مواضيع اليوم

جلسات رمضانية (الحفظة والكتبة والقرين)

مصعب المشرّف

2010-08-22 14:08:35

0

 


جلسات رمضانية
حلقة (4) ...

(الملائكة)
الحَفَظَة والكَتَبَة والقَرِينْ

 

الحفظة والكتبة >>> وهم على قسمين:
1) الحَفَظَةُ :-
وهم ملائكة ، كل واحد منهم موكل بعينه على أحد بني آدم. يحفظه من بين يديه ومن خلفه من أعدائه ، ومن المخاطر ومن أذى الشيطان وشرار الجان والوحوش والهوام وغيرها . فإذا جاء قدر هذا الآدمي المحتوم من الله عز وجل ، إبتعد عنه الملاك الحافظ . فيصاب الإنسان بالأذى أو يموت.
وفي ذلك يقول الله عز وجل:[ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ] (11) الرعد.
قال إبن عباس رضي الله عنهما في شرح هذه الآية : هي الملائكة تحفظ إبن آدم. ......
وقال مجاهد : "ما من عبد إلا ومعه ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام . ليس شيء يأتيه يريده إلا قال له: وراءك ... إلاّ شيء يأذن الله فيه فيصيبه".
وهذا الأمر نعرفه جميعا ؛ فكم من مرة حكى لك قريب أو صديق أنه كان سائرا في الطريق العام . وفجأة قال له هاتف داخلي التفت وراءك. فرأى شاحنة كادت تفرم جسده فتفاداها . أو عقرب أو ثعبان بسعى خلفه فنجا من لدغهما .. وكم من مرة يكون الجندي كامنا في موقع ، وفجأة يأتيه إحساس ما بأن يلتفت خلفه ، فإذا عدو يهم بقتله فيسارع هو بإردائه قتيلا .. وهكذا . والبعض من عامة المسلمين يظن أنها ما يسميه أهل الغرب بـ ((الحاسة السادسة)). رغم أن أسبابها وسرها منصوص عليه في القرآن الكريم ، وفق ما جرى تبيانه بالنص (الآية رقم 11 من سورة الرعد) وشرح الفقهاء ...
ولهذا كان الإنسان ظلوما جهولا، لأنه لا يحمد ربه الذي يحفظه ويسخر له من الملائكة من يسعى بين يديه ومن خلفه بأمر منه عز وجل. ويطلق عليها بدلا من ذلك مسمى (الحاسة السادسة) وكأنه هو الذي خلق نفسه من العدم ويحفظها.

2) الحَفَظَةُ الكاتِبِين :-
وهم الملائكة الموكلون بكتابة وتسجيل أعمال العباد ورفعها (قيل كل خميس) إلى رب العباد ... وفي هذا المقام كثير من العبر في الدنيا و الآخرة.
يقول الله عز وجل في سورة (ق) : [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلأّّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)]
.................
ويقول إبن كثير في تفسيره . أن معنى قوله عز وجل [ِإذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ] يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان. و [عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ] أي مترصّد . و (مَا يَلْفِظُ ) أي إبن آدم (مِنْ قَوْلٍ) أي ما يتكلم بكلمة (إِلأّّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي إلا ولها من يرقبها ويكتبها لا يترك كلمة ولا حركة ..
كما قال الله في سورة الإنفطار: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)].
وفي معنى الآية رقم (16) من سورة (ق) بلاغة عظيمة فالجزء الأول منها [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ] خاص بعلم الله عز وجل . وهو علمه بما توسوس به نفس الإنسان من خير وشر ..
ولكن الملائكة من الكتبة لا يصل علمها إلى هذه المنطقة من العلم الرباني الذي اختص به الرحمن نفسه .. ولأجل ذلك لا يحاسب الإنسان على ما توسوس به نفسه من شر . بل على العكس من ذلك فإنه إذا وسوست له نفسه بالشر ولم يفعله كتبت له حسنة عند الله عز وجل في الغيب بعيدا عن علم الكتبة أو غيرهم الذين لا يسجلون له أو عليه سوى الظاهر ...
وإذا وسوست للإنسان نفسه بعمل الخير كتبت له حسنتان كيف؟؟ حسنة لأن نفسه وسوست له بها. وهذه تكتب عند الله عز وجل وتدخل في علمه الباطن وحده .. ثم حسنة أخرى (بعد فعله لها) يكتبها الملائكة الكتبة في سجلاتهم وفق علم الظاهر لأن الإنسان بفعله لها خرجت من مكنون وسوسة النفس إلى ساحة العلم الملائكي الموكل به.
ومن ثم فلا علم للملائكة أو غيرهم بالغيب.
أما الجزء الثاني من الآية الكريمة [وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ] فهو يعني هنا قرب الملائكة الحفظة والكاتبين وليس المقصود به الله عز وجل .. وقد جاء في تفسير إبن كثير رحمه الله لهذه الآية (بما معناه ولأجل التبسيط) أن الملائكة أقرب للإنسان من حبل وريده ، لأنهم وكما يجري الشيطان في الإنسان مجرى الدم من العروق فإن الملائكة الموكلون بالإنسان لهم نفس الحظ منه ويجرون منه مجرى الدم من العروق من باب أولى وبداهة قبل الإتكاء على النص .. ومن ثم فلا ينبغي أن يتأوّل الإنسان معنى هذا الجزء من الآية على (العِلْم الذاتي) أي عِلْم الله. فعلم الله عز وجل أوسع وأشمل وتنزه وتقدس عن ذلك .
وبالتالي فإن في قوله عز وجل [وَنَحْنُ] لا يجوز لمفسر أو قارئ أن يتأولها هنا على أنها إتحاد علم الله الواسع بعلم (الخلائق) أو خلقه من الملائكة أو الشياطين والعياذ بالله .. ولو كان الحال يقتضي لقال عز وجل بدلا من ذلك (وأنا أقرب إليه من حبل الوريد) ....
وبمقارنة منطقية مع آية أخرى في مساق آخر يمكن ترسيخ هذا المفهوم . وذلك عند قراءة قوله عز وجل :[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (9) - الحجر . فالملائكة نزلت بالقرآن بإذن الله . وبالتالي جاءت الصيغة المنطقية [ إنّا نَحْنُ ] .. ولكن الله عز وجل ( وَحْدَهُ ) هو الذي يحفظ هذا القرآن بقدرته القاهرة من التحريف والتبديل . وحسبه أن يقول للشئ كن فيكون ... ومن ثم كانت الصيغة المترجمة لهذه الحيثية هو قوله عز وجل [وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]. ولم يقل (نحن)..... أو بما معناه أن حفظ القرآن الكريم موكل به الله وحده .... وكفى بالله وكيلا.
ومن أبرز دلائل حفظه عز وجل لكلامه الكريم الذي نزله على قلب خاتم رسله وأنبيائه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو ترابط بناء القرآن اللغوي (على سبيل المثال) وكذلك معانيه وأحكامه وإستكمال آياته لبعضها البعض بحيث أنه لو سعت كل البشرية إلى تبديل كلمة واحدة فيه لتم إكتشافها بكل يسر وبساطة.
................
من ناحية أخرى لم يتطرق الفقهاء إلى مصير الملائكة الكتبة والحافظين بعد وفاة إبن آدم الموكلون به . ولكن أغلب الظن (حسب رأيي) أنهم لا ينتقلون إلى إبن آدم آخر . بل يظلون في انتظاره إلى يوم يبعثون بدليل قوله عز وجل [وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ] (21) ق ... وذكر إبن جرير أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه خطب يوما فذكر هذه الآية وشرح معناها بقوله: سائق يسوقها إلى الله تعالى وشاهد يشهد عليها بما فعلت.
....................
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[إن الله تعالى تجاوز لأمتي ماحدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل].
وهو ما يتسق مع قوله عز وجل :
[مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلأّّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ] (18) سورة ق.
و [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)] سورة الإنفطار.
إذن يبدو منهج وميكانيكية تسجيل أعمال البشر واضحا لا لبس فيه . ومرتبطة بإطلاق اللفظ أو غيره من اللسان ، أو عمل الجوارح خيرا كان أو شرا حسنة كانت أو معصية ...
والمتفق عليه أن الملاك على يمين الإنسان يكتب الخير . والذي على اليسار يكتب الخطيئة . ولكن الملك الذي على اليمين هو القائم على الأمر برمته . وله الكلمة الفصل . أما الذي على الشمال فهو مرؤوس له وتحت إشرافه وإدارته ..
فإذا فعل الإنسان خيرا كتبت له حسنة (وقد يضاعفها الله) دون أن يمحى إلى يوم الدين .. أما إذا ارتكب الإنسان معصية (دون الكبائر والموبقات وحقوق العباد) ، وأراد كاتب الشمال أن يسجلها. قال له صاحب اليمين توقف حتى نرى إن كان سيستغفر ربه أم لا ؟؟ فإذا شفع المخطئ خطيئته بقوله: (أستغفر الله) نهاه أن يكتبها. وإن لم يستغفر تركه يكتبها.
وروى تمام بن نجيح عن الحسن البصري عن أنس قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة] ...

ولكن لا يعتقد سارقي المال العام ومبيضي الأموال وآكلي الربا وهلم جرا من مرتكبي الكبائر والموبقات الذين انتشروا انتشار النار في البترول هذه الأيام حتى نتنت من روائح قسادهم الآفاق والدروب والسكك أن هذا الحديث النبوي الشريف يحرضهم مثلا على سرقة المال العام (إسم الدلع لمال المسلمين) ثم يقول أحدهم بعد استلامه للرشوة والعمولة ((أستغفر الله)) كما يفعل البعض من المجرمين وشهود الزور وتُجّارَ الحرام الجهلة .... فسرقة المال العام تدخل ضمن بند ((حقوق الخلق)) . وليس ((حق الله)) الذي يغفره لمن يشاء .. ولذا لزم التنويه.
....................
وقد روى الإمام أحمد والترمذي وإبن ماجة عن أنه تواتر عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه] وهذا الحديث مصنف حسن صحيح عند الترمذي.
أما الفقهاء فقد اختلفوا في مسألة هل يكتب الملك كل شئ من الكلام ؟ أو يكتب ما فيه ثواب وعقاب فقط ؟
يذهب إبن عباس رضي الله عنهما إلى أنه يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر وذلك من قوله عز وجل [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلأّّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ] .. ثم يذهب إبن عباس إنه إذا كان عصر الخميس عرض قول الإنسان وفعله على الله عز وجل . فأقر ما فيه من خير أو شر ومحى غير ذلك من قول وفعل لا يندرج ضمن الخير والشر. مثل قولك: أريد أن أنام ، أريد أن أشرب شاي .. إلخ. واعتد في ذلك بقوله عز وجل: [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ] (39) الرعد
أما الحسن البصري فذهب إلى الرأي بأنها تكتب جميعها وشرح قوله عز وجل :[ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ] بمعنى يا إبن آدم بُسِطتْ لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك . فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فأعمل ما شئت . أقلل أو أكثر حتى إذا مت طُويت صحيفتك وجُعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة.
وجاء (في لسان العرب) قوله عز وجل: [وكلَّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناه طائرَه في عُنُقِه] ؛ قيل حَظُّه، وقيل عَمَلُه، وقال المفسرون: ما عَمِل من خير أَو شرّ أَلْزَمْناه عُنُقَه إِنْ خيراً فخيراً وإِن شرّاً فشرّاً، والمعنى فيما يَرَى أَهلُ النّظر: أَن لكل امرئ الخيرَ والشرَّ قد قَضاه الله فهو لازمٌ عُنُقَه، وإِنما قيل للحظِّ من الخير والشرّ طائرٌ لقول العرب: جَرَى له الطائرُ بكذا من الشر، على طريق الفَأْلِ والطِّيَرَةِ على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سبباً، فخاطَبَهُم اللهُ بما يستعملون وأَعْلَمَهم أَن ذلك الأَمرَ الذي يُسَمّونه بالطائر يَلْزَمُه؛ وقرئ طائرَه وطَيْرَه، والمعنى فيهما قيل: عملُه خيرُه وشرُّه، وقيل: شَقاؤه وسَعادتُه؛ قال أَبو منصور: والأَصل في هذا كله أَن الله تبارك وتعالى لما خَلَقَ آدمَ عَلِم قبْل خَلْقِه ذُرِّيَّتَه أَنه يأْمرهم بتوحيده وطاعتِه وينهاهم عن معْصيته، وعَلِم المُطِيعَ منهم والعاصيَ الظالمَ لِنفْسه، فكتَبَ ما علِمَه منهم أَجمعين وقضى بسعادة من عَلِمَه مُطِيعاً، وشَقاوةِ من عَلِمَه عاصياً، فصار لكلِّ مَنْ عَلِمه ما هو صائرٌ إِليه عند حِسَابِه، فذلك قولُه عز وجل: وكلَّ إِنسان أَلْزَمْناه طائرَه؛ أَي ما طار له بَدْأً في عِلْم الله من الخير والشر وعِلْمُ الشَّهادةِ عند كَوْنِهم يُوافقُ علْمَ الغيب، والحجةُ تَلْزَمهُم بالذي يعملون، وهو غيرُ مُخالف لما عَلِمَه اللهُ منهم قبل كَوْنِهم. .. (إنتهى لسان العرب)

القَــرِيــنُ :
للقرين معان كثيرة في اللغة. ولكن أكثرها ملاءمة هنا هي أن القرين أنما هو ((المُصَاحِبُ)) .. وجاء في لسان العرب : القِرَانُ هو الحَبْـل .. والحَبْل هو الرِّباط.
وقال الأصمعي : القرن هو جمعك بين دابتين في حبل . والقران هو حبل يقلد ويقاد به ..... وقد قيل من ضمن حديث أبي موسى الأشعري قال: فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[خذ هذين القرينين] أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر.
جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى عليه وسلم: [ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة] .. قال الصحابة: وإياك يا رسول الله؟ قال: [ وإياي ، ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير ]
ومن سياق الحديث الشريف يتضح لنا أن الموكل هنا هو الله عز وجل وبقدر منه وبإذنه في الحالتين .. الملاك قرين الخير و الجان قرين الشر . ولولا ذلك لما تمكن قرين الشر من مجرد الوصول إلى حِمَى الأنبياء والرسل عليهم السلام بغض النظر إن كان الله أعانهم عليه بما لهم من العصمة.
ولأجل ذلك فمن ذهب إلى أن إبليس عليه لعنة الله هو الذي يشرف على تعيين قرين الشر إنما هو متوهم ولا يقرأ القرآن الكريم أو يفهم الأحاديث الشريفة بكل جوارحه .. ولكن هذا لا يمنع من أن هذا الجان هو من نسل إبليس و من قبيلته. وأن إبليس يستفيد منه ويعمل على تكريسه لمصلحته بشتى الوسائل من ترغيب وترهيب...
وقد تردد بعض أهل التفسير في تحديد ما إذا كان قرين الخير المقصود هنا ، هو ذاك الملاك الذي يحفظ الإنسان أم هو ملاك آخر يهديه إلى عمل الخير ؟؟
وأغلب الظن أنه ملاك آخر يهديه إلى عمل الخير في مقابل القرين من الجن الذي يعمل جاهدا على إضلاله وذلك لقوله عز وجل : [وهديناه النجدين أما شاكرا وإما كفورا ].. كما أن هناك العديد من أهل الفترة (قبل الإسلام) من العرب كان بعضهم أهل خير وصلاح وأكثرهم أهل ضلال ، مما يعني أن هؤلاء اختار بعضهم طريق الخير الذي دله إليهم الملاك قرين الخير . وأن غيرهم اختار طريق الشر الذي دله عليه القرين الجان. وتقلب بعضهم بين الإصغاء تارة إلى هذا وتارة إلى ذاك على حد سواء .
ولا توجد نصوص واضحة متواترة عن فقهاء السلف عما إذا كان القرينان يترعرعان ويتدرجان مع الإنسان وفق مراحل وسنوات عمره أم لا . ولكن لايوجد هناك ما يمنع أو يؤكد هذه النشأة من عدمها . فربما يبدأ قرين السوء من الجان عند إقترانه مع الإنسان طفلا مثله ثم ينشآن معه ويكبران عبر مراحل الطفولة والصبا والشباب والرجولة .. إلخ حتى وفاته فيفارقه إلى مصير لا يعلمه سوى الله عز وجل والأغلب أن القرين الجان يموت بعد أن يستكمل فترة حياته ثم يبعث يوم القيامة . أما قرين الخير الملاك فهو مخلوق نوراني لا تنطبق عليه ما ينطبق على الإنسان والجان من مقتضيات النشأة والحياة والموت والأكل والشرب والنوم ..إلخ.
والله أعلم.
وربما يحتج البعض بالإدعاء أن الملائكة مخلوقات نورانية لا تعرف الشر . ومن ثم لا يمكنها التحذير منه وذلك إنطلاقا من المفهوم الشعبي البسيط لدى العامة من المسلمين الذين أخذوه عن مفاهيم النصارى على وجه خاص من أن الملاك طاهر لا يفهم معنى الشر ولأجل ذلك يرسمونهم أطفالا عراة في ظهورهم أجنحة.

وحتى يكون المسلم على دراية بما يجري حوله في هذا المحور اللصيق به ، يجب الإشارة إلى أن الملائكة يعرفون معنى الخير ومعنى الشر بإذن ربهم . ومن ثم يمكنهم تقديره وحث الإنسان على الابتعاد عنه وتفنيد ذلك يأتي على وجهين:

الوجه الأول :
أن لدى الملائكة بوجه عام علم من لدن الخالق عز وجل .. وأن لديهم من ثم علم بالشر والخير . ومدركين له تمام الإدراك وذلك عند قوله عز وجل: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ] (30) البقرة. ...... وفي قوله (ما لا تعلمون) توثيق ضمني بأن لدى الملائكة علم ما حباهم به الله عز وجل مثل ما حبا الله الإنسان بعلم من لدنه تعالى.

الوجه الثاني:
أن الله عز وجل قد خص الملائكة القرناء للبشر ، بعلم أرضي يعينهم على بذل سبل النصح بالخير لهم . وفقا لمقتضيات الحياة على الأرض . والدليل على ذلك من سياق قوله عز وجل [وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ] (32) سورة البقرة.
وعلى الرغم من أن هذه الآية الكريمة قد جاءت في سياق خلق الله عز وجل لآدم ، وتعليمه الأسماء ثم عرض هذه الأسماء على الملائكة فلم يعلموها ، إلا أن عموم السياق هو الذي نستفيد منه في الأخذ بأن الله عز وجل قد يعلم بعض ملائكته علما خاصا بحسب المهام المنوطة بهم .....
والأسماء المشار إليها هنا هي مثل قولك هذه بقرة تلك دجاجة هذا قلم ذاك بيت .. إلخ ... وبالجملة فإن كل ما يتحدث به البشر من لغات ومسميات إنما هي علم مكاسب من الله عز وجل.
والله أعلم

يتبع الجلسة (5) إنشاء الله

عن (ملائكة الموت ومنكر ونكير)




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات