اقدمت ايران مؤخرا على اتخاذ مجموعة من الاجراءات لبسط سيطرتها التامة على جزيرة ابوموسى التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة وضربت عرض الحائط بالاتفاق الذي ينظم ادارة الجزيرة، وفي الوقت نفسه استمرت في تحديها لكافة المحاولات الرامية للتوصل الى حل سلمي للازمة ويثير هذا الموقف الايراني العديد من التساؤلات حول الاطماع الايرانية في منطقة الخليج العربي والدور الذي تراه ايران لنفسها في الفترة المقبلة.
المؤكد ان الاطماع الايرانية في الاراضي العربية في منطقة الخليج لم تكن خافية على احد في يوم من الايام، وكانت السلطات الايرانية تسعى في كل مناسبة تراها مهيأة لاحكام سيطرتها على بعض المناطق او كسب نفوذ، كانت تسعى الى ذلك دون تردد، ومن هنا كانت العلاقات بين ايران وبعض بلدان الخليج العربي تتسم بالشك والمخاوف. وكان الموقف العربي القوي هو الضابط للسلوك الايراني، فكلما وجدت ايران ان هناك تماسكا في الموقف العربي وهناك قوى عربية قادرة على مواجهة ايران دبلوماسيا وعسكريا كلما حرصت ايران على اخفاء اطماعها في الاراضي العربية.
ولذلك استغلت ايران فترة الانشغال العربي بقضية الصراع مع »اسرائيل« في مطلع السبعينات وقام الجيش الايراني في 30 نوفمبر 1971 ــ قبل يومين من اعلان الدولة الاتحادية في الامارات ــ بغزو الجزر الاماراتية الثلاث وهي ابوموسى التابعة لامارة الشارقة وطنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتان لإمارة رأس الخيمة. وقد استغلت ايران انشغال مصر بحربها مع »اسرائيل« ورحيل الرئيس عبدالناصر الذي كان من اشد المواجهين للاطماع الايرانية وفي اعقاب هذا الغزو تمكنت ايران من فرض اتفاق ــ ظل سريا ــ على امارة الشارقة نص على الادارة المشتركة لجزيرة ابوموسى، واستمر الوضع كذلك دون مشكلات عندما حرصت حكومة الامارات العربية المتحدة على عدم تصعيد الخلاف مع ايران خشية القوة العسكرية الايرانية.
وبالتالي تراجعت الامارات عن اثارة القضية لدى المنظمة الدولية واكتفت باحترام الوضع القائم الذي يعطي لإيران دورا كبيرا في تسيير شؤون الجزر الثلاث وادارتها.
واستمر الوضع كذلك حتى فوجئت دولة الامارات بقيام ايران بمنع سفينة اماراتية تحمل مواطنين من دخول جزيرة ابوموسى في 24 اغسطس الماضي، حيث اتجهت سلطات الامارات الى شن حملة دبلوماسية ضد السلوك الايراني ودعت العالم العربي والمنظمات الدولية الى مساندتها في مواجهة الاطماع الايرانية. وحرصت الامارات على التأكيد على ان السلوك الايراني هو مجرد مقدمة لالتهام جزر اماراتية اخرى لاسيما وان هناك العديد من الجزر النفطية.
كما طالبت الامارات بوقف العدوان الايراني على الجزر الثلاث التي تعد جزءا من اراضي دولة الامارات، وفي الوقت نفسه نجد ان السلطات الايرانية قد اتجهت الى استخدام لغة تحمل قدرا كبيرا من تهديد البلدان العربية في الخليج وتؤكد على استعدادها للدخول في مواجهات عسكرية مع اي طرف يعارض هذا السلوك العدواني الايراني، ففي الوقت الذي ادانت فيه الدول العربية مجتمعة السلوك الايراني مطالبة ايران بالتراجع عن عدوانها على الاراضي الاماراتية. وصف الرئيس الايراني هذا الموقف العربي بأنه »مؤامرة« لايجاد وضع بلبلة في المنطقة، كما امر قادة قوات الحرس الثوري بالاستعداد »شعبيا وعسكريا« مؤكدا ان »الاستعداد العسكري هو الحل الوحيد للعقبات التي توضع في طريق ايران«، كما اعلن ان »ايران لن تتخلى عن الجزر الثلاث ابدا« وفي الوقت نفسه اكد رئيس مجلس الشورى الايراني علي اكبر ناطق نوري ان الجزر الثلاث اراضٍ ايرانية بموجب اتفاق موقع مع الانجليز.
ايضا فإن السلطات الايرانية رفضت محاولات الوساطة السورية واعلنت ان سوريا، وسيط غير محايد، بل ان هناك في ايران من وصف الموقف السوري بأنه »خيانة«.
رد الفعل العربي، نلاحظ ان كافة الدول العربية قد سارعت بإعلان تضامنها مع دولة الامارات ضد العدوان الايراني على اراضيها وقد تبلور ذلك في الموقف الحاسم الذي اتخذه وزراء خارجية الدول العربية في ختام اجتماعات الدورة رقم 98 لمجلس جامعة الدول العربية حيث اكد وزراء الخارجية العرب على وقوف جميع الدول العربية الى جانب دولة الامارات العربية المتحدة ضد احتلال ايران لجزرها الثلاث، كما اعلنوا التأييد المطلق لجميع الاجراءات التي تتخذها الامارات تأكيدا لسيادتها على الجزر، وطالب الوزراء ايران »باحترام المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة مع الامارات وحقها وسيادتها على الجزر الثلاث.
الموقف الايراني يلاحظ ان ايران قد استهانت بالموقف العربي، حيث عبر الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني عن دهشته للاجماع العربي بجانب الحق الاماراتي وفي الوقت نفسه بدأت السلطات الايرانية تلوح باستعدادها للمواجهة العسكرية مع اي طرف يناوئ المطامع الايرانية.
والمؤكد هنا ان هناك العديد من العوامل التي دفعت حكام طهران الى الاجراءات الاخيرة فهناك اولا الشعور الايراني بتدهور الاوضاع الامنية في منطقة الخليج العربي في اعقاب تدمير القدرات العسكرية العراقية بسبب مغامرة صدام حسين الطائشة، ومن ثم شعور حكام طهران بعدم وجود قوة اقليمية يمكنها مواجهة ايران عسكريا ايضا فإن ايران راهنت على انشغال الادارة الامريكية بالانتخابات الرئاسية التي تحول دون مفاوضة الولايات المتحدة عمليا للاحتلال الايراني للجزر الاماراتية.
ايضا فإن حكام طهران راهنوا على عدم جدوى »اعلان دمشق« بعد المشكلات التي لحقت به من جراء تردد بعض دول الخليج في تنفيذه. لهذه الاسباب وغيرها اقدمت ايران على تأكيد سيطرتها على الجزر الاماراتية.
والمؤكد هنا ان ايران تشعر الآن بأنها القوة الاقليمية الكبرى وربما الوحيدة في منطقة الخليج العربي، وهو الامر الذي يقتضي من الدول العربية الخليجية، الاسراع بإزالة العراقيل التي تحول دون تنفيذ »اعلان دمشق« فهذا الاعلان الذي تم التوصل اليه بين دول مجلس التعاون الخليجي الست وكل من مصر وسوريا، كان يهدف بالاساس الى تدعيم الامن في منطقة الخليج العربي وحماية المنطقة من اية اطماع مهما كان مصدرها وكانت الرؤية المصرية - السورية المشتركة هي ان هذا الاعلان هو بين بلدان عربية ومن ثم لابد ان تكون ترتيبات الامن عربية خالصة ولا يكون هناك اي دور لقوى غير عربية وهو ما رفضته بعض دول الخليج التي اتجهت الى توقيع اتفاقات امنية مع بعض البلدان الغربية لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا كما طالبت بلدانا خليجية اخرى بإعطاء دور لإيران في هذه الترتيبات وهو ما كانت ترفضه مصر على اعتبار ان منطقة الخليج منطقة عربية وبالتالي لابد ان تكون ترتيبات الامن عربية خالصة، وقد ادت الخلافات في وجهات النظر حول عروبة ترتيبات الامن في المنطقة من عدمها الى عرقلة تنفيذ الاعلان وقد استغلت ايران هذا الوضع جيدا.
فلو كان اعلان دمشق قائما بشكل عملي ما كانت ايران اقدمت على هذا الاجراء الذي كان سينظر اليه على انه اعتداء عسكري على ارض عربية يستوجب المواجهة.
عموما وأياً كانت الاسباب التي ادت الى تجميد اعلان دمشق، فإن المطلوب الآن هو تحرك عملي سريع لإحياء هذا الاعلان بشكل عملي واجرائي بعيدا عن الشعارات حماية للامن القومي العربي الذي يتعرض يوما بعد آخر لأطماع العديد من دول الجوار الجغرافي، ففي الوقت الذي تسير فيه عملية السلام مع »اسرائيل« في طريقها لحل الصراع بانسحاب »اسرائيل« من الاراضي العربية المحتلة، نجد تركيا تصعد من خلافاتها حول الموارد المائية مع العراق وسوريا، واخيرا جاء العدوان العسكري الايراني على الجزر الاماراتية ليكمل سلسلة اطماع دول الجوار الجغرافي في الاراضي العربية، ويقتضي ذلك سرعة عقد اجتماع لدول اعلان دمشق من اجل وضع الاتفاق على طريق التنفيذ والكف عن الجدل حول صفة »عروبة« الترتيبات فقد اثبتت الاحداث الاخيرة ان امن الخليج لن يصان إلا إذا اتسمت ترتيبات الامن فيه بطابع »عروبي« يحول دون تسلل اطراف غير عربية لا تسعى إلا الى خدمة مصالحها واهدافها في المنطقة والتي كثيرا ما تكون متناقضة مع المصالح العربية المحلية والقومية.
التعليقات (0)