وكأن هذا قدر هذه الشعوب المنكوبة .. أن تتقلب على مدى تاريخها منذ أن انفلتت من ربقة الإستعمار الأجنبي حتى تلقفتها أيادي أبنائها من (الزعماء) الذين أودعتهم الأمة مصائرها وسلمتهم مقدراتها وسارت شعوبهم خلفهم كالعبيد الذين يتوقون على شم نسائم الحرية والكرامة بعد طول امتهان ..
ما كادت الأمة تستنهض عزيمتها عقب عشرات السنين من الإحتلال وبمجرد أن لاحت لها شارة من يد أحد أينائها الصلب حتى أفاضت عليه من أنهار أحلامها وفيضان خيالها وأعاصير آمالها في اللحاق بركب الأمم . أعطته ما لم تعط أحداً من العالمين من حب ووفاء وإخلاص وطاعة ..
فكان عبد الناصر الزعيم والملهم ..
وكانت الأمة العربية الأرض الخصيبة لحلم الوحدة والاستقلال والحرية ..
كان عبد الناصر نصيراً ورمزاً وملهماً لكل ما هو حق وكرامة وحرية .. كان رمزاً لنصرة الفقراء والكادحين والبسطاء والشرفاء على طول الأمة وعرضها ..
كان ملهماً .. كان زعيماً .. كان زعيماً إلى الدرجة التي ابتلعت الأمة أكبر هزيمة حاقت بها في تاريخها دون أن تمسه حتى بعتاب ... كان ملهماً حتى مات .. ضربت الأمثال في نظافة يده .. وفي نزاهته .. وفي أصالته ..
ذهب عبد الناصر مودعاً بأكبر جنازة بشرية في التاريخ احتشد فيها أكثر من ستة ملايين مواطن خلاف عشرات الملايين الذين بموته ودعوا حلماً راودهم وسرعان ما خبا ...
ومات عبدالناصر .. مات (ثوار الأمة) .. ثم تقلبت الأمة على أيدي باقي الثوار أو خلفاء الثوار والسائرين على هديهم أو نهجهم ..
ودارت دورة الأيام حين ظهرت (أفراخ) الثوار الصغيرة التي تغذت على مهجة شعوبها ثم راحت تدور دورتها هي الأخرى.. ولكنها ليست كدورة أبائهم الملهمين بل دورة أخرى شديدة النهم وشديدة الشراسة شديدة الشراهة ..
عيونهم مسلطة على أموال الناس .. لا هم لهم إلا جمعها واستلابها بكل طريق وبأي طريق!!
لذا فلا عجب حين نرى اليوم حفيد الزعيم الملهم .. حفيد القائد الخالد .. يقود حملة عارمة وضارية من إعلانات المتعة الرخيصة.. واللقطات الهابطة .. والمبتذلة .. واللقطات السوقية غاية الرداءة .. والفظاظة .. والفجاجة تحت شعار لامواربة فيه.. (المال) المال وفقط ..
دخل البيوت بإعلانات قناته (ميلودي) شديدة الإسفاف والسقوط والخلاعة والمجون وبألفاظ لا أردأ منها وقاحة وإيماءات جنسية شديدة الإبتذال تسقط الأسر المصرية في مستنقع الانحلال والتفسخ والضياع .. إنه / جمال أشرف مروان .. حفيد الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر) وابن السيدة / هدى جمال عبد الناصر .. وابن أشرف مروان مساعد الزعيم جمال عبد الناصر
و المستشار السياسي والأمني للرئيس أنور السادات .. والذي أثار موته لغزاً بترويج إسرائيل أنه كان عميلاً وجاسوسياً لها بينما يروج في مصر أنه عميل مزدوج يعمل لصالح مصر ..
جمال أشرف مروان اقتحم الساحة في مصر بسلسلة قنوات تحت اسم (ميلودي) وسلسلة كليبات دعائية غاية في الفجاجة والابتذال والإيحاءات الجنسية الساقطة الصريحة بلا أدنى مواربة بالاستعانة بأعفن ما في قاموس الشارع من الإسقاطات التي ضمنها دعاياته لقنواته في سلسلة من الإنهيارات المجتمعية التي نمر بها هذه الآونة وفي ظل تغييب أدنى درجات الحس الأمني أو القومي للبلد ..
وليس من قبيل الغرائب أن تصاب السيدة / هدى عبد الناصر بالإحباط حين فوجئت أنه لم يتم تسويق ولو نسخة واحدة من ألبوم خطب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في بلد مثل ليبيا ..
فلا أعتقد أن خطابات عبدالناصر ستثير في شباب الأمة مثلما ستثيره كليبات المجون التي يغرق بها حفيده الفضائيات آناء الليل وأطراف النهار !!.
على امتداد مصر وباقي البلاد العربية .. الشعوب وهي ترى (أفراخ) الزعماء و أبناء الحكام وأسرهم ينبشون في بطون الشعوب .. ويستلبون خيراتها بالرخيص وبالتافه وبالعــَرَضْ القليل دون أدنى وازع من انتماء أو وفاء أو إخلاص .ودون أدنى حياء أو تقدير لسلفهم ولآبائهم الذين قادوا تلك الأمة في زمن ما ...
فإن هذه الشعوب والحال كذلك ستلفظ الجميع .. نعم ستلفظ الجميع بلا استثناء ..
وستلعن كل شيء .. كل شيء .. بلا استثناء ...
وستصبح الرمز في نظر الشعوب وبسبب أفعال أولئك الأبناء مسخاً مشوهاً .. ولعنة .. وكابوساً تتمنى الشعوب أن تتناساه على مدار التاريخ ...
التعليقات (0)