يقدم الملايين من البشر الولاء التام لأديانهم ولرجال الدين ، وهذا من وجهة نظرهم أمر طبيعى لأعتقادهم أن ما يفعلونه هو تعبير حقيقى عن الإيمان والإنتماء إلى الدين ، فى الوقت الذى يقدم لنا التاريخ صوراً سلبية فاسدة للأديان وتأثيرها الهدام فى حضارة الشعوب عندما يحتكر تفسيرها وقيادتها طبقة رجال الدين بأيديولوجياتهم المتباينة مع الحق الإلهى ، حيث أن الولاء المطلق لمؤمنى الأديان تجاه أحاديث رجال الدين غالباً ما ينتج عنه أفعال تتسم بالتعصب الأعمى لعقيدته وأحياناً بالوحشية والشر تنفيذاً لأوامر قادته مثل الحروب والأرهاب والأضهادات البشعة التى شهدها تاريخ البشر ومسلسلها مستمر حتى يومنا هذا .
كثيرة هى الأخبار والحوارات والخطب والمواعظ الدينية التى تملأ أماكن العبادة فى كل الأديان والتى يعلنون فيها أن أديانهم تدعو إلى المحبة والسلام والغفران والتسامح ، وفى نفس الوقت يشعلون نيران الحقد والكراهية مستغلين أسم إلههم فى تقديم الدليل على أنه يبغض من لا يؤمن به وبوحشية يريد أن يهلكهم فى هذه الحياة وفى الحياة الآتية .
هذا التلاعب الكريه وآثره الهدام فى تكوين الضمير الدينى يرجع إلى تلك الأيديولوجيات الدينية التى تنشأ لتقدم رؤياها الخاصة للإله وللدين الذى تنتمى إليه تحت مسميات متعددة منها النضال والجهاد والدفاع وإقامة أنظمة حكم دينية نتيجة للإحباط السياسى الذى يعانى منه الكثيرين فى ظل الدكتاتورية ، ووجد البعض ملاذهم فى شعارات الدين وصنعوا من الماضى أحلاماً لحاضرهم ، وأتخذوا من نصوص الدين وسيلة للعدوان فى المقام الأول على النظام السياسى العاجز وفى المقام الثانى العدوان على الآخر مهما كان حتى يكسبوا أنفسهم الشرعية والجماهيرية فى عيون معجبيهم ، وتحول الدين من صيغ عبادية وفضائل وقيم سامية إلى حلول عدوانية دموية تبحث عن الصراع والأستبداد لفرض أيديولوجياتها وتهديد الوضع الإجتماعى بنشر فوضى الشعارات الدينية السياسية وترسيخ قيم دينية لا إنسانية بعيدة عن الإخلاق الحقيقية للخروج بأصحابها من حالة الأنعزال والإحباط واليأس من جدوى الحلول السلمية إلى عالم مثير ساحر يستعيد مآسى الماضى بطغيان أيديولوجى جديد نابع من أفكارهم المريضة ويصب فى بوتقة السياسة الدينية .
نعمة أو نقمة وسائل الأتصالات الحديثة التى وضعتنا وجهاً لوجه أمام الأحداث البشعة التى تقع حول العالم لحظة وقوعها، وأصبحنا نسمع ونشاهد الغدر والقتل والعدوان بأعتبارها أعمال تطهير عرقية شرعية صالحة من وجهة نظر أصحابها أرتضاها الله إلههم لخير البشر وينشرح بها صدر الكثيرين، حتى أصبح الضمير الإنسانى يعيش إزدواجاً حاداً فى قيمه ومعتقداته جعل من الخير شراً ومن الشر خيراً شرعياً.
