مواضيع اليوم

جلسة رمضانية (حلقة5) ملائكة الموت

مصعب المشرّف

2010-08-30 03:33:51

0

 

جلسة رمضانية

حلقة (5) ...

ملائكةُ المَوْتُ ومُنْكَر ونكير

الجزء الأول (الموت)


ملخص:

تناولت الحلقة رقم (4) الملائكة الحفظة والكاتبين وكذلك القرناء.
..................

كل إنسان يكره سيرة الموت ، ولا يحب أن يذكره أو يذكر أمامه. فالموت وإن كان بالنسبة إليه حقيقة ماثلة ، ولكنه برغم ذلك يرغب في تجاهلها . على الرغم مما في هذا الجانب من (مخاطر) تتعلق بمسألة إعداد (الزاد) المناسب لرحلة اللاعودة الأبدية ..
والطريف أن الموت أحببته أو كرهته فإنه لن ياتي على المزاج ولن يستأذن في المكان والزمان والظروف جميعها .... وهناك كثير من الأشخاص من الأقرباء والجيران أو ممن تعرفهم ، مشهورون بانهم (يخافون من الموت) إلى درجة لا يخفونها . بل ويتحاشى بعضهم المرور بالمقابر كأنّ الموت يترصد الناس بها . أو كأنه مقيم بها فإذا رآهم تَذَكّرَهُمْ .... والغريب أن امثال هؤلاء عندما تحين ساعتهم يستسلمون للموت بأريحية وشكل يدعو للدهشة والتأمل في حقيقة ملكية المخلوق للخالق وضحالة ما يذهب إليه بعض الجهلة من الكفر والإلحاد أو كأنهم خلقوا أنفسهم بأنفسهم وسيختارون الطريقة وظرفي الزمان والمكان اللّذان سيشهدان مخرج روحهم من جسدها الفاني الضعيف.
لكن الذي بات مشاهدا أن صغار السن باتوا يمثلون السبة الأكبر في عداد الموتى . وحيث كان الموت قديما لا يهدد سوى الكبار .. وربما للحوادث المرورية وتـَهَـوّر الصغار في الزمان الحالي أثره في زيادة نسبة الوفاة بينهم . وحيث معروف أن الفتى الصغير ولأسباب نفسية يستبعد دائما حقيقة الموت من أجندته الحياتية ويظل سادرا في غيه وإندفاعه ...........
.................

الموت ..... نظرة إلى الخلف أم قفزة إلى الأمام؟

هــاجس المــــوت:
ويبدو أنّ هاجس الموت ونشاد الخلد ، كأنّه هو السبب الرئيسي في خروج آدم عليه السلام من الجنة ، بعد أن دَلّهُ إبليس لعنه الله (بغرور) وعلى سبيل الغواية للأكل من شجرة (الخُلد) المُحرمةُ على آدم وقوله : ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ﴾ (طه – 120)
على اية حال ؛ كان ولا يزال الموت هو هاجس آدم وحواء عليهما السلام ونسلهما من بعدهما . والذي بات على ما نراه الان بالمليارات على قيد حياة . ناهيك عن من مات بالمليارات منهم منذ بدء حياة الإنسان على الأرض.
..............
قال الإمام أحمد: أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فقال إبراهيم: {يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟} فعرج ملك الموت إلى ربه فقال له ربه: [قل له: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟] فرجع ملك الموت فأخبر إبراهيم فقال: {فاقبض روحي الساعة}.
.................

