جده هو فيصل الأول والذي كان ملكا على سوريا ثم أصبح أول ملك على العراق، وفيصل الأول هو ابن الشريف حسين بن علي الهاشمي وهو أخو الملك عبد الله الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية، أما الملك الحسين بن طلال فهو ابن عم الملك غازي أبو الملك فيصل الثاني، وقد روى الملك الحسين بن طلال في كتابه "مهنتي كملك " قصص زياراته للملك فيصل الثاني في العراق وكان يدعوه بأبن عمي.
ولد في بغداد في 2 مايو 1935، ونشأ فيها ودرس العلوم ومبادئ اللغة العربية والأدب العربي على يد أساتذة خصوصيين أشرف عليهم العلامة مصطفى جواد، وهو الابن الوحيد لوالده الملك غازي، وأشرفت على تربيته والدته الملكة عالية بنت الملك على بن حسين وعاونتها في ذلك المربية الإنكليزية مس ريموس.
درس المرحلة الابتدائية في مدرسة المأمونية التي كانت واقعة في منطقة الميدان عند منطقة باب المعظم كما درس فيما بعد في كلية فيكتوريا البريطانية في مدينة الإسكندرية في مصر مع قريبه الحسين بن طلال ملك الأردن السابق. أنهى دراسته الابتدائية في سنة 1947.
سافر إلى لندن للدراسة حيث التحق بمدرسة "ساندويس" ثم التحق بكلية "هارو" في 7 مايو 1949، وعاد منها إلى بغداد في 30 مارس 1950، عاد بعدها إلى لندن لإكمال دراسته أيضاً، لكنه هذه المرة لم يكن وحده بل رافقته أمه الملكة عالية ،وكانت أمه إثناء مرافقتها له تستكمل علاجها هناك لأنها كانت مريضة وصادفت دراسته هذه المرة مع ابن عمه الملك حسين بن طلال الذي كان مقارِبا لعمره وصديقاً حميماً له وكانت تربطهما علاقات متينة إلى أن تخرج فيها بتاريخ 23 أكتوبر1952. وعاد إلى بغداد في 30 نوفمبر1952.
تميزت شخصيته بالأدب والاحترام لمن هو أكبر منه سنا ولاسيما أبناء عائلته الهاشمية، اضافه إلى صمته وهدوئه، كما وُصف بالصراحة والوضوع أثناء المناقشة أو الجدال.
كان ومنذ صغره يحب ركوب الخيول ولا سيما تلك الخيول التي تستعمل في السباق وقد منع من ركوبها لاحقا نتيجة إصابته بالربو منذ طفولته. وكان شديد التعلق بأمه الملكة عاليه بسبب يُتمه المبكر وكونه الوحيد لأبويه.
في صباح يوم السبت الثاني من مايس لسنة 1953 ادى الملك فيصل الثاني اليمين الدستورية في مجلس النواب بحضور الاعيان والنواب وهذا نص اليمين الدستورية :
"اقسم بالله انني احافظ على احكام القانون الاساسي واستقلال البلاد والاخلاص للأمة والوطن "
بعد أدائه اليمين ألقى الملك فيصل الثاني خطابه الذي يشكر ويحيي فيه الشعب العراقي متعهدا بمؤازرتهم , داعيا المولى عز وجل أن يأخذ بيده لخدمة الشعب العظيم.
"حضرات الاعيان والنواب
احييكم وأحيي الشعب العراقي الكريم بكم.
بحول الله تعالى وقوته سأمارس منذ اليوم الاول واجباتي الدستورية وذلك بمؤازرة المسؤولين في ادارة المملكة وعاضدة شعبي العزيز وممثليه , ملكا دستوريا حريصا على الاسس الديمقراطية داعيا الله عزل وجل ان يعاضدني ويأخذ بيدي لخدمة شعبي العزيز والترفيه عنه بكل الوسائل الممكنة لدي كمل اني سوف احصر كل جهودي لتأمين اسمى غاياته.
واني اتضرع اليه تعالى ان يوفقني واياكم لخدمة وطننا العزيز ولي عظيم الثقة بأنكم ستشدون ازري بتوحيد صفوفكم وجهودكم الصادقة لنتعاون جميعا لتحقيق اهدافنا القومية .
وقبل ان اختم كلمتي هذه لابد لي من ان اشكر خالي العزيز على اداءه* واجب الوصاية على العرش بكل حرص واخلاص وعلى عنايته الفائقة في اعدادي لهذا اليوم كأب شفوق ، ولابد لي ايضا ان اشيد في هذا اليوم بذكرى امي الحنون رحمها الله ، امي الفاضلة التي حرصت على تربيتي واحتضنتني طيلة ايام حياتها القصيرة بكل حنان وتضحية ونكران للذات وغذتني بالفضيلة وحب الخير للجميع ، وهيأتني لكم ولأقوم بخدمة شعبي على احسن مايرام والله تعالى ولي التوفيق "
ما القى الملك فيصل الثاني خطابا ثانياً في حفل الاستقبال الذي اقامه فخامة رئيس الوزراء جميل المدفعي يوم الرابع من مايس 1953 بحضور رؤساء وامراء دول فضلا عن وفود دول اخرى .
نص الخطاب
" ايها الحفل الكريم"
ارحب بكم اجمل ترحيب وانتهز هذه الفرصة لأشكر شعبي العزيز , على ما اظهره من حب واخلاص والتفاف حولي وولاه للعرش . هذا العرش الذي شاده جدي العظيم فيصل الاول طيب الله ثراه وركز اركانه المغفور له والدي العزيز الذي افقدني القدر اياه وانا طفل صغير ، فلم يسعدني الحظ برؤيته وعطفه وحنانه الابوي ولكن الاه تعالى قد عوضني برعاية ام حنون وعناية خال شفوق ومحبة شعب وفي كريم .
وانني اذ افتخر معتزا بهذا التآزر والاخلاص ، ادعو المولى عز وجل ان يكلل جهودنا بالنجاح لخدمة وطننا المفدى ونرجوه مخلصين ان يبارك جهودنا ويوفقنا لتحقيق سعادة ورخاء شعبنا .
وقبل ان اختم كلمتي هذه ، اشكر حضرات اصحاب السمو الملكي الامراء واصحاب الدولة والمعالي ، رؤساء واعضاء وفود الدول المحترمين ، الذين تجشموا المتاعب للاشتراك مع شعبنا في افراحه ، متمنيا لدولهم وشعوبهم كل عز وهناء ، كما اشكر الضيوف الذين وفدوا العراق للمشاركة في هذه المناسبة وادعو الله العلي القدير ان يشد أزرنا ويسدد خطانا فهو نعم المولى ونعم النصير ."
وألقى الوصي عبد الاله خطاباً لمناسبة انهاء مهامه في الوصاية وادارة شؤون البلاد التي دامت اكثر من 14 سنة ، وتسليم مقاليد الحكم الى الملك فيصل الثاني بعد بلوغه سن الرشد . ألقى الخطاب يوم الاول من مايس 1953 .
نص خطاب الوصي :
" ايها الشعب العراقي النبيل
ابدأ بالحمد والشكر لله تعالى على حلول هذا اليوم السعيد واستلام جلالة الملك فيصل الثاني الامانة مني.
واني لسعيد ان اعلن في هذا اليوم للشعب العراقي الكريم ابتهاجي ومشاركتي اياه افراحه.
ولي وطيد الامل والثقة بالله بأن عهد جلالته سيكون سعيدا وعهد خير وبركة وسلام للجميع ، فقد شاءت ارادة الله تعالى قبل اربعة عشر عاما ان اتحمل مسؤولية العرش بعد فجيعتنا بفقدان اخي غازي طيب الله ثراه .
واقول لأخي لانه كان اخا حميما وقت كنا (نحن احفاد الحسين) نعيش في كنف جد كريم عظيم ، كان يرعانا جميعا بعطفه وحبه وحنانه ، ذلك هو الحسين رضوان الله عليه .
اما اباؤنا فما كنا نراهم الا لماما ، فقد انصرف كل واحد منهم للعمل حسبما تقتضيه قيادة النهضة العربية التي كانت انذاك تغلى وتفور.
وكانت حياتنا في ذلك الجو العائلي حياة اخوة صادقة ومحبة خالصة ثم تشاء المقادير ان تجمعنا بعد حين في عاصمة فيصل وهنا في بغداد رحت واياه نستظل برعاية والدينا وترعرعنا في كنفهما اخوين شقيقين حتى اذا تولى جلالته شؤون الملك وبسمت له ولنا الحياة فجعنا بوفاته حين غرة فكانت مصيبتي بخسارته جسيمة وحزني عليه عظيما .
فكان علي ان اقوم بواجبين خطيرين احدهما السهر على رعاية جلالة الملك وتهيئته لهذا اليوم والقيام بمارسات سلطات الملك الدستورية بحكم الوصاية.
والان ولله الحمد اني في غبطة وراحة ضمير لاعتقادي بأني قد قمت بواجباتي ضمن امكانياتي الدستورية بحرص واخلاص ، لخدمة المصلحة العامة وسلامة المملكة وتوصيد اركان العرش واني لفخور ولله الحمد ان جلالته انه مهيأ للقيام بمهامه بكل جدارة وخلق كريم ومما لاشك فيه ان لشقيقتي عالية رحمها الله النصيب الاوفر في هذا الاعداد ، وان ما يتمتع به جلالة الملك من صفات و مؤهلات حميدة هي ثمرة لتلك الجهود .
ولايسعني وانا اخاطبكم الا ان ابعث لكم جميعا مزيد شكري على كل ما لمسته منكم من عون و مؤازرة واخلاص خلال مدة وصايتي مشيدا بجهود رجالات البلد وقادة الرأي فيه شاكرا للجميع هذه الروح الطيبه راجيا لهم الخير والفلاح وبعد ان انتهت مهمتي اضع خدماتي تحت تصرف مليكي المعظم مستعدا للقيام بأي خدمة تقتضيها مصلحة الشعب و وطني العزيز .
وختاما اسأله تعالى ان يوفق جلالته في العمل على مافيه خير لهذه الامة ويجعل ايام عهده ايام حافلة بالعز والسعادة انه سميع مجيب ، والسلام عليكم."
كان مخطوباً للأميرة فاضلة تنتمي فاضلة التي ولدت في باريس عام 1940 ، إلى عائلة عريقة من جهة أمها الأميرة (زهرة خانزاده) ، فهي كريمة عمر فاروق أفندي نجل السلطان العثماني عبدالمجيد الثاني ، وابنة الأميرة صبيحة ،كريمة آخر السلاطين العثمانيين وحيدالدين . وقد تزوجت الأميرة خانزاده من زوجها الأمير محمد علي إبراهيم في القاهرة عام 1940 . وتوفيت في باريس عام 1977 . وبذلك فان الأميرة فاضلة ، عثمانية من جهة أمها ،ومصرية من جهة الأب .
اضطرت فاضلة إلى مغادرة تركيا مع عائلتها ، وهي ابنة أربعة أشهر، عقب صدور قرار من الحكومة التركية ، بنفي كل من ينتمي بصلة القرابة إلى عائلة السلطان العثماني .حيث عاشت متنقلة مع عائلتها في مدن عديدة مثل: نيس والقاهرة والإسكندرية قبل أن تعود مع عائلتها إلى تركيا عام 1954 .
كانت فاضلة ، ذات جمال فاتن وأخاذ .وقد تعرفت على الملك فيصل في حزيران عام 1954 في حفل أقيم في بغداد أثناء زيارة عائلتها للعاصمة العراقية. بعد سنة من هذا التعارف كان اللقاء الثاني بينهما في فرنسا ،حيث قررا الزواج.
زار الملك فيصل استانبول في 1957 والتقى مع فاضلة في جولة بحرية ،على متن يخت الأميرة خانزاده. وتكررت اللقاءات وتوثقت عرى العلاقات العاطفية بينهما ، فكان أن تم إعلان الخطوبة في 13 أيلول 1957 بعد أن تقدم الملك رسميا للزواج منها.
بعد يومين من عودة الملك إلى بغداد ، أعلن رئيس ديوان التشريفات علي جودت نبأ الخطوبة . توجهت فاضلة بعد إعلان الخطوبة رسميا ، إلى فرنسا ومنها إلى لندن لتلقي دروس في مدرسة (فينشينك اسكول) استعدادا للزواج.
كان الملك يقوم أحيانا أثناء زيارته لاستانبول ، بزيارة خطيبته فاضلة ، ومنها كانا يقومان بزيارة بعض الدول الأوربية ، وكانت الصحف والمجلات تنشر صورا مختلفة للخطيبين السعيدين .
كما قامت الأميرة مع والديها بزيارة بغداد قبل الانقلاب بعدة أسابيع .وعادت منها إلى مدرستها في لندن .
وقع خبر مقتل الملك على خطيبته فاضلة كالصاعقة، بعد استماعها إلى نشرة أخبار الإذاعة البريطانية ، من جهاز الراديو الموضوع في صالة المدرسة . انهملت الدموع من عينيها الخضراويين ، وهرعت زميلاتها يواسينها تخفيفا للحادث المرعب ، التي ظلت تعاني منه فترة طويلة ، عاشت خلاله ذهولا تاما .
بعد وفاة الملك غازي في 4 أبريل 1939 بحادث سيارة، آل العرش إلى ولده الوحيد الملك فيصل، من زوجته الملكة عالية والذي كان آنذاك في الرابعة من عمره، ولهذا تم تعيين خاله الأمير عبد الإله وصيا على العرش فيما كان نوري السعيد هو الذي يدير الدولة العراقية كرئيس لمجلس الوزراء.
و قد كان خاله الوصي على العرش الأمير عبدالاله من أكثر المقربين للملك فيصل الثاني لاسيما بعد وفاة والدته الملكة عالية سنة 1950 حيث بقي وحيدا بلا أم بلا أب ولا أخوه ولا أخوات، كل ذلك جعل الملك فيصل الثاني لا يستغني عن مرافقة خاله الأمير عبد الإله في جولاته خارج العراق فرافقه في زيارته إلى إيران بدعوة من الشاه محمد رضا بهلوي في 18 أكتوبر 1957 وكذلك إلى السعودية في 24 ديسمبر 1957 م والأردن.
بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني في 1941 عاد الوصي عبد الاله إلى العراق بمساعدة الإنجليز وقد تغيرت نظرة الشعب العراقي تجاه العرش بشخص الأمير عبد الاله، ومع هذا ظل العراقيون ينظرون إلى الملك فيصل باعتباره نجل ملكهم المحبوب غازي الأول وكانوا يأملون منه كل خير فرغم ما حدث لم ينقطع الرباط الوثيق الذي اقامه الملك غازي بين العرش والشعب العراقي وظل أمله كبيراً في الملك.
كانت الظروف السياسية التي تحيط بالملك فيصل في غاية الحساسية والتأزم، حيث كانت وصاية خاله الأمير عبد الإله عليه وشخصيته القوية والمتنفذة في البلد، إضافة إلى سيطرة نوري السعيد بنفوذه الواسع والمتعدد والمدعوم بشكل مباشر وعلني من الإنجليز، كل ذلك جعل الملك الشاب فيصل في حالة من التردد وعدم القدرة لا يحسد عليها أبدا وهو ذاك الفتى الشاب الهادئ الوديع والذي لا يعرف دروب السياسة الشائكة ولا ألاعيبها المختلفة، ومع كل هذا مارس الملك فيصل الثاني نشاطا ملحوظا لمعالجه المشاكل ألاقتصاديه التي كان العراق يعاني منها, فأولى اهتمامه للجانب الاقتصادي فوضع خطه سُميت بمجلس الأعمار نهضت بإنشاء كثير من المشاريع الكبرى والمهمة والحيوية للبلد.
و لقد نجح الأمير عبد الاله في غرس شعور في نفس الملك بانه قادر على مسؤوليات الدولة والحكم وتصريف شؤون البلاد لما له من خبرة في معرفة رجال الدولة وقضاياها وبأنه يستطيع ايجاد الحلول المناسبة لكل موقف وظرف فنشأ الملك فيصل وهو يؤمن في قرارة نفسه ان خاله يستطيع ان يتحمل عنه تبعات الملك بما خلق لديه مسبقاً احساس الاتكال وترك الامور ليتصرف بها، لانه درج على ذلك منذ طفولته حتى وجدها بعد ذلك امراً واقعاً هذا إذا اضفنا ان تقاليد الاسرة الهاشمية كانت شديدة التمسك فيما يتعلق باحترام رأي من هو أكبر سناً وهذا ما جبل عليه افراد هذه الاسرة منذ القدم.
كانت حياته تثير الاسى لدى الكثيرين فوالده مات وهو رضيع وتوفيت والدته وتلقى العلم في بلد غريب ولم يكن امامه مناص من اتباع مشورة خاله الوصي عبد الاله الذي حرص على ان يبقى المسيطر الحقيقي على الامور بعد أن نجح الوصي في خلق مشاعر الود المتبادلة بينه وبين ابن اخته الملك بما ابداه من عاطفة ورعاية تجاهه ولكنه استغل تلك المشاعر ليمارس دور الملك في سياسة الدولة العراقية.
في 2 مايو 1953 اكمل الملك فيصل الثامنة عشرة من عمره فانتهت وصاية خاله عبد الإله على عرش العراق بتتويجه ملكا دستوريا على العراق. واعلن ذلك اليوم عيداً رسمياً لتولي الملك سلطاته الدستورية. وقد تزامن تتويجه مع تتويج ابن عمه الملك الحسين بن طلال ملكاً على الأردن في عمان.
ظن الناس ان الأمير عبد الاله سيتخلى عن واجبات الوصاية ويترك امور البلاد إلى الملك فيصل لكن عبد الاله عمل على تقويم الملك فيصل الثاني فاستمر يقحم نفسه في كل صغيرة وكبيرة كما لو ان وصايته عليه ظلت مستمرة والى ما لانهاية. لقد بقي الأمير عبد الاله خلف الملك يسيره ويأمره بعد أن تمكن من زرع بذور الطاعة له في نفسه ولم يتمكن الإفلات من هذا الطوق والاقتراب من الشعب أو الاتصال به وتحسس رغباته ومطاليبه واخذ عبد الاله يصاحب الملك اينما اتجه واينما سافر للتفاوض ويبدو أن الحكام العرب كانوا يدركون موقف الملك فيصل الثاني تجاه القضايا السياسية والمهمة ويعرفون انه دون المهمات المناطة به لقلة تجربته وان الحل والعقد بيد خاله ولي العهد.
دعا الملك الحسين بن طلال ملك الأردن في فبراير 1958 إلى إقامة اتحاد عربي هاشمي بين المملكتين الهاشميتين في العراق والأردن لحفظ توازن القوى في المنطقة أعقاب تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وأطلقوا عليه تسمية دولة الإتحاد الهاشمي العربي ،وعضويته مفتوحة لكل دولة عربية ترغب في الانضمام إليه بالاتفاق مع حكومة الاتحاد" وعلى احتفاظ "كل دولة من أعضاء الإتحاد بشخصيتها الدولية المستقلة وبنظام الحكام القائم فيها". ينص الدستور كذلك على أن ملك العراق هو رئيس الاتحاد وأن مقر حكومة الاتحاد يكون بصفة دورية ستة أشهر في بغداد وستة أشهر في عمان، أصبح الملك فيصل الثاني ملكا للإتحاد الذي دام لستة أشهر فقط حيث أطيح بالنظام الملكي في العراق في 14 يوليو1958.
وفي مطلع تموز وبعد قيام الاتحاد الهاشمي عام 1958 بين العراق والأردن طلب الملك حسين بن طلال العاهل الأردني، من الملك فيصل الثاني العاهل العراقي، إرسال قطعات عسكرية عراقية للمرابطة في الأردن. سافر بناء على ذلك رئيس الأركان الفريق رفيق عارف إلى عمان للتباحث مع نظراءه الأردنيين في التدابيراللازمة لتحرك هذه القطعات. وقابل الملك حسين وأخبره بحضور بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي الأردني بأن العراق قرر دعم الأردن بارسال قطعات فاعلة حيث اتفقا على بعض التفاصيل السوقية والتعبوية بهذا الصدد، الا انه لمح وبدبلوماسيته المعهودة بان لديه معلومات عن وجود تنظيم سري مشابه لتنظيم الضباط الأحرار في مصر، وقد أبدى الفريق رفيق عارف استغرابه نافيا تلك المعلومات، استدعى الملك حسين ضابطين أردنيين كانا في زيارة عسكرية للعراق واطلعا على الأوضاع الداخلية للجيش العراقي، وعادا بمعلومات تفصيلية عن وجود نشاطات للاعداد حركة عسكرية.
رفيق عارف مع الحسين بن طلال
عاد الفريق رفيق عارف إلى بغداد في يوم 11 تموز مغتاظا من الإنذارات الأردنية بعد أن قال لرئيس الوزراء الأردني آنذاك السيد سمير الرفاعي وبحضور رئيس الأركان الأردني، انه لايجوز أن نصدق الاشاعات التي تريدنا أن نعتقل الف ضابط عراقي من أفضل ضباطنا وتقرر بعد ذلك تم إرسال اللواء العشرين بقيادة العقيد الركن عبد السلام عارف الذي يحوز على ثقة رئيس أركان الجيش يوم الرابع عشر من تموز إلى الأردن والذي اللواء الذي كان بأمرته قام بالحركة التي اطاحت بالنظام الملكي.
كما اكد الملك الحسين بن طلال ذلك للفريق غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة والتي يفترض ان يتوجه أحد الويتها للأردن، بأنه توافرت لدى أجهزة الاستخبارات العسكرية الأردنية، معلومات تؤكد نية بعض الضباط القيام بانقلاب، وانه اتصل بابن عمه ملك العراق طالبا منه ان يبعث شخصا يثق به لاطلاعه على معلومات خطيرة، والتقى الملك برئيس اركان الجيش العراقي انذاك الفريق رفيق عارف في معسكر اتش 3، قرب الحدود الأردنية ـ العراقية، وسلمه قائمة بأسماء الضباط الذين يعتقد بانهم يعدون للانقلاب، ولكن رئيس اركان الجيش الفريق رفيق عارف فند جازما للملك حسين بوجود مثل تلك المزاعم، لسببين الأول ورد اسم العميد عبد الكريم قاسم وهذا مدعاة استغراب لانه من اخلص الضباط للعرش والحكومة حتى ان الكثير من الضباط يخشوه لعلاقة الولاء للحكمومة والعرش، اما السبب الثاني كما يقول رئيس اركان الجيش، بان اعداء المملكتين وعلى الاخص بعد اعلان الاتحاد الهاشمي هالهم الاتفاق الوحدوي بين المملكتين واخذوا يحيكون الدسائس لعرقلة الاتحاد، فعمدت تلك القوى إلى استخدام الطابور الخامس ليبث الاشاعات التي درجت على تلفيقها لغرض زعزعة استقرار الدولة الفتية. ويذكر الداغستاني بان الملك الأردني قد شعر بالإحباط من رد الفريق رفيق عارف وعدم اخذ معلومات غاية في الاهمية والسرية والخطورة على محمل الجد. لم يكتف الملك حسين بذلك بل بعث برئيس مخابراته انذاك محمد الكيلاني قبل اسبوعين من الحركة ليخطر الحكومة العراقية بقرب ساعة الصفر وتنفيذ الحركة العسكرية التي اعدتها مجموعة من الضباط المعروف عنهم الولاء للعرش ولنوري السعيد، ومع ذلك، لم يلتفت أحد إلى التحذير.
واضاف الفريق غازي الداغستاني "ان بغداد كانت تعج بالاشاعات، حتى ان نوري باشا استدعاه وسأله: "هل تصدق ان عبد الكريم قاسم يتآمر لإسقاطي؟"
وكان يقال عن قاسم "بأنه جاسوس لنوري السعيد في الجيش ويسميه الباشا تحببا كرومي"، وطلب نوري السعيد ملف عبد الكريم قاسم ولم يكتشف أي مؤشرات على استعداد لخيانة العرش والحكومة، ويذكر غازي الداغستاني بانه قد ابدى امتعاضه من مراجعة ملف عبد الكريم قاسم ذلك قائلا لنوري السعيد :
"ان عبد الكريم من الضباط المقربين الامعين المعروف بولائه للبلاط والحكومة ولا يمكن التشكيك به لأنه هو من يزودنا بالتحركات المشبوهة لبعض الضباط مما جعلنا نضعهم تحت سيطرتنا.. جناب الباشا أنت ادرى.. بان الوضع الداخلي لا يتحمل أحداث أي بلبلة داخل الجيش بسبب الظروف التي سببها الهجوم البريطاني على مصر وبمعاونة من فرنسا وإسرائيل. الموضوع اجج المشاعر منذ دخول إسرائيل في الهجوم.. لا أدري الإنجليز كيف يفكرون.. الحكومة المصرية تكسب التأييد لا نها تنفذ سياسة مرغوبة من الناس المصريين وباقي البلاد العربية..
واكمل نوري السعيد قائلا: "هاذي الوحدة الآن تلاقي تأييد كبير من الشباب تذكرهم بأيام زمان ومطالب العرب وجلالة الشريف حسين المعظم. كلنا مع الوحدة اكيد ونحن لدينا وحدة أيضا الوضعية حساسة، ولكن الحكومة المصرