حَبيبتِي .. أما آنَ لهذه الآهاتِ المسجونةِ بين أضلاعكِ أن تكسرَ قيدها وتتمردَ على سجانِها ..
أما آن لهذه الأوجاع المحبوسةِ داخل صمتكِ أن تَخرجَ من قمقمها ويفرَّ ماردُها نحو أفقٍ أرحب ..
حبيبتي .. تحاورنا كثيراً واختلفنا أكثر ..
فلا يُمكنُ بِحالٍ من الأحوال التمردُ على غولٍ اسمه المرض .. هكذا قلتُ لك
سيولِّي هذا الغولُ مهزوماً مدحورًا إن فكّر في اقتحام تَمردنا .. هكذا قلتِ لي ..
حبيبتي .. سيفور تنور الِمحن ، وسيهب إعصار العلل
وسيبقى جمالك صامداً فِي عُنفوانِ العَصْفِ .. هنا سكتُّ عن الكلام المباحِ وأدركتُ بُعدَ وعُمقَ تفاؤلكِ ..
وبقيتُ .. :
أُحسُّ بقلبيَ الموجوعِ يَشكو منْ فِرارِ النَّـزْفْ
وَأحلامِي التي اختَصرتْ مَسيرةَ خُطوتِي الأُولَى
لِتركضَ فِي طَريقِ الألفْ
وأوهامِي التي بُنيتْ على كتلٍ منَ الإعياءِ
لم تصمدْ أمام الزحفْ
وغَاباتٍ من الإيمانِ تُنثَرُ في صَحارَى الشَّكِ
أعيتَها رياحُ الشكْ
فثارتْ من صدى الأكوانِ أغنيةٌ
تُكشفُ لغزَ أناتِ الخليقةِ
تعزفُ الإقناع َ، لكن لا تجيدُ العزفْ
أجبنِي يا شَقيقَ الروحِ كيفَ تُعانِقُ الألمـا
وكيفَ يَموتُ فِيكَ الحزنُ مُنكسراً
ويُبعثُ صبرُكَ التياهُ في دنياً من الآلامِ
سيلاً جارفاً عرِمَا
وكيفَ تضرجتْ فيكَ الهمومُ
وفرَّ منك الخوفْ
وكيف تُعانقُ الشَّكوى
لتفترقَا على لحنٍ شجيٍ يُبهرُ النغما
كأنك إذ تسيرُ بلُجةِ الأوجاعِ
تعدو مسرعاً للخلفْ
أزِحْ يا روحيَ التعبى عن الآهاتِ أوجاعكْ
وقهقهْ إنْ رأيتَ الهمَّ لا ينفكُ إخضاعكْ
وإنْ قَلَبتْ لكَ الأيامُ ظَهرَ مِجَنِّها الحَدِبا
ولا تَحْزن إذا ما سِرتَ في دَربِ العَنا حُقبا
فهذا حُوتُك المنسيُّ قد ملَّ انتظاركَ
فارتمى فِي بَحرِه سَرَبا
ولم يكُ ذلكَ المبغيَّ كي ترتدَّ خلفَ فَتاكَ
في آثارِهِ قَصَصَا
فَلا تَعباْ لِمَا خُبّي بِظهرِ الغَيبِ من قَدَرٍ
فأنتَ على المدى المنظورِ منتصرُ
وأنت الليلَ تَهزمُهُ وَيسقُطُ تَحتكَ القَمَرُ
فلا غَسقٌ .. فيُبعثُ من جحيمِ الموتِ مَزهوَّاً ولا سَحَرُ
ولا ريحٌ تَهبُ بفجركَ الوضاءِ تَبغي من صميم الحقد إرجاعكْ
سَتبذلُ كلَّ قوتِها وتبذلُ كلَّ طاقتِها تُحاولُ فيهِ إقناعكْ
وتبقى شامخاً كالصقرِ تَعلو في مَهاوي الحتفْ
أيا أنشودةَ الأحلامِ رقّصْ لحنكَ الغَجري
وعُدْ لليلِ والسُّمارِ أوقدْ جَذوةَ السمَرِ
وأيقظْ لَدنَكَ الغافِي على همسٍ من الوترِ
ولا تعبثْ بِما خَبَّتْ لكَ الأقدارُ مِن فتنٍ
ومن عينينِ خَضراوَينِ تَحكي غابةً من فَيضِ إحساسٍ
تَحفُكَ بالأمانِي حَفْ
ومن شفتينِ أُوقدَتا بِجمرِ حَرارةِ العُشاقِ من بَدء الهوى العُذريِّ
حتى عِشقِنا هذا المُبعثَرِ فِي انتظامِ الصَّفْ
ومن نَهدينِ يا ااالله كيفَ تفننَ البارِي
فلفَّهما بِما جَادتْ يداهُ لَفْ
وأتقنَ فيهما هذا البريقَ
برقَةٍ يَحتارُ فيها الوصفْ
فما مَسّتهما مِن فَرطِ إغراءٍ
على رَغمِ الخطايا كَفْ
فقمْ يا سيدي قد آنَ وَقتُ القَطْفْ
فها قد جئتُ أحملُ رغبةً بين الجوانحِ
لا تَسلْ عنْ سِرِّها
لن أستطيعَ الكشفْ
فلا تَخجَلْ إذا ثارتْ دماءُ حيائكَ
اللاتِي جرينَ على خدودكَ
عندَ هذا الزحفْ
ولا تَخجلْ إذا نضُبتْ وغارتْ
بعد هذا الرَّشفْ
فقمْ وانفضْ غبارَ الضَّعفْ
أعرني من لحونكَ بعضَ هذا العزفْ
فما زالتْ على قِيثاركَ المزهوِّ آثارُ اعتداءِ الدفْ
وما زالتْ بلحنكَ آهةٌ تتمردُ الأوجاعُ
معلنةً وفاةَ الضعفْ
كأنكَ إذ تُحاطُ بعَاصفِ البلوى
تَخَافُكَ ضَـارِياتُ الخَوفْ
فهذا نَحركَ الزاهي يُحطمُ كبرياءَ السيفْ
وهذا قلبكَ المسكونُ فلسفةً وعُمقاً
لا يَملُّ تَحملَ القـدرِ
وهذا صـبركَ التياهُ توَّاقٌ إلى الخطرِ
سيبقى ... بل ستبقى ..
صامداً في عنفوان العَصفْ
زكي إبراهيم السالم
التعليقات (0)