في الأيام الأخيرة تحركت لجنة وزارية بشكل فجائي صوب مقرّ المحكمة الاستئنافيّة للقنيطرة، تصدّرها وزير العدل والحريات مصطفى الرميد وضمت عدد من المسؤولين عالين المستوى. ورامت هذه اللجنة الرفيعة الاطلاع على سير الملفّات لدى القضاء الزجري بعد توالي الانتقادات الحادّة الموجّهة للمرفق.
إذا كان هذا التصرف في المطلق محمودة ووجب التشجيع عليه، إلا أن وجب التساؤل عن الدافع الفعلي والأسباب التي أملت هذا التحرك غير المسبوق نحو محكمة القنيطرة.
جاء انتقال الرميد إلى استئنافية القنيطرة بمعية معاونيه بعد مرور يوم واحد عن تدخّل برلماني طال المرفق، من لدن رئيس الفريق الدستوري بالغرفة الثانية إدريس الرّاضي، وقال ضمنه أن "قضاة الاستئناف بمدينة القنيطرة يصدرون، في الأسبوع الواحد، أحكاما تصل إلى 700 سنة سجنا نافذا". وهذا أمر يدعو فعلا إلى الاستغراب، بل إلى الضحك باعتبار أن المنتقد لم يكلف نفسه، أولا وقبل كل شيء، التساؤل حول قانونية الأحكام وصوابها وفي حق من صدرت ونخصوص أي تهم، بل اكتفى باعتبارها أنها قاسية ، علما أن صاحب هذا النقد لا علاقة له بمجال القانون والقضاء، كما أن تكوينه لا يؤهله بالمرة الخوض في مثل هذا المواضيع التي تتطلب خبرة ودراية. إن المشكل لا يكمن في كثرة السنوات التي تنطق بها المحكمة وإنما في قانونيتها وصوابها باعتبار أن القانون فوق الجميع ولا محاباة في تطبيقه. لكن الأدهى ليس هو ما نطق به من لا اختصاص له ولا دراية في المجال، ما دام هو مشفوع له باعتباره يحكم على الظاهر وليس في اللب، وإنما على أصحاب الاختصاص الذين سارعوا في التحرك دون التقصي في الأمر. فهل يعقل في دولة الحق والقانون، وفي ظل السعي لتكريس استقلال القضاء التدخل في شؤونه دون دراية والاعتماد على الظاهر دون اللب لخلق كل هذه الجعجعة؟ هذا هو السؤال.
إدريس الراضي
لقد دعا إدريس الراضي رئيس الفريق الدستوري بمجلس النواب، مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات إلى فتح تحقيق مستعجل في شأن بعض الأحكام القاسية وطويلة الأمد، التي تصدرها (وليس أصدرتها) هيأة قضائية بالقنيطرة دون رحمة ولا شفقة. فهل اعتبار الرحمة والشفقة معيار يستوجب هذا التحرك وإعطائه كل هذه الهالة إن كان الأمر لا يتعلق بخروقات
قانونية وفساد؟
كان الأولى الاهتمام باللب عوض القشور، ووضع الأحكام الصادرة التي تظهر ثقيلة في عيون البرلماني ضمن سياقها والتقصي بخصوص الجرائم التي استدعتها وفحوى البنود القانونية المعتمدة من طرف القضاة الذين نطقوا بها، وهذا ممكن ومتيسر استنادا على الملفات ويستدعي كل هذا التحرك اللهم إذا كان النائب قد أدلى بما يفيد فساد، وهذا ما لم تنبس به شفتاه.
كان الأولى وضع الأحكام الصادرة في سياقها سيما وأن مدينة القنيطرة وضواحيها باتت مسرحا لجرائم تناسلت بشكل كاد ينال من أمن الساكنة واطمئنانهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن التذكير ببعضها قصد الاستئناس ليس إلا حتى يمكن مقابلتها بالأحكام الصادرة التي، حسب النائب، تفتقد للشفقة والرحمة.
من هذه النوازل ملف تزوير عقار في ملكية ورثة معمر فرنسي، قضت بخصوصه غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة،بإدانة محافظ سابق للقنيطرة من أجل التزوير في ملكية عقار تعود ملكيته إلى ورثة أحد المعمرين الفرنسيين، وأصدرت في حقه حكما بالسجن 10 سنوات نافذة. ويعتبر هذا الحكم الثاني من نوعه، الذي تصدره غرفة الجنايات الابتدائية بالقنيطرة في حق المحافظ السابق الذي أسس مكتبا للتوثيق بالقنيطرة، بعد الحكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا على خلفية ملف سابق قبل بضعة شهور، وتم تأييده في المرحلة الاستئنافية، ويروج الآن أمام محكمة النقض، ليصل مجموع العقوبتين الصادرتين في حق المحافظ السابق إلى 20 سنة سجنا. وتوبع الظنين من طرف القضاء من أجل تهم التزوير في محررات رسمية واستعمالها، في قضية تتعلق بتحفيظ عقار، عندما كان يتولى منصب محافظ بالقنيطرة قبل بضع سنوات. وآخذت الهيأة القضائية المتهم من أجل إصداره أمرا بتحفيظ العقار موضوع النزاع، رغم علمه بتناقضات خطيرة ضمنت في الوثائق التي تخصه، بهدف الاستيلاء على جزء كبير من عقار مجاور في ملكية ورثة معمر فرنسي.
ومن النوازل اعتقال 15 شخصا بالقنيطرة اغتصبوا قاصرا ، إذ أن الضحية دلت عناصر الضابطة القضائية على جميع الأمكنة والمنازل التي تعرضت للاغتصاب داخلها. لذا أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بإحالتهم على قاضي التحقيق من أجل "تكوين عصابة إجرامية واختطاف واحتجاز واغتصاب قاصر بالعنف". وهم المتهمين بالتناوب على اغتصاب قاصر تبلغ من العمر 16 سنة، واحتجازها في أمكنة متفرقة، لعدة أيام. علماأن البحث في القضية انطلق بعد بلاغ لأسرة الضحية، يفيد اختفاء الضحية القاصر من البيت في ظروف غامضة.و قد دلت القاصر المحققين على منازل جميع الأشخاص الذين أدخلوها إلى بيوتهم أو اقتادوها إلى أمكنة أخرى بغرض ممارسة الجنس عليها. لقد أقدم أفراد هذه العصابة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و30 سنة، على اختطاف الضحية واقتيادها، تحت الإكراه، إلى غابة بالمدينة، وهناك مارس عليها أحدهم الجنس بالقوة، قبل أن يتم نقلها من جديد إلى منزل مهجور، ومارس عليها آخرون الجنس، ثم إلى منزل أحد المتهمين، حيث تناوب ثلاثة أشخاص آخرين على اغتصابها. وهكذا تكررت العملية مرات عديدة. وفي كل مرة كان يظهر أشخاص جدد، يشبعون منها نزواتهم الجنسية، ويختفون من المكان بسرعة. وظلت تحت تهديد أسلحة بيضاء من أجل إجبارها على الخضوع لنزواتهم الشاذة، ولم يخلوا سبيلها، بل استمروا في التناوب على اغتصابها واحتجازها.
وقد اعتبرت أكثر من جهة أن اختطاف فتاة واقتيادها إلى أمكنة مختلفة تحت التهديد والإكراه، والتناوب على اغتصابها، يؤشر على منحى خطير بدأت تتخذه ظاهرة الاعتداء الجنسي على القاصرات، مطالبة بتعزيز الحماية لهذه الفئة.
وخلفت الواقعة حالة من الرعب والهلع في صفوف سكان المنطقة، خصوصا الآباء والأمهات الذين لديهم فتيات قاصرات يتابعن دراستهن في مدارس نائية، أو يزاولن أعمالا في شركات ومصانع، إذ يضطررن إلى قطع مئات أو آلاف الأمتار وسط أراض خلاء.
علما أن أفراد هذه العصابة كانوا ينفذون عمليات إجرامية أخرى للسرقات بالعنف .
ومن النوازل أيضا وقوع جريمتين شنيعتين ذهب ضحيتهما شخصان، في حادثين منفصلين، وقعتا معا في ظرف زمني قصير، لم يمر عليه سوى يوم واحد. الجريمة الأولى نفذت بفضاء شركة "فرتيما" قرب نهر سبووكان ضحيتها الحارس الليلي للشركة، وُجد مدرجا في دمائه.
ولم تكد عناصر الشرطة القضائية تنتهي من وضع آخر الترتيبات لإقفال ملف قاتل الحارس الليلي، حتى تم إشعارها في اليوم الموالي، بوقوع جريمة ثانية بمنطقة "المسيرة"، راح ضحيتها شاب عمره 25 سنة يقطن بحي "لابيطة"، بعدما تلقى طعنة سكين على مستوى القلب، بالقرب من إعدادية الحريري، أردته قتيلا في الحال..
ومن النوازل العثور على ثلاثة شبان قتلى في ظرف أسبوع بالقنيطرة، وقتل جزار وجدت جثته مضرجة في الدماء في منطقة الساكنية، وآثار الاعتداء بادية عليها. حيث ارتكب الجريمة بدافع السرقة. كما سبق لمياه نهر سبو أن لفظت جثة شاب في مقتبل العمر، بالقرب من مقر القاعدة الجوية الثالثة . وقد تبين أنها تعود لشخص كانت الشرطة قد طاردته، للاشتباه في تورطه في العديد من القضايا، قبل أن يلقي بنفسه من فوق قنطرة "أولاد برجال" للإفلات.
ومن النوازل اعتقال مستفيد من العفو وبحوزته سلاح ناري كان قد سرقه من تاجر مخدرات بفاس. كان قد أطلق سراحه ، بعدما استفاد من العفو الملكي.
وكذلك الجريمة التي ذهب ضحيتها مقاول معروف ، عثر عليه مذبوحا من الوريد إلى الوريد، في غرفة النوم بشقته، اقترفها أربعة أشخاص بدافع السرقة ، وقد أُحيلوا على العدالة، بتهم تكوين عصابة إجرامية والسرقة والقتل مع سبق الإصرار والترصد.
هذه نماذج لبعض الجرائم التي عرفتها القنيطرة قصد الاستئناس لتكوين فكرة بخصوص الأحكام الصادرة.
وخلاصة القول إن الجلوس على الكراسي له ضريبة فأدفعوها أو إرحلوا.
التعليقات (0)