تَـذَكــّـرُ الموت:
والموت لا يمكن النظر إليه من جهة واحدة سلبية فقط ... نعم هو هادم اللذات ومفرق الجماعات في الحياة الدنيا. ولكنه من ناحية أخرى قد يكون فيه راحة لبعض الخلق .. وحيث يقول المتنبئ: (كفى بك داءٌ أن ترى الموت شافيا).
وهو فوق كل هذا وذاك حق ولا مناص منه. وحيث يقول الله عز وجل ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ 57 العنكبوت ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ 78 – النساء ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ 8 - الجمعة
ومن ثم فإن عدم ذكر الموت والإستعداد له ليس بحصافة ... وقد روى إبن ماجة والترمذي وحسنه قوله صلى الله عليه وسلم: [أكثروا من ذكر هادم اللذات] يعني الموت.
وروى ابن ماجة مختصراً.كما روى ابن أبي الدنيا بكماله وإسناد جيد : قال ابن عمر رضي الله عنهما : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار : من أكْيَس الناس يا رسول الله؟ فقال: [أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم استعدادا أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا ، وكرامة الآخرة].
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [اثنتان يكرههما ابن آدم ، يكره الموت والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب].
وأخرج مسلم في صحيحه عن إبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال. مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: [مستريح ومستراح منه]. قالوا: يارسول الله ، ما المستريح ؟ وما المستراح منه؟ فقال: [العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله .. والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب].
.....................

حلاوة الحياة الدنيا:
قيل: أن جماعة من عُبـّّادِ بني إسرائيل ، سألوا الله عز وجل أن يطيل أعمارهم . وأن يبعد عنهم شبح الموت . فتركهم الله عز وجل إلى ما شاء حتى يكونوا عبرة لغيرهم . وقيل أن هؤلاء قد ظلوا على قيد الحياة إلى أن طعنوا في السن وشاخوا وتعاقبت عليهم الأجيال وراء الأجيال ، حتى ما بات احد من أحفادهم يعرفهم . وانقطعت صلة الأرحام بهم . ولم يعودوا قادرين حتى على الحركة. وصاروا يتبرزون في أنفسهم وساكنتهم الفيران والصراصير والهوام . فضاق بهم اهل القرية ذرعا ، فاجلوهم إلى شعاب الجبال . فصاروا مثل الحيوانات ولكنهم يعقلون . فتنادوا إلى الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ليل نهار أن يريحهم بالموت. فاستجاب لهم ... ولكن الإنسان رغم ذلك لا يتعظ . وما من أحد إلا ويتمنى لو يعمر ألف سنة . خاصة أولئك الذين أقبلت عليهم الدنيا بصبوحها وغبوقها ، ونمارقها ومعازفها وحلالها وحرامها. وبحلوها ولذيذها ووجهها الأخضر ..
...............
وقد أورد بعض السلف في ذكر الإسراء والمعراج أنه صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الدنيا قبل الدخول إلى الصلاة في بيت المقدس ، عى الهيئة التي خلقها الله عز وجل عليها . فإذا هي على صورة امراة شابة بيضاء حسناء فائقة الحسن والجمال ، جالسة وقد نشرت شعرها عليها وحواليها ... غَضّة بَضّة تشرق الأنوار من جسدها وتتلألأ وسط الزبرجد واللؤلؤ والياقوت . لا مثيل لها من الإبداع والزينة ، لم يشاهد أبهى منها جمالا وخضرة ونضرة وفتنة .... وهي تدعوه وتهش وتبش وتضحك في وجهه : يا محمد .. يا محمد!! قف حتى اكلمك فإني أنصح لك ولأمتك. فسال عنها جبريل عليه السلام فقال: "هذه الدنيا تدعوك لنفسها" . فقال عليه الصلاة والسلام : [لا حاجة لي في الدنيا]
.............
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا . ولا إلى النار مصيرنا.

حقيقة الموت:
كل كائن حي في سبيله للموت إن عاجلا أو آجلا رضي أو أبى، بمن في ذلك الملائكة . بل وحتى الموت نفسه سيذبح ويموت بعد الفراغ من الحساب ودخول السعداء الجنة والمجرمين النار .. وتعَلُّق الناجون بالأعراف.
والموت هو مغادرة الروح للجسد. وانتقال من حياة نعرفها إلى حياة أخرى سرمدية نكاد نجهل حقيقتها تقريبا ، على الرغم من إدراكنا بأن مصيرها إما إلى جنة أو إلى نار .. ويطلق عليها البعض مصطلح (البرزخ).
إذن الموت في ديننا والأديان السماوية الأخرى ، ليس بعدم ولا فناء . بل هو انقطاع مؤقت للعلاقة بين الروح عن الجسد والانتقال من دار إلى دار .....
وهو انقطاع يراه البعض طويلا ... ويراه المولى عز وجل (وهو الحق) قريبا ...
وأقرأ إن شئت من قوله عز وجل: [قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ] (259)- البقرة
ثم إقرأ حال المجرم في قوله عز وجل : [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ] (55) الروم
............
وهناك مصطلحات طبية أيضا تتحدث عن موت سريري (إكلينيكي) : وهو حالة انعدام مفاجيء لدوران الدم في الأوعية الدموية والتنفس والوعي وقد يتم إعادته للحالة الطبيعية بإستخدام طرق ما يسمى بالإنعاش الطبي.
وموت بيولوجي: ويطلق عليه ايضا (الموت الدماغي) . حيث يتوقف الكائن الحي نهائيا عن النشاطات الوظيفية الحيوية كالتنفس والحركة والتفكير والإدراك . ويتحول إلى جسد بلا روح. وحيث لا يمكن إسعافه هنا أو إعادته إلى الحياة بإستخدام الأساليب الطبية المعروفة للبشر.

كراهة الكائن الحي للموت:
كل الكائنات الحية تكره الموت وتهرب منه عادة. وعلى الرغم من أن المؤمن عادة ما يدرك إن هناك حياة أخرى بعد الممات إلا أنه رغم ذلك يهرب من الموت كما لا يهرب من شيء آخر قط ....
وقد قيل في تعليل ذلك أنها فطرة الله في الخلق ، حتى تمضي الحياة ويعمر الإنسان الكون . وإلا فإن المخلوق إذا استسهل الموت على علاته وأسبابه وذهب إليه بظلفه لأنقرضت الخلائق وما عاد للحياة معنى .
ثم أن الإنسان مهما بلغ من ذكاء وفطنه ؛ إلا أنه يظل دائما مرتبط بهذه الأرض ومتمسك بالحياة فيها لأنها الحياة التي نشأ عليها واعتادها ويعرفها ، بعد أن سخرها له خالقه ويسر له أسبابها. والإنسان بنحو عام عدو ما يجهله.
وحيث لم يعد إلى الدنيا أحد مات من قبل ودفن ، واتصلت روحه إلى البرزخ ليخبرنا برؤيا العين والإحساس المادي ؛ كيف يجد الجسد في القبر أو تتطوف الأرواح في الملأ الأعلى.... فلن يفتأ هاجس الموت والخوف منه يقض مضاجعنا ويفسد ملذاتنا. لاسيما أولئك المعتدين مِنّا على حقوق العباد من المجرمين. أو من امتدت أيديهم في زماننا الحاضر ؛ للإعتداء وسرقة المال العام أو الخاص في إستسهال وموات قلب غريب من نوعه .

سكرات الموت:
قيل: أنه لما حضرت الحجاج بن يوسف الثقفي الوفاة (في مدينة واسط) . وأيقن الموت سمح بأن يدخل إليه الملأ من أهل العراق فسأله التابعي يَعْلَى بن مَخْلَد فقال:
- كيف ترى ما بك يا حجاج من غمرات الموت وسكراته؟ ..
قال الحجاج: (يا يعلى غماً شديداً ، وجَهْداً جَهيداً ، وألَماَ مَضِيضاً (شاقاً) ، ونزعا جَريضاً ، وزاداَ قليلا ، فويلي ، ويلي إن لم يرحمني الرحمن الجبار)
الجَريض (بالضاد المعجمة) هو الريق يغص به في الحلق فلا يبلع ولا يسيل .... أو كما نقول بالعامية : [الريق نِشِف و أصبحَ مِتْلَ الدَقِيـقْ ].
...................

وقيل في الأثر : أنه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة (بمصر) قال له إبنه عبد الله: يا ابتاه أنك كنت تقول لنا : يا ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت ، حتى يصف لنا ما يجد، وأنت ذلك الرجل ، فصف لي الموت.
قال عمرو بن العاص: (والله يا بُنَيْ كأنّ جثتي في جُبِّ نار ، وكأني أتنفس من سم (ثقب) إبرة وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي ) ثم تمثل بقول الشاعر:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في قلال الجبال أرعى الوعولا
......
والوعول والأوْعَال هي التِيُوس الجبلية. والمعنى أن عمرو بن العاص تمنى لو أنه كان راعيا للتيوس في قمم جبال ولم يتولى إمارة أو يجمع مالا .... وفي رعي التيوس بلاغة طريفة . ربما أراد عمرو بن العاص الكناية عنها . ذلك أن رعي الماعز ربما يشجع الراعي على ((الحَلْبَ الحرام)) قليل من هذه وقليل من تلك ، حتى يتجمع له قدر كافي يشربه. دون أن يلحظ ذلك أصحابها .. أما رعي التيوس فلامجال فيه لسرقة اللبن.
وربما يحمد عمرو بن العاص ربه الآن ، أنه لم يعش في زماننا الحاضر الذي باتت فيه حتى التيوس تُحْلَبُ . فهناك في زماننا الجاري مثل شعبي طريف يستخدم عادة للتندر على ما يجري من فساد مالي وإداري في مجال الخدمة المدنية وسرقة المال العام رغم ضعف الموارد في دول العالم المتخلف . وهو قولهم: [قُلْنَا تيس .. قالوا أحْلِبُوهْ ].
.................

وأخرج الترمذي عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: [ما أغبط أحدا يُهَوَّنُ عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول : [
اللهم هَوِّن على محمد سكرات الموت].

حكمة تشديد وتهوين الموت:

جاء في الحديث القدسي قوله عز وجل : ﴿وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا وأريد أن أرحمه حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقما في جسده أو مصيبة في أهله وولده ، أو ضيقا في معيشته ، وإقتارا في رزقه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي عليه شئ شددت عليه الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه﴾

وجاء أيضا قوله عز وجل: ﴿ وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا أريد أن أعذبه حتى أوفيه بكل حسنة عملها صحة في جسده ، وسعة في رزقه ، ورغدا في عيشه ، وأمنا في سربه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر ، فإن بقي شئ هونت عليه الموت حتى يقبض إلي وليس له حسنة واحدة يتقي بها النار﴾

ملائكة الموت كما يتخيلهم بعض غير المسلمين .... لاحظ الربط بينهم في الرسم (فتحة البئر) وبين باطن الأرض وليس السماء

ملائكة الموت:
ملائكة الموت لا يعرف عددهم إلا الله عز وجل. ويعملون جميعا تحت سلطة عزرائيل عليه السلام لا يعصون له أمرا.
ولكل مجموعة من ملائكة الموت مهام محددة . وتختلف هيئتهم باختلاف وضع الميت الذي هم في سبيل إخراج روحه ..
وملائكة الموت غير موكلين بقبض الأرواح . ولكن مهمتهم العامة هي (معالجة) روح المحتضر حتى يخرجونها إلى القرقرة. فيأتي عزرائيل عليه السلام فليتقطها كما تلتقط الشعر البارزة الراس من العجين.
وعزرائيل عليه السلام هو الملاك الرابع من الملائكة المرسلين الأشراف ... وقيل أن ترجمة معنى عزرائيل هو ((عبد الجبار)) وهو وحده عليه السلام الموكل بقبض الأرواح.

والله أعلم.

[يتبع الجزء الثاني من ملائكة الموت (حلقة 6) بإذن الله]




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات