الشيخ ياسين و نجلته ندية
غابت أخبار جماعة العدل والإحسان عن الساحة الإعلامية خلافا للسابق، إذ لم نعد نعاين ذلك الزخم من الأحداث والمواقف التي تعودنا عليها في السنوات الأخيرة، والتي كان آخرها تداعيات تحقيق الرؤية ونازلة منشد الجماعة. فهل اختارت الجماعة "عطلة" المحارب أو أنها غيّرت نهج عملها وأعادت ترتيب أولوياتها؟
لقد ظل موقف جماعة العدل والإحسان ثابتا إزاء النظام السياسي واللعبة السياسية برمتها. ورغم أن الجماعة تؤمن بمبدأ المشاركة السياسية، إلا أنها ظلت ترى إشكالا في شروطها وفي حدود الصلاحيات وهوامش التحرك التي تخولها. لذا نهجت خيار المقاطعة لأن إشكالية تقاسم السلطة مازالت قائمة حسب تقديرها.
انتهجت إذن الجماعة طريق المشاركة السياسية، لكن من خارج المؤسسات القائمة ودائرة آليات اللعبة، واعتمدت على الفعل السياسي كحركة اجتماعية احتجاجية معارضة تراهن على الشارع وعلى قواعدها وامتداداتها، في صفوف فئات الشعب.
وبعد سلسلة من الأحداث برزت الجماعة فيها أو كانت وراء خلقها، ها هي الآن تبدو وكأنها توارت عن الأنظار فلم يعد ظهورها بارزا كالسابق، اللهم من حين لآخر، لتتناسل أخبار عن اعتقالات في صفوف الطلبة أو خضوع بعد منتسبيها إلى التحقيق ثم إخلاء السبيل وبعض مظاهر المضايقة هنا وهناك.
ويذهب بعض المحللين والمتتبعين للأوساط الإسلامية ببلادنا، إلى القول إن جماعة العدل والإحسان، ربما قد تكون راجعت سلم أولوياتها، وأضحت حاليا تولي أهمية أكثر من السابق، إلى خدمة الأهداف الاستراتيجية والتقليل من العناية بأهدافها الآنية وفي المدى القصير، وذلك في انتظار مرحلة ما بعد الشيخ عبد السلام ياسين، اعتبارا للدور الاعتباري والتاريخي الذي يلعبه داخل الجماعة والذي يراه البعض بمثابة عامل كابح.
وحسب هؤلاء، هناك أكثر من مؤشر يفيد أن جماعة العدل والإحسان، قد أضحت مهمته استراتيجية، مرتبطة بالتنشئة والبعد التربوي لخلق قاعدة أجيال قادرة على تنظيم الصف والقبض على الواقع بقوة من أجل فرض النظام الإسلامي من تحت وبفعل قوّة الواقع، وهذا ما يفسر موارة الأنباء عن تحركات الجماعة، خلافا لما كان عليه الحال من قبل، خصوصا وأنها حسمت موقفها المتعلق بإشكالية المشاركة السياسية.
غير أن أصحاب هذا الرأي لا يستبعدون تحوّل حال الجماعة، في تعاملها مع الركح السياسي، في فترة ما بعد الشيخ عبد السلام ياسين.
في حين ذهب البعض إلى اعتبار معارضة الجماعة أنها لم تعد تكرس على أرض الواقع، وأضحت مجرد كلام وخطاب وهلوسة غير قابلة للتطبيق، لذلك اختارت ابتعادها عن هموم الجماهير ودعمها في تصديها للغلاء والنضال ضد السياسات الاجتماعية التي لم تزد أوضاع أوسع الفئات الشعبية إلا تدهورا.
هذا، ويرى أكثر من مسؤول بجماعة العدل والإحسان أنها بخير، إلا أن هناك هاجسا كبيرا للحيلولة دون السماح لها وللتيارات الإسلامية في المساهمة في تدبير الشأن العام، علما أن الصراع والتصادم مع الإسلاميين، في نظر أغلب المحللين، لن يكون إلا ضارا ومؤلما ومن شأن تأثيراته أن تكون سلبية ووخيمة على المجتمع، وقد يكون المآل هو العودة ـ بصيغة جديدة ـ إلى مناخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وسنوات الرصاص، وبالتالي النيل من "الإجماع" الذي أقرّ باعتماد آليات الديمقراطية لتنظيم الصراع على السلطة وتدبير العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وبهذا الخصوص ـ إدماج الإسلاميين ـ يؤكد محمد الطوزي، أنه ليس من المشروع أو المعقول إقصاء أي طرف سياسي يلتزم بقواعد اللعبة السياسية، إذ يرى أن طريق الإدماج هو السبيل المحصن لاستقرار البلاد، سياسيا ودينيا، علما أنه تمّ القطع مع منطق الصراع والتصادم المباشر الذي ساد سابقا. بل يرى محمد الطوزي في التراجع عن الإقرار بالإدماج تغييرا للصيرورة التي اختارها القيمون على الأمور في العهد الجديد.
في حين يذهب محمد ضريف إلى اعتبار، أن النظام السياسي مازال لم يعترف بعد، وبكل وضوح، بالمكوّن الإسلامي قانونيا، وهذا أمر لن يسهل أي نوع من الإدماج، وكل ما يقال بهذا الخصوص يظل مجرد آلية من آليات إحداث توازن في الوضع السياسي، علما أن الموقف من جماعة العدل والإحسان، هو السعي لكبح أدائها وتحركاتها في أي مجال.
ويرى مجموعة من المحللين أن سياسة الدولة في تعاملها مع الإسلاميين عموما، مازالت مطبوعة بمنطق التوجس والتآمر والبحث عن مختلف السبل لإخراجهم من المعادلة السياسية. وحسب هؤلاء إن ما يهم القيّمين على الأمور حاليا هو :كيف يمكن تنحية الإسلاميين من اللعبة وإبعادهم عن الركح السياسي وليس البحث عن أجدى وأحسن سبل إدماجهم؟
وهذا أمر لن يخدم الاستقرار أو يقويه في نظرهم، علما أن الإسلاميين شركاء في المواطنة، أراد من أراد وكره من كره. إن استمرار هيمنة الهاجس الأمني في التعاطي مع القضايا والأمور المرتبطة بالتعامل مع الإسلاميين من شأنه النيل من أرضية التوافق حول قواعد المنافسة السياسية طبقا لشروط النظام السياسي وتقوية الإجماع حول المكانة السياسية للمؤسسة الملكية ودعم شرعيتها، خصوصا وأن الآليات التقليدية لإنتاج النخب السياسية ببلادنا، تعرف منذ مدة ضعفا بيّنا وترهلا أثّر سلبا وبشكل واضح على إحداث نوع من التوازن السياسي، وهو الوضع الذي زاد تعمقا مع تنفيذ مشروع صديق الملك الرامي إلى إحداث قطب قوي استعدادا للهيمنة على المشهد السياسي، بحلول استحقاقات 2012.
محمد سلمي: مسؤول بجماعة العدل والإحسان لـ "المشعل"
اختارت الجماعة العمل في ظل القوانين تفاديا لأي غموض أو لُبس
محمد سلمي
من أجل تسليط بعض الأضواء على الوضع الحالي لجماعة العدل والإحسان والتساؤلات المتناسلة حول تغيير نهجها وأسلوبها في العمل وغيابها عن الساحة وإعادة ترتيب أولوياتها، حاورت أسبوعية "المشعل" محمد سلمي، منسق الهيئة الحقوقية بالجماعة وكانت الحصيلة كالتالي:
- كيف تقرأون عموما المشهد السياسي الحالي؟
+ المتتبع لأحوال المشهد السياسي المغربي لا يحتاج إلى كبير جهد، ولا إلى علو خبرة، ليدرك عمق الفراغ، وهشاشة المؤسسات، وغياب الرؤية المستقبلية، وضعف البرامج أو انعدامها أصلا، والتهافت المخجل على المصالح والامتيازات الشخصية التافهة...إنها نتائج طبيعية لمسار مشهد سياسي صنعه الاستبداد. وفي ظل هذه الأجواء تخنق المبادرات، وتنهار الإرادات، وتذبل الطاقات، وهذا ما يعاني منه أصحاب المروؤات والكفاءات العالية الذين لا تستفيد منهم بلادنا، لغياب مشهد سياسي جدي وفعال.
- غابت الجماعة عن الركح السياسي، هل هذا يعني أن هناك تغييرا في الأهداف والإستراتيجية؟
+ إن كان القصد من الركح السياسي مهزلة الانتخابات الأخيرة فالغياب عنها أفضل من الحضور فيها، والسكوت عنها خير من الكلام فيها. وموجة العزوف أصبحت الآن عامة في بلاد "قمعستان" بأكملها، وحتى الحركات الإسلامية التي انتشت قليلا بنتائج الاقتراع، وظنت أنها يوما ستشكل حكومات ملتحية ولو بعد قرن من الزمن، تهاوت كراسيها كأوراق الخريف.
- هناك من يقول إن الجماعة لم تعد تهتم بالقضايا الآنية وعكفت على الأهداف الإستراتيجية؟
هذا غير صحيح، فالاستراتيجي يُبنى تدريجيا من خلال الآني، ولسنا ممن يعمل في السرية والكواليس، وليس في برامجنا ما يدفعنا لذلك. ولقد اختارت الجماعة العمل في ظل قوانين البلاد على علاتها، تفاديا لأي غموض أو لبس. ومن الملاحظ من قبل المتتبعين، أن كثيرا من برامج الدولة حاليا في التنمية البشرية، والخدمات الاجتماعية، وتأطير الحقل الديني، والمخيمات الصيفية... محاولة لمحاكاة الجماعة. وقد وددنا أن تنجح الدولة في هذه المحاكاة، تخفيفا لمعاناة مستضعفينا، فالدال على الخير كفاعله، لكن ثمة بونا شاسعا بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة، والسر في سحنون وليس في النون كما يقال. ومن أخطاء الدولة منعها للجماعة من مباشرة هذه الأعمال لأنها تخشى من نتائج المقارنة رغم عدم تكافؤ الإمكانات والقدرات، بل طردت أطر الجماعة من هذه الواجهات مخافة استثمار النتائج، وهذا من الفروق بين عالمنا المتخلف وبين الدول المتقدمة التي لا تجد حرجا في تعيين عرب ومسلمين وغيرهم في وظائف أكثر أهمية. فالعبرة بالتزام القوانين وتحقيق الأهداف وإبراز الجدوى والفعالية والكفاءة.
- أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى القول إن الجماعة هي الآن بصدد إعداد التنشئة ليصبح النظام الإسلامي مفروضا من تحت، ما رأيكم؟
+ النظام الإسلامي هو نظام المستقبل القريب في كل بلدان العالم الإسلامي، ومن الحكمة أن يقبل العالم الغربي بهذه الحقيقة، ويتعايش معها عوض مساندة الاستبداد، حفاظا على مصالحه الاستراتيجية مع الأمة الإسلامية. والخطاب موجه للغرب لأنه المتحكم الآن في الخريطة السياسية العالمية، وفي العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة. ولعل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع من غير شروط الاستبداد الحالية، سيؤكد هذه الحقيقة. أما مجهوداتنا في التنشئة فمحدودة، فالدولة هي التي تمتلك مؤسسات التعليم الفاشلة، ووسائل الإعلام "العمومية" التي لم يعد المغاربة يهتمون بها... والجمعيات لا يسمح لنا بتأسيسها، وقد تتبع العالم ما جاء في التقرير الأخير "لهيومن رايتس ووتش" في هذا الصدد، بل لا يملك أعضاء جماعة العدل والإحسان حتى الحق في تنشئة أبنائهم في بيوتهم التي تقتحمها عليهم السلطات بالليل والنهار لزرع الرعب في الصغار والكبار. وما بقي خارج دوائر الانبطاح من مؤسسات التنشئة في المغرب مهدد في كل لحظة وحين، فهذه جرائد تحاكم، ودور القرآن تغلق....وفي المقابل يفتح الباب على مصراعيه لكل ما من شانه أن يستأصل جذور الصلة بين المغاربة وهويتهم الدينية والحضارية. إنها خدمات تسدى للغرب لطمأنته على الوجهة المختارة ليرضى. لكن ليعلم الجميع أن شوكة هذا الإسلام تتقوى كلما حاربه أعداؤه، لأنه موصول برب الأرض والسماوات.
- كما يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الجماعة حاليا هي في طور الإعداد لما بعد الشيخ ياسين، ما رأيكم بهذا الخصوص؟
+ الأعمار بيد الله سبحانه، وكم كان يتوقع الذين حاصروا الأستاذ عبد السلام ياسين، بارك الله في عمره، أن يستمر الحصار إلى أن يموت الرجل "فيستريحوا منه". وشاءت الأقدار، أن يرحل بعضهم إلى الدار الآخرة قبله، والموعد الحق هناك لا هنا. وقد علّم الأستاذ عبد السلام ياسين أهل العدل والإحسان أنه عضو من بين أعضاء الجماعة، وعلّمهم البذل عوض الانتهازية، لتحصينهم من وباء الصراع حول الزعامة، ومهازل توريثها للأبناء بعد الآباء، فاعتبر الانكسار التاريخي الذي أصاب الأمة منذ أن دشن معاوية بن أبي سفيان وراثة الحكم، من أكبر المصائب التي أصابت الأمة في تاريخها. لهذا فأصحاب هذا الرأي مخطئون، لأنهم يحاولون إسقاط نماذج بعض الأحزاب والتنظيمات والأنظمة العربية على جماعة العدل والإحسان، ولا قياس مع وجود الفارق.
- كيف حال الجماعة حاليا، وما هي أسباب عدم اهتمامها بتوضيح رأيها في الأمور الآنية كما كان يحدث سابقا؟
+الجماعة بخير والحمد لله، فهي تتأذى من الحصار المضروب عليها بلا شك، لكن مكاسب هذا الحصار أعظم من خسائره. وهي حاضرة وبقوة في جل هموم شعبنا وأمتنا رغم ذلك، لكن من وسائل الحصار التعتيم على حضورها ومشاركتها. وغير خاف عليكم أننا نمنع حتى من إظهار هويتنا وانتمائنا في كثير من التظاهرات التي نشكل أغلبية الحاضرين فيها، وفي هذا مخالفة للأعراف الجاري بها العمل في العالم بأسره، ولا يعدم المخزن من ينوب عنه في تمرير رسائله من المجتمع "المدني" المصطنع. وقد فضلت القناة التلفزية الثانية في إحدى المسيرات التقاط صور الأرجل عوض الوجوه لأن جل الحضور من الملتحين والمحجبات. وهل تتوقعون مشاهدة الناطق الرسمي للجماعة في الإعلام الذي نساهم في تمويله رغم أنوفنا، ليدلي بموقف الجماعة في هذه الأمور؟ إن حويصلة المخزن لا تتسع للرأي المخالف.
ـ هل مازالت الجماعة تتعرض لمضايقات؟
+ بالفعل نحن في حصار، فلا حق لنا في الإعلام العمومي، ولا حق لنا في الإعلام الخصوصي، ولا حق لنا في تأسيس الجمعيات أو الانخراط فيها، ولا حرمة لبيوتنا وأعراضنا، ولا حق لنا في كثير من الوظائف العمومية والعديد من المهن الحرة، ولا حق لنا في الوعظ والإرشاد ومنابر المساجد، ولا حق لنا في الاعتكاف في المساجد، بل الاعتكاف حتى في بيوتنا، ولا حق لنا في دور القرآن، ولا حق لكثير منا في جوازات السفر، ولاحق لنا في فتح مقرات، أو تأسيس مدارس، ولاحق لنا في الاحتجاج السلمي الحضاري ضد غلاء المعيشة وفساد التعليم والإدارة وانتشار البطالة وانعدام الأمن وباقي المآسي التي يعاني منها شعبنا، ولا حق لنا في التضامن مع إخواننا في فلسطين، ولا حق لنا في الاحتفال بالمناسبات الإسلامية والاجتماعية...الاعتقالات مستمرة، والاعتداءات لم تتوقف، واقتحام البيوت مستمر...لكن ينبغي للمخزن أن يعي جيدا فشل هذا المخطط العدواني. فالمقاربة البوليسية الاستئصالية التي اعتمدتها الجهات المكلفة بتدبير ملف العدل والإحسان، لم تنجح في ملفات أخرى سابقة، ولن تنجح مع هذه الجماعة. وقد بدأ الاعتداء يصل إلى عامة الشعب، كما حدث بتمارة يوم الجمعة 16أكتوبر 2009، حيث اقتحمت السلطات بيت مواطن أقام حفل عشاء لجيرانه، بعد تطويق الحي بعشرات السيارات المحملة بقوات التدخل السريع، ظنا منها أنه تجمع لأعضاء العدل والإحسان. فحملت الضيوف إلى مخفر الشرطة لاستنطاقهم، وإعداد المحاضر لهم. ولم تطلق سراحهم إلا بعد الساعة الثالثة صباحا وكان تحركا بوليسيا ضخما من غير مبرر، وارتكبت فيه عدة خروقات تدل على الارتجالية، والخبط، وهشاشة المؤسسات، والروح الانتقامية العدوانية المتجاوزة حتى لتعليمات بنموسى في التضييق على الجماعة.
التعليقات (0)