الفراغ الثقافى يجعل البشر ميالين إلى تصديق الخرافات والأفكار الدينية التى تتخذ من الأيديولوجيات الفاسدة منهاجاً لها ، مما يجعل الواقع الإنسانى غارق فى الفلسفات البشرية والدينية الباطلة ويخيم عليه ظلام عقلى لا يعكس إلا تعاليم البشر الفاسدة والذين يحرفون تعاليم الله لمصالحهم الشهوانية وأطماعهم التوسعية ،وفى ظل إختلال الدور الحكومى ، أستطاع رجال الأديان بقدراتهم وبراعتهم الخطابية فى أختراق المجتمع وأجتذاب الجماهير الساذجة من حولهم بتكوين أيديولجيات دينية خاصة بهم يكون لها نماذج سلوكية دينية تعمل على بناء الفكر الذى يؤجج الغضب على المجتمع والسلطة وكل من يخالفهم فى نموذجهم السلوكى الشاذ ، مما يجعلهم يشعرون بأنهم الوحيدين الذين أختارهم الله لتنفيذ مشيئته العدوانية فى هلاك البشر الكافرين بتلك النماذج العقائدية البشرية الغريبة .
تحت مظلة وحماية الدين الأيديولوجى تنتهك حقوق الإنسان وتهدر كرامة الإنسان ، لأن رجال الدين يبررون أنتهاكاتهم بما يملكون من سلطان وعقائد وشرائع ينسبونها زوراً إلى الله ،ويبيحون بها لأتباعهم القيام بالأنتهاكات المستمرة لسحق الآخر وهم فى ذلك ينفذون حرب إبادة دينية لا علاقة لها بأى إله إلا شياطين العالم الذين يستفيدون منها ويسعون بكل الوسائل والطرق إلى خداع الناس بشرعية الحروب وعدم جدوى السلام بين البشر ، لأن أفكارهم الأيديولوجية تقول لهم بنفاق كبير أن البشر هم واحد لكنهم عندما يدخلون تحت عباءة الدين فالوضع يتغير والبشر ليسوا واحداً ، ويبدأون فى تقدير بشرية البشر وفقاً للمعيار الدينى العنصرى ، فالتعاطف والإخاء والرأفة والتسامح يسود داخل الدين ويطبق فقط على من يعيش فى هذا الدين أو ذاك ،هكذا يختفى الله وتسود الأيديولوجية الدينية العنصرية التى تستغرب وجود تساوى بشرى بين من يؤمن ومن لا يؤمن ، وينخدع أتباع الأديان بإغراء الأمتيازات الدينية التى يخدعهم بها رجالهم الدينيين والتى يرفضون أن يشاركهم فيها غيرهم لأنها ترفعهم فوق بقية البشر وتعمل على أزدياد النزعات المتعصبة التى تخرب العقل وترهب الفكر الحر وتعمق الفوارق الطبقية بين الناس على أساس الدين الذين ينتمون إليه مما يجعل صورة الدين قبيحة ينفر منها أصحاب العقول الطبيعية .
وسط كل هذا يتأصل الشر الدينى وسط مناخ إجتماعى ينقصه التناغم والتواصل الحقيقى بين البشر ، وتتراجع القيم الجمالية فى الأديان لتحل مكانها الفكر الدينى القبيح الذى ينشر ظلاله بسذاجة على وعى الإنسان الحاضر ويهلل له الإعلاميين بأعتباره الفكر المثالى الواجب تربية أجيال البشر عليه ، لذلك تزدهر الأفكار والعقائد الدينية لتصنع من أيديولوجياتها أسلحة للدمار الشامل لا تحترم حقوق إنسانية أو دينية ، بل يغلب عليها الأنفعالات المسمومة التى تضلل الرأى العام وتقوده إلى هاوية الجهل والخراب.
تلك المظاهر السلبية الهدامة تحتاج إلى الهدم وأستبدالها بالقيم الحقيقية للأديان وللإنسان ، ليتمتع الناس بالجمال الحقيقى للإله الخالق العظيم الذى خلق كل شئ حسناً ، لكن الإنسان المنحرف فكرياً يفسد ويدمر ويقتل ويرفض العودة إلى جمال الله وجمال مخلوقاته ويصر على السير وراء القبح الشيطانى !
فهل هناك أمل فى أن نصغى لصوت العقل الإلهى لبناء أنفسنا وأوطاننا ونساهم فى أستثمار إنسانيتنا فى خير العالم ؟
2004 / 6 / 27
التعليقات (0)