مواضيع اليوم

جعجعة بدون طحين.

محمد مغوتي

2010-12-08 00:16:32

0

   لا يمكن لأي أحد أن ينكر دور الكلمة في استنهاض الهمم و رفع مؤشرات الحماس و الشعور بالإنتماء و النهوض بالمجتمع. وفي كل التجارب النهضوية الناجحة كان أرباب الفكر و رواد الكلمة الحرة هم قادة التغيير. لكن هذا التغيير لا يجد له طريقا إلى واقعنا المجتمعي حتى الآن. وهذا يعني أن الكلمة عندنا فقدت مفعولها و تأثيرها. فأين يكمن الخلل إذن؟.
   منذ ما يسمى ب "عصر النهضة" سال مداد غزير و تدفقت أنهار من الكلمات من أجل سؤال واحد : لماذا تقدم الغرب و تخلف المسلمون؟. و مازال السؤال مطروحا. و مازالت الإجابة مفقودة. و مازال الوضع يزداد تأزما. فكم نحتاج من الوقت للخروج من قلق السؤال؟. عندما أقرأ و أبحث في الإهتمامات التي تشغل بال الكتاب و الصحفيين و المدونين و غيرهم، لا أرى في الأفق ما يدل على اقتراب موعد الخلاص. و إذا التفتنا إلى الكتابات الفكرية " الرزينة " وتركنا جانبا كل الجعجعة التي تمتلئ بها المنتديات الخاصة و العامة، نكتشف أن قطار التغيير المنشود قد زاغ عن سكته تماما. وهذا يعني أن النخبة " المثقفة " قد تخلت عن مهمتها التنويرية التي من شأنها أن تؤثر في أفراد المجتمع و تحقق الحراك الإجتماعي المطلوب. لقد أصبح مفهوم " المثقف العضوي " عندنا غائبا إلى حد بعيد. و بذلك ظل الواقع ينتج نفسه بنفس الأدوات و بنسخ مكررة هنا وهناك.
لقد انحصر النقاش الثقافي الموروث عن أدبيات الكواكبي و محمد عبده في مستوى جدلي تؤطره مفاهيم تجعل كل حوار فكري بشأنها يدور في حلقة مفرغة. و اليوم مازالت قوى التقليد و الماضوية تفرض أنماط تفكيرها و تجعل كل إمكانية لإدراك مدارج الرقي و التقدم ضربا من المستحيل، مادامت ترفع سياط التكفير و التخوين و الصهينة في حق كل من يتحدث عن الإنسانية و العقلانية و التحديث و الديموقراطية. وهي بذلك تقدم خدمات جليلة للنظام الرسمي الذي لا يمكن أن يلام لوحده على ما نشهده من مظاهر في أزمتنا المزمنة، لأنه يمثل التجلي الصادق على طبيعة المجتمع، فالسلطة السياسية ليست إلا مرآة لسياق اجتماعي عام يتكرس في الممارسة السلوكية اليومية. و بالتالي لا يمكن للتنديد بغياب العدالة في المجتمع مثلا أن يدفع أصحاب القرار إلى تبني الخيار الديموقراطي في الحكم. فالعدالة سلوك إنساني ينبغي أن يمارسه كل الأفراد قبل أن يصبح نظاما قضائيا في الفصل بين الناس. لا يمكن القضاء على ظاهرة التزوير في الإنتخابات إلا إذا تحولت محاربة الفساد إلى شأن يومي و سلوك اجتماعي يمارسه كل شخص من موقعه الخاص في إطار تدبير شأنه اليومي و علاقته بالمؤسسات و الإدارات العمومية. لا يمكن إجبار النظام الرسمي على احترام الحريات إلا إذا تحققت القطيعة مع ثقافة المصادرة و الحجر والترهيب التي تفرض نفسها كممارسة إجتماعية مهيمنة. و لا يمكن الحديث عن الوحدة إذا كانت مباراة واحدة في كرة القدم ترهن العلاقات بين شعبين بكل مكوناتهما. .. وهذا يعني أن الحقوق لا تعطى أبدا، ونيل المطالب ليس بالتمني. وتلك هي الإشكاليات التي ينبغي التصدي لها بالبحث و التحليل من أجل التغيير. أما ما عدا ذلك فلا يعدو أن يكون " جعجعة بلا طحين".

    هكذا إذن، وعندما لا يتوجه الإهتمام الفكري إلى الواقع العملي لفهم مكامن الخلل و محاولة التصحيح،  يتحول النقاش الثقافي إلى حرب نقائض بين الأطياف الفكرية التي تتناحر على مذبح الكلمة. لذلك فإن التغيير صعب المنال  مادامت أدوات الحوار عندنا تستقى من حروب داحس و الغبراء.
           محمد مغوتي. 07/12/2010.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !