جلال عامر وداعا
بقلم محسن العبيدي الصفار
في نفس اليوم توفي الصحفي المصري الكبير صاحب القلم الساخر اللاذع جلال عامر الذي قضى عقودا يكتب في كل انواع الصحافة باسلوبه المميز الذي يجمع بين الجدية والسخرية في مزيج جميل يقبله العقل وتسر به العين ,والمطربة الامريكية المعروفة ويتني هيوستن ولست بصدد المقارنة بين الشخصين , ولكن المحزن ان خبر وفاة المطربة قد تصدر الاخبار والصحف والمواقع الاجتماعية بينما لم يشر لخبر وفاة جلال عامر الا ما ندر من الصحف ومن متابعيه ومعجبيه وجمهوره الذي وان كان واسعا فلا يقارن بجمهور ويتني هيوستن او جمهور اي مطرب او مطربة او راقصة في العالم العربي .
مؤسف ومخجل ما وصل اليه حال الثقافة والادب في العالم العربي من أمة هجرت الكتاب والقراءة ولم تعد تقيم لكاتب او مؤلف وزنا واتجهت بكل ثقلها للطرب والغناء والرقص , امة لاتقيم اي وزن للعلم والابداع العلمي والتقني وتكتفي باستيراد كل ماتحتاجه من الالف الى الياء من الخارج ولاتخجل من طرح فكرة مقاطعة هذه الدولة او تلك وكأن لدينا البديل الداخلي عنها بينما البديل المفترض هو في الواقع ليس سوى استبدال بضائع عدو ببضائع عدو آخر .
والسؤال هنا مسؤولية من تردي الوضع الثقافي العربي بهذا الشكل المخيف ؟ اليس هذا الضعف الثقافي هو العامل الرئيس في انتشار التطرف والعنف وثقافة اللاتسامح بين العرب حتى اننا اصبحنا نتعطش لدماء بعضنا اضعاف عطش الاعداء التقليديين لها ؟هل هي الحكومات ؟ هل هي الشعوب ؟ هل هو النظام التعليمي ؟ ام الاعلام التجاري الذي يريد جذب المشاهدين من المكاسب الاعلانية باي ثمن ولو بقية من خوف من ردود الافعال الشعبية لرأينا اباحية تفوق اباحية اي قناة اجنبية .
نعم مات جلال عامر ولسوء حظه مات هو وعلم الثقافة ويتني هيوستن في يوم واحد فغطت على خبر موته كما يغطي المطربين والمطربات على اهل الثقافة والادب طوال حياتهم وياللسخرية التي اشتهر بها جلال عامر وكانه في موته يوصل رسالة لاتقل بلاغة عن رسائله في حياته التي كان يحاول بها ان يفتح عين المجتمع على عيوبه ومشاكله التي جعلته يعيش على هامش الحضارة ويكون متفرجا على ركب التقدم من مقاعد المشاهدين ولا يستطيع سوى ان يشجع هذا الفريق او ذاك دون ان يشارك في اللعبة اللهم سوى ان المواطن العربي وفي اي مباراة يلعبها اي فريقين لاحصة له من المكسب ولكنه يجبر على دفع التكاليف وثمن الخسارة والانكى من ذلك انه يفعلها وهو فرحان .
لن يكتب جلال عامر اي جديد ولكن كلماته القديمة هي جديدة وتنطبق على اليوم كما انطبقت على الامس وكما ستنطبق على الغد مع شديد الاسف .
وداعا يا جلال عامر يامن سيذكره التاريخ عند العرب على انه الرجل الذي مات في نفس اليوم الذي ماتت فيه محبوبة قلوبهم ويتني هيوستن ولاعزاء للمثقفين.
التعليقات (0)