جماعة العدل والإحسان تريد فرملة الإصلاحات
كتب: مولاي محمد اسماعيلي
www.malghad.com
كلنا نعرف الأسس التي تنبني عليها جماعة العدل والإحسان، فهي تؤمن في المقام الأول بالدولة الشمولية التي تجعل جميع السلطات، بل كل السلطات في يد رجل واحد، هو عبد السلام ياسين الطاعن في السن، والذي وصل من الكبر عتيا، هذا الرجل مع احترامنا لسنه، لا يستطيع الآن أن يقوم بحاجياته الشخصية فما بالك أن يقوم بشؤون الأمة، وأن يقف على مشاكلها وانتظاراتها، والأهم في كل هذا أن الجماعة لم تفرز أي شخص بنفس كاريزما عبد السلام ياسين، مما يطرح مسألة خلافته وتولي أمور الجماعة بعده أمرا خراج كل التوقعات، خاصة بعد الصراع الذي أصبح يظهر في الأشهر القليلة الماضية بين شخصيات من مجلس الإرشاد، على منصب المرشد المقبل للجماعة، خاصة بعد اهتزاز صحة عبد السلام ياسين.
لقد طغا الجانب الخرافي على فكر هذه الجماعة، فقد وصل بهم الأمر إلى توظيف الملائكة لخدمة أعضاء الجماعة وتوزيع التمر والحليب عليهم، بل أكثر من ذلك كانت الخرافة الكبرى في رؤيا 2006 التي أثبتت للمغاربة جميعا مدى تغلل الخرافة والخيال في فكر هذه الجماعة، فليس غريبا أن تلجأ الجماعة إلى ترويج الخرافة والرؤى والمنامات، لأنها المسألة الوحيدة التي لا يمكن إثباتها علميا، فمن يستطيع أن يكذب شخصا يقول أنه رأى في المنام كذا وكذا، وحده الشخص المعني من يعرف هل الأمر صحيح أم مجرد اختلاق لا أساس له من الصحة، وكم من أضغاط أحلام حكاها أتباع الجماعة، كلها تنم عن جهل مطبق وتخلف العقول التي تؤمن بتلك التفاهات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون صحيحة.
سياسة الركوب على الأحداث عقيدة ومنطق اشتغال لدى هذه الجماعة، فقد شاهدنا ذلك دائما ونحن ندرس في الجامعة ، فهم يحاولون دائما أن يستغلوا أي حدث تشهده الساحة الجامعية لصالح جماعتهم، مسلحين بالمكر والخديعة واللعب على مشاعر الطلبة ودغدغة الحس الديني لديهم واللعب على وتر الظلم والاستبداد ومعاناة الشعب، لنيل مصالحهم الخاصة والتي يسيرها قادة الجماعة خارج أسوار الكليات والجامعات.
ظهور حركة 20 فبراير كانت فرصة أخرى لمعرفة مدى جاهزية هذه الجماعة من اجل الانقضاض على مطالب هذه الحركة، فرغم الاختلاف الفكري الكبير الموجود بين العدل والإحسان وعدد كبير من شباب 20 فبراير، (والذين كان عدد منهم في مواجهة الجماعة في الساحات الجامعية المغربية)، إلا أن الجماعة تغاضت عن هذا الاختلاف، وهي التي تشعل الساحة الجامعية عند كل تصرف مخالف للدين حسب اعتقادها من طرف التيارات اليسارية في الجامعة، وحتى التيارت الإسلامية الأخرى الموجودة في الجامعات المغربية، تسعى الجماعة إلى تقزيم دورها، بل يصل الأمر إلى المواجهة العنيفة في عدد من المرات لكي تبقى الساحة فارغة لأتباع ياسين لوحدهم.
لقد أثبتت نجلة زعيم هذه الحركة السياسية ندية ياسين أنها صراحة مع قيام النظام الجمهوري في المغرب، مما يبين عدم معرفتها بما تريد وفي تناقض تام مع فكر الجماعة، لأن الجماعة تؤمن بالخلافة، والخلافة تقوم على أن يحكم الخليفة حتى يتوفاه الله وتختار الأمة بالشورى والتشاور خليفة آخر، سيرا على نهج الطريقة الأولى للخلافة في بداية عصر الإسلام، وهنا يظهر الارتباك الذي تعاني منه الجماعة خاصة مع نكسة 2006 وتراجع شعبيتها بشكل كبير بعد ذلك، وتعكس المناورات التي تقوم بها في هذه الأيام مدى الاحتقان الداخلي الذي تعيشه، نظرا لغياب الأحداث السياسية التي تستغلها من اجل الحضور في الساحة، ونقل الخلافات والنزيف الداخليين للخارج، أي بترويج شعارات ضد النظام المغربي.
لقد حلت اللحظة التاريخية التي يجب أن تكون فيها هذه الجماعة واضحة مع الشعب المغربي، فإما أن تعمل على التأسيس القانوني للجماعة عبر قانون الأحزاب، وجمع أتباعها في حزب سياسي معترف به، واعتقد أن الأجواء الآن مساعدة لكي تقوم بهذه الخطوة، وإما أن تعلنها صراحة، أنها لا تريد الانخراط في المشروع الإصلاحي الذي فتحه المغرب وخاصة بعد خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس الأخير.
إن المغرب يتوجه الآن نحو ترسيم دستور جديد سيوسع لا محالة من هامش الحريات ويحمي حقوق الإنسان، وهي أمور لا يمكن أن تجعل جميع المغاربة بشتى تلاوينهم أن يقبلوا بينهم تنظيمات غير قانونية، لقد وصل الزمن الذي ستظهر فيه قوة كل تنظيمات المغرب، من تمثل حقا الشعب المغربي، ومن يصدق عليها المثل العربي القائل"أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً"، وكم كان الناس ينتظرون ان تكشف الثورة المصرية على حجم أسطوري لجماعة الإخوان المسلمين، فكان الواقع عكس التوقعات وثبت أن الإخوان المسلمين في مصر فاعل سياسي كباقي الفاعلين له شعبيته بين الناس، ولكن ليس الفاعل الأكبر والأوسع في مصر، لقد ثبت بعد الثورة أن شباب مصر هم اكبر قوة وهو يمثلون أنفسهم ويخرجون بالملايين فيما لا تشكل التنظيمات السياسية إلا ألافا فقط من كل تلك الجحافل التي أنهت عهد مبارك في بلاد الكنانة.
فهل تملك جماعة العدل والإحسان الجرأة، وتخرج من وراء المتاريس الحقوقية والإجتماعية والسياسية التي تتمترس وراءها، ليعرف المغاربة حجمها الحقيقي، وقد عرفوا في تظاهرات 20 فبراير و20 مارس، فلو كانت ذات جماهيرية كاسحة لخرج الملايين لمساندتها خاصة في ظل اللحظة التاريخية التي توفرت في العالم العربي بعد هبوب رياح التغيير على الجميع.
البلاد الآن في حاجة إلى كل أبنائها من جميع التوجهات، لكي يعملوا يدا في يد من اجل بنائها، وليس انتهاز الفرصة من اجل الاصطياد في الماء العكر الذي تتقنه جماعة ياسين.
التعليقات (0)