد المجاز ويصوره حالة مادية متجسدة.. فكانت كائنات البحر قبل البشر تهلل وتسعى أن تعبر عن فرحتها.
قصيدة: "وبسم الله"
للشاعرة: حورية البدرى
بدت الفرحة بالمنجز الثوري الأول، أن دعت الجميع إلى طريق سواء، طريق للمستقبل له سماته الجديدة، وهو ما يتناسب مع تاريخ النشر (فى25مايو2011م) وقد هدأت النفوس قليلا..
"وبِسم الله/ وهاتوا اللقمة نِقسِمها/ وبَسْمَه لبَلَدي لَمّا تشوفنا متحدين/ بنبنيها/
وأحزانها وآلامها ؛ بنِردِمها/ فهاتوا اللقمة والأحلام/ وبسم الله ؛ نِقَسّمها
يا ثورتنا وصُحبتنا/ وبَرَكَه في الرِضا وقبول/ ونِدعي رَبِّنا فِي صُبح جُمعِتنا/ بَلَدنا الحرة تِتقدِّم/ وتِمحي سنين عذاب وأُفول/
ويكفينا رِضا الرحمن/ ويرضينا من الإنسان عدالة ونور/ وقلب ابيض كعيش صابح/
وخير طارِح/ بيملا أرض بلدي أمان/ ويدفع باللتي أحسَن/ فتتحَوِّل صحارى قلوب ورود بُستان/..."
قصيدة: قصيدة: دموع ميدان التحرير للشاعر: أحمد عبد الحكم دياب
ومضت الأيام، وبعد شهور قليلة، توالت الأحداث، وبدأت هواجس الشعراء، ودوما للشعراء هواجسهم وتنبؤاتهم.. فكانت تلك القصيدة، التى تعبر عن تخوف من ضياع منجز الثورة:
"نفس الميدان اللي فى يناير هب/ ورفع رايات البداية مليون بنية وشب/ وصاغ أهدافه من مقاسي شعب/ شقشق عليه الصباح بالضلمة مش بالنور/
سرقوا طموحه الزغابة/ وغيروا المسطور/ وباعوا أهدافه العظيمة بالرخيص والزور/ وجرى خلف المناصب والشعب والشورى/ بيغيروا الرمز والمركز لماسبيرو/ بيغيروه حقد منهم ومنه بيغيروا/
وبذلت البلطجية مجهود لتدميره/ علشان كده دمعته سالت على الخدين/ بيبكى لدم الشهيد/ ويقول نضالنا لمين/ دا عزوته فى الأساس من هدير ناسه/ شامخ بمعناه/ ومقلاعه/ ومتراسه
من تحت ساسه لأعلى قمته ورأسه/ سالت دموعه الغزيرة وانكسر كأسه/ ودموعه تهتف تقول/ فين اللي ثاروا/ وفين النيل وحراسه"
لذلك كانت دعوة الشاعر "محمد الشاذلي" فى16فبراير 2012م أي خلال عيد الثورة الأول يقول، ويرجو الجميع من أجل "الطيبين" من أجل الشعب المسالم:
"علشان عيون الطيبين
نعشق تراب الطيبين
ونعيش في حضن الطيبين
ونحب حب الطيبين
ونضحي لجل الطيبين
يعيشوا عيشه الطيبين"
ملامح عامة فى التجليات الشعرية للثورة..
: تجلت ظاهرة كثرة وشيوع "شعر العامية"
لم تكن مصادفة أن يلاحظ المتابع لمجمل الإنتاج الشعري (المتاح) أن نسبة كبيرة مما نشر هو المكتوب باللهجة العامية.. يبررها أنه الأقرب إلى رجل الشارع، الذي هو المخاطب الآن، وفى هذا الوقت تحديدا، لأنها ثورته.. ويبررها أنها أقرب إلى التعبير عن الروح المرحة التي تغلبت كثيرا فى تلك الثورة.. ويبررها الغنائية التي هي العتبة الأولى لسرقة انتباه المنشغل بنفسه وقضاياه.. يبررها توافر أهم وسيلة للنشر فى تلك الثورة (شبكة الانترنت)
: تجلت ظاهرة غلبة الرواج "الغنائية"
الغنائية بالمعنى الموسيقى، أو لنقل تلك الموسيقى الإيقاعية الخارجية والداخلية، التي تعتمد على "التكرار- الألفاظ السهلة- السخرية- المحسنات البديعية".. تلك القريبة إلى أذن ووجدان المستمع، مثل "السجع- تكرار القوافي- الصورة الشعرية القريبة إلى الوجدان الشعبي..
: تجلت ظاهرة رواج "المرح"
المرح هو تلك الحالة التي تثير الابتسام، وقد تستدعى الضحك والقهقهة، والشعر العامي قالب يناسب تلك الحالة. وان رصد الشعر المعاصر كم من الشعر الفصيح الفكه، حتى بأقلام قامة مثل "حافظ إبراهيم".
تلك السمة المرحة راجت فى الشعر العامي، وبرزت أيضا فى بعض الشعر الفصيح، من أشعار الثورة..
: تجلت ظاهرة تعدد الرؤى النقدية
وهو ما توافق مع الأحداث اليومية والمتتالية لصراع القوى السياسية، وتعدد الرؤى والتفسيرات لها، ومنها رؤية الشاعر" محمدعبدالتواب معوض"..
وقد نخلص إلى عدد من الملامح هي: غالبا يكتب الشاعر أكثر من قصيدة، ومنهم من نشر ديوانا كاملا خلال السنة.. تنوع مدارس ومناحي الشعر والشعراء فى التعبير عن التجربة.. بدت مشاركة الشعر العامي، غالبة وبنسبة أكبر من غيرها.. تواصلت الأعمال الشعرية الأحداث المتجددة يوما بيوم، وعبرت عنها.. رواج ما يمكن أن نطلق عليه "قصائد قصيرة جدا".
Ab_negm@yahoo.com
التعليقات (0)