مواضيع اليوم

جريمة نجع حمادي..تهديم لمفهوم الدولة..

جمال الهنداوي

2010-01-09 17:31:09

0

عن طريق حسبة بسيطة..وانطلاقاً من يقين كامل..نستطيع ان نناقش ان النزيف البشري الطويل والاستنزاف المسرف لثروات ومقدرات الشعوب العربية.. والتضحيات المعمدة بالدم والدموع  للحركات المتبنية للشعارات الثورية في مسيرة التحرر والانعتاق ومناهضة قوى الاستعمار ..ومقارنة بالنتائج التي افضت اليها الايام..يعد من اكثر الصفقات خسرانا في التاريخ الانساني برمته..

فبعد عشرات من السنين العجاف ..وبعد العديد من تجارب الاستقلال وانشاء ما اطلق عليه بالدول الوطنية ..ما زالت تجبرنا بعض الاحداث التي نكابد معايشتها بين الحين والآخر الى مراجعة مفاهيمنا حول العبارات التي مللنا من تكرارها واجترارها روتينيا حول الانتماء والمواطنة والعدالة الاجتماعية ومدى تعبيرها عن الواقع المعاش على الارض..

وقد تدفعنا بعض النكبات التي تأخذ الوفاق الوطني على حين غرة..والتي تصيب النسيج الاجتماعي في اعمق مرتكزاته مثل الذي جرت في نجع حمادي الى التساؤل عن دلالية مفهوم الدولة في الممارسة الاعلامية والسياسية والخطابية للنظام السياسي العربي الحاكم..

فالدولة كنظام ادارة معبر عن توجهات الشعب.. وفي ظل التطاول الممعن في اللاشرعية لمؤسسة الحكم .. ومن خلال التآمر مع منظومة التدين المسيس والمرتزق..تحولت الى اداة قمع ارهاب فكري مخصصة لفرض تصورات سلطوية فجة لطغمة حاكمة لا تجد مبررا وجودها الا في حرمان المواطنين من الحقوق الاساسية التي تكفلها لهم بدئيات الانتماء..وتعد ممارسة الشعب لخياراته الحرة من اكثر مواطن التهديد لديمومة تحكمها في مصائر ورقاب العباد..وتعد التداول السلمي للسلطة مصدر فناء وانهاء لا تعوضه أي ترتيبات لاي نوع من "الخروج الآمن"..

اي ان الدولة هنا تحولت الى اسلوب للتهميش والاقصاء اكثر من كونها اداة تشكيل الوعي الجمعي بالتماسك والهوية والوحدة الوطنية.. فالنظام السياسي الرسمي العربي فشل تاريخيا في اطلاق مشروع او عملية سياسية تؤدي الى فرز ثنائية الدولة والسلطة مع التاكيد على اولية الدولة ككيان جامع ضامن لحق المواطنة والحريات الاساسية ومتسامية عن الميول والانتماءات العرقية والطائفية..

بل يمكن القول ان الهم الرسمي العربي كان في تخليق ثنائية الحاكم والمحكوم من خلال انشاء مفهوم مشوه للدولة تمارس الشعاراتية المضللة في تفسير وادارة التقاطعات المجتمعية ..واللعب على اوتار هذه التقاطعات لضمان ديمومة الهيمنة على القرار الوطني..والسيطرة على توزيع العوائد المالية لثروات الوطن..وغض النظر عن ممارسات التحشيد الطائفي والعنصري التي يمارسها فقهاء السلطان بسم الفئة المنصورة والبحث عن النقاء الديني والمذهبي..والتستر على التكسب المحموم واللاهث الذي يسرف فيه الموالين للسلطة..والامتناع عن تفعيل السياسات الرامية الى زرع بذور الانتماء وترسيخها في منظومة الدولة ..واستبدالها بصيغة ضيقة مختزلة لا توفر مساحة للاقليات العرقية والمختلفة ايديولوجيا وفلسفيا .

مما انتج واقعا مخيفا يتجلى في بروز الشعارات الطائفية والعنصرية لدى أي احتكاك او حادث جنائي بحت يكون طرفاه من المختلفين عرقيا او طائفيا..انعكاسا لحالة الاحتقان التي يعيشها المواطن والتي تعبر عن ما يعانيه من تردي اوجده التقادم المفرط لغياب العدالة الاجتماعية الناتجة عن السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة على بلداننا ..

ان الدماء التي روت ارض نجع حمادي كانت صدىً لدماء اخرى سالت في كردستان والاهوار ودارفور ولبنان وفي اماكن اخرى من الجسد العربي المريض ..بددتها السياسات الهادمة للتواشج الوطني والتواصل الشعبي ..والتي سعت الى تمزيق اللحمة المجتمعية وتفكيكها الى مرجعيات طائفية أو دينية أو عرقية أو مذهبية متغولة ومتقاطعة ومهيئة للانقضاض على المكتسبات الوطنية المتراجعة تحت ضغط الاضعاف الروتيني المقنن للمنظومة الجامعة المعبر عنها بالدولة الوطنية.. مما يهدد باقتتال الأخوة والأشقاء وإلى تفكيك الدولة إلى دويلات وإلى عمليات تطهير عرقي وإبادة جمعية..

ان هذا القاتل التافه الذي رفعت يده المجرمة والآثمة السلاح في وجه اخوانه في الوطن مدان حتما ويستحق العقاب الذي يتلائم مع فعلته النكراء..ولكنه يتشارك دائرة الاتهام بالتاكيد مع الحكم الذي لم يعل مبادئ المواطنة والعدالة ومع الاكليروس الذي يناضل من اجل تمدد مفهوم القردة والخنازير ليشمل كل من لا يدخل في حظيرتهم ..هذا الحكم وهذا الكهنوت الظلامي مدان ايضا لانه لم يستخدم الامكانات الهائلة التي استأثر بها ولا سطوته البالغة على الناس في اشاعة قيم التسامح والاخاء والوحدة الوطنية..

ان القاتل الذي ارتكب جريمة نجع حمادي كان يعبر عن قرون من التحريض والتنفير المبرمج بين مكونات المجتمع الواحد والتواطؤ بين منظومة الحكم وروايات الزنانير والناقوس والقلنسوات الصفر التي ينشرها فقهاء السلطان بين الناس تجذيرا للنوازع العنصرية والطائفية في احط صورها وادنى دركاتها والتي يكذبها ويلعنها دماء الشهداء المغدورين القبط مع اخيهم الشهيد رجل الامن المسلم التي امتزجت في وحدة يأبى التاريخ والارض والعرض والمصير لها انفصاماً..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !