في زمن الرداءة ما أكثر ما نسمع وما نقرأ من أخبار تثير الغثيان والشعور بالإحباط، ففي ظل سياسة التجهيل التي تعتمدها الأنظمة المستبدة، لتجعلها ثقافة يتشربها الناس، فتصير جزءا من شخصيتهم وكيانهم، فيتصرفون في المواقف المختلفة طبقا لهذا الغرس الخبيث، الذي غرس فيهم بفعل فاعل وعن عمد، بواسطة وسائل السحر المختلفة (أقصد الإعلام المختلفة) التي قلبت كيانهم، فبعد أن كانوا خير امة أصبحوا أحط امة، وبعد أن كانوا أعلم امة صاروا اجهل امة، اختلطت عندهم المفاهيم، وقلبت الموازين، فصار الحق باطلا، والباطل حقا، والخير شرا، والشر خيرا، والعلم جهلا، والجهل هو سيد الموقف.
ومن هذه الأخبار، الخبر التالي تحت عنوان " طالب يدفع حياته ثمنًا لرفضه تغشيش زميله في الامتحان":
"جريمة قتل بشعة راح ضحيتها طالب بكلية التجارة بجامعة الزقازيق إثر تلقيه ثلاث طعنات بمطواة في أماكن متفرقة من جسده بيد زميله لرفضه تغشيشه في قاعة الامتحان.
كان اللواء حسين أبو شناق - مدير أمن الشرقية - قد تلقي إخطارًا من مستشفي جامعة الزقازيق بوصول «محمد عبد الله فتحي» الطالب بكلية التجارة وبه ثلاث طعنات، فارق الحياة علي إثرها بعد وصوله المستشفي بساعات قليلة.انتقل علي الفور فريق البحث بقيادة العميد عبد الرؤوف الصيرفي - مدير المباحث- حيث أشرف علي نقل المصاب لمستشفي جامعة الزقازيق.
كما توصلت تحريات العميد سعيد عمارة إلي أن مرتكبي الواقعة زميله حمادة محمد يوسف -الطالب بنفس الكلية- وشقيقه «أحمد» بعد الانتهاء من أداء الامتحان وأن الواقعة تمت أمام مقر كلية التربية بجامعة الزقازيق لرفض المجني عليه تغشيش «حمادة» الذي قام بسب وقذف المجني عليه ثم تحول السباب إلي مشاجرة قام علي إثرها «حمادة» بإخراج مطواة وقام بطعن زميله.. تم القبض علي الشقيقين واعترفا بجريمتهما وتولت النيابة التحقيقات . علمت «الدستور» من مصادرها أنه رغم وقوع الجريمة أمام كلية التربية فإن حرس الجامعة قام بإخراج المجني عليه خارج الحرم الجامعي ليتم إثبات الجريمة خارج الحرم وليس داخله". نقلا عن موقع الشرقية اون لاين.
هكذا بسهولة القاتل يعتبر القتيل قد منعه حقه "الغش" ، فكان جزاؤه منه الطعن بالمطواة.
إن مشكلة الغش في الامتحانات التي أصبحت ثقافة شعبية في المجتمعات العربية، لا ينظر إليها كجريمة يستحق مرتكبها العقاب بالطرد من اللجنة، أو الحرمان من الامتحان، لكنها أصبحت من الحقوق العامة، التي يتمتع بها الطلاب في مجتمعنا العربي، لا سيما المجتمع المصري تحديدا، لم يعد الأمر يقتصر على مجرد المحاولة من الطالب الكسول أن يأخذ ما استطاع الوصول إليه من إجابات زملائه، لكنه الحق الذي يعترف به ليس الطالب فقط ، بل الطالب والمعلم وأولياء الأمور، الذين أصبحت دعواتهم في صلاتهم، أن يرزق أولادهم في الامتحان أولاد حلال يساعدونهم على الغش.
إنها ثقافة غرست في الأبناء والآباء والقائمين على العملية التعليمية على حد سواء، فلا تجد في هذا الخضم المتلاطم إلا بعض الغرباء، الذين ينظر إليهم على أنهم جامدون متخلفون متعصبون، لا يفهمون الواقع، بل يتهمون بأنهم قد نزعت من قلوبهم الرحمة.
هذه المشكلة وضعت في طريق العملية التعليمية عن عمد، بانتهاج الأنظمة عدة سياسات، ساهمت في غرس تلك الثقافة، بداية بتزوير الانتخابات، وتعيين أصحاب الوساطات لا أصحاب الكفاءات، وانتهاء بمشكلة البطالة، التي أفقدت العملية التعليمية جدواها في شعور الطلاب وأولياء أمورهم، مما حدا بهم إلى الحصول على الشهادة العلمية من اقصر طريق، وبأيسر السبل، دون بذل الجهد المطلوب، الذي يمثل في شعورهم أنه جهد بلا جدوى، ومرورا بعد ذلك بامتهان كرامة العلماء، في مجتمعات أصبحت الشهرة فيها والمال من نصيب لاعبي الكرة، ونجوم التمثيل، والمتنافسات في ميدان فن العرى والانحلال.
وكانت النتيجة امة جاهلة، لا تعي ما يدور حولها، ولا ما يفعل بها، ولا ما يراد لها.. أرأيتم امة في زمن الانفجار العلمي والمعلوماتى السريع لا تعير اهتماما بالعلم ولا المتعلمين؟ فمن أين يرجى لهم خير، أو منهم تغيير؟
التعليقات (0)