جلسات رمضانية
حلقة (3) ......
الملائكة
من بديع خلق الله عز وجل الملائكة. وهم مخلوقات من نور يختلفون عن البشر والجان في أنهم لا يعصون ربهم ويفعلون ما يؤمرون. أو بمعنى آخر فهم ((مُسَيّرُون)) . وليس فيهم ما لدى بعض الأجناس الأخرى من تخيير وفق نجدين إما شاكر وإما كفورا.
وعدد الملائكة الكرام غفير لا يعلمهم إلا الله عز وجل خلقوا لأداء وظائف عديدة . وفي خلقهم خير كثير للإنسان والخلائق عامة. وأشكالهم متباينة وأحجامهم تختلف باختلاف درجاتهم وطبيعة وظائفهم. لكن يجمع بينهم جمال وحسن الخلقة وقد قال عز وجل في الآية (1) من سورة فاطر [الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير].
وعن أمّنَا عائشة بنت الصديق رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم] رواه مسلم في صحيحه.
الملاك في اللغة العربية:
الملك (بفتح وتحريك اللام الثانية) في اللغة العربية هو واحد الملائكة وأصله المَلْأك (... وملاك الأشياء بمعنى ملاك الأمر ... وليس له ملاك معناه أنه لا يتمالك .. ومن ثم فإن الملاك يعني التماسـك..... والإنسان الذي لا يتمالك نفسه هو وصف للإنسان الطائش.
خَلْقُ الملائكة:
خلقت الملائكة قبل الإنسان لقوله عز وجل في سورة ص [وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين] (70)
وحيث أن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تتناسل ولا تتكاثر مثل البشر وفصائل من الجان . فلا توجد إشارة تؤكد على وجه التحديد ما إذا كان خلق الملائكة جميعهم قد جرى في زمان واحد. أم ما زال يجري الخلق منهم إلى يومنا هذا وحتى قيام الساعة.
والملائكة لا يتعرضون لإمتحان بل خلقوا وفق طبيعة وهيئة ومزاج يجعلهم لا يعصون ربهم ويفعلون مايؤمرون وحيث تكون المهام الموكلة لهم ومطلوب منهم إنجازها متوافقة دائما مع الشكل والقوة والإمكانيات التي وضعها الله عز وجل في كل واحد منهم عند خلقه لهم....... وعلى سبيل المثال فالملائكة الأشراف والمقربين تختلف قدراتهم وأشكالهم عن حملة العرش وزبانية العذاب أو النعيم والفردوس الأعلى والمقاتلين والسيارة والحفظة والموكلين ....... وهكذا.
وكما تقدم فقد جرى خلقهم من نور . ولكن خلقهم يختلف عن خلق إبن آدم في أن الله عز وجل قال للملائكة كونوا فكانوا .. أما آدم عليه السلام فقد سواه الله عز وجل بيديه. ونفخ فيه من روحه مباشرة وأسكنه جنته وعلمه الأسماء ، وسبب له الأسباب وصرف له المقادير وترك له الخيار إما شاكرا أو كفورا بعد أن هداه النجدين على يد أنبيائه ورسله عليهم وعلى نبينا محمد بن عبد الله أفضل الصلاة والسلام . ..... كما ومن جهة أخرى فقد أسبغ الله عز وجل على البشر نعمة المغفرة وقبوله التوبة منهم وشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم لعامة الخلق ولأتباعه المسلمين ولأهل الجنة ، ثم وكثير من النعم التي التي أنعم بها على البشر مما لا يعد ولا يحصى ، ولا يتسع المجال هنا لذكرها جميعها.
ولأجل ذلك فقد اختلف علماء السلف في تحديد أيهما أفضل الملائكة أم البشر؟
ففي حين ذهب بعضهم لتأكيد أفضلية الملائكة. ذهب آخرون إلى أفضلية البشر. واعتدوا في ذلك بسجود الملائكة لآدم عليه السلام .. لكنهم اختلفوا هل السجود خاص لآدم وحده أم يشمل كافة البشر ؟؟
أغلب الظن أن الأمر للملائكة بالسجود كان خاصا لآدم عليه السلام وحده لقوله عز وجل [فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين] آية (71) سورة ص.
والسجود هنا ليس سجود عبادة وتقديس لآدم (ما كان لمخلوق أن يسجد لمخلوق) بقدر ما هو سجود لروح من الله، نفخت فيه وقدرة الله عز وجل وعلمه وحكمته. وإيذان للملائكة بمدى الخطورة التي يمثلها هذا الكائن الحي الجديد. بل ومدى التكاليف التي يتعين على بعض الملائكة أدائها لاحقا بسببه. وقد جعل الله عز وجل لهذا المخلوق الجديد القوي الضعيف في آن واحد ، الخيار عبر امتحان صعيب نهايته إما جنة أو نار.
ثم أنه كيف يكون سجود الملائكة تعبير سجود لكل البشر على علاتهم . والبشر فيهم أعداء الله ومن هو أسوأ من الأبالسة وفيهم حصب جهنم ووقود النار ؟؟؟
عموم الملائكة:
يقول الله عز وجل في سورة الصافات [أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون (150) ]..... ومن ثم فلا معنى للتساؤل عن أنثوية أو ذكورية الملائكة من حيث المبدأ .. بل هو سؤال أقرب إلى الحماقة والجهل والسفة وقلة العقل. فالملائكة لا يتناسلون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يمرضون ولا يغشاهم النعاس ولا ينامون ولا يشعرون بالملل والتعب ولا يعتريهم الطمع والشهوة وحب الإنتقام .. إلخ مما جبل عليه البشر وبعض المخلوقات الأخرى .. فلماذا إذن مضيعة الوقت في إثارة مثل هذه التساؤلات العقيمة الأصل ؟؟
ولكن رغم ذلك فلا يسعنا في هذا المجال سوى الأخذ بظاهر الأشياء وهي مسميات الملائكة فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل أسماء مذكرة مثل لفظ إسم الجلالة "الله" الذي هو مذكر ولا يجوز تأنيثه سبحانه وتعالى عما يصفون .
أما الذين يذهبون إلى إستحضار طبيعة مخلوقات الله عز وجل المختلفة وفقا لطبيعة الكائنات الحية في الأرض وعبر مشاهداتهم البسيطة التعقيد في الحياة الدنيا فهم مخطئون وقد أبعدوا النجعة وأخطاؤا المفصل . بل وهناك مخلوقات حتى في هذه الحياة الدنيا حولنا ، لا تجري عليها نواميس الذكورة والأنوثة. فما بالك بما هو في السماوات العلا . وبما هو من غيبيات فوق طبيعتنا وتصورنا البشري المحدود ، وفقا لما تقتضيه وتلزمه طبيعة الحياة البسيطة الخالية من التعقيد في الأرض ، مقارنة بما هو موجود في غيرها.
ولكن الذي يُحْمَدُ لأهل العلم والموهبة من المسلمين أنهم لم يشغلوا أنفسهم بهذه الأسئلة الإنصرافية ، نظرا لما حصلوا عليه من علم وهدى عبر كتاب الله العظيم والسنة النبوية المطهرة اللذان لم يعتريهما التبديل والتحريف على مر السنوات ..
ولكن لا نزال نرى أتباع النصرانية واليهودية على مختلف أهوائهم يخوضون في هذا المجال. ولا نزال نشاهد صور مرسومة في داخل الكنائس وعلى الأوراق والبطاقات المطبوعة ، تصور الملائكة على هيئة أطفال آدميين عراة أو غير عراة من الجنسين إناثا وذكور وفي ظهورهم أجنحة صغيرة ربما لا تصلح للتحليق بهم أعلى من بضعة أقدام .. وهو من الأمور المضحكة بالفعل... وشر البلية ما يضحك. ....
ولكن الأكثر إيلاما أن بعض عامة وبلهاء ومغفلين مسلمين ، وعن جهل بدأوا يتأثرون بمثل هذه الأفكار وباتوا يقلدون الضالين في زفة العروسين بتخصيص أطفال إناث يلبسون الأبيض يحملون الشموع وعلى ظهورهم أجنحة صناعية يمشون أمام وحول وخلف العروسين .... قــال ملائكة قـــال.... وهو "تقليد أعمى" وبمثل ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن بعض المسلمين في آخر الزمان سيتبعون ملل غيرهم حتى لو دخل هؤلاء جحر ضب لدخلوا فيه وراءهم .. أي بما يفيد "التقليد الأعمى" في الصالح والطالح عن جهل .. والغريب أن مثل هذه الممارسات لا ينتبه إليها الدعاة ولا أئمة المساجد فيعملون على محاربتها بتبصير العامة بضلالها وخطئها الفادح.
مقامات الملائكة:
يقول المولى عز وجل على لسان الملائكة في سورة الصافات :[وما منا إلا له مقام معلوم] (164) والمقصود بالمقام المعلوم هنا الموضع المخصص له في السماوات. ومقام العبادة الذي لا يتجاوزه ولا يتعداه.
وعلى هذا النحو يختلف الملائكة عن البشر وبعض فصائل الجان في أن مقامات العبادة لدى البشر غير محددة سلفا وإنما لكل مجتهد منهم نصيب.
وظائف الملائكة:
تتعدد وظائف الملائكة بقدر تعدد مناحي الخلق الذي لا يعلمه إلا الله وحده ..... فمن الملائكة من هو منذ أن خلق إلى ما شاء الله أو إلى يوم القيامة في حالة قيام أو حالة سجود أو حالة ركوع أو تسبيح دائم لله عز وجل .. وميكانيزم هذه الأوضاع لديهم يمكن تقريب تخيلها إذا تخيلنا ما نحس به من جهد خلال عملية التنفس الطبيعية .. في الأحوال الطبيعية (غير المَرَضِيَّة) سواء في اليقظة والمنام... أو مثلا هل نحس بجريان الدم داخل عروقنا أو ألم من جراء ذلك؟
.............
ومن صفات الملائكة أنهم يتحركون في صفوف. وقد وردت الإشارة إلى هذا النظام والتناغم في أكثر من موضع في كتاب الله الكريم .. منها قوله عز وجل [وإنا لنحن الصافون] الصافات 165..... ثم [وجاء ربك والملك صفا صفا] الفجر (22) وعلى هذا النحو من النظام والرُقِيّ ينتظم المسلمون في صلاة الجماعة.
..........
لكن هناك ملائكة لهم وظائف ومهام ترتبط بالحياة في كوكب الأرض عامة . ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الحفظة والكتبة والجنود المقاتلين والموكلين بمعالجة إخراج الروح من جسد الإنسان توطئة لقبضها بواسطة عزرائيل عليه السلام . وهو ما قد يطول شرحه وبيانه ،وبالتالي من الأفضل تركه لحلقة أخرى.
والله أعلم
يتبع الحلقة الرابعة (الملائكة الحفظة والكتبة) إنشاء الله
التعليقات (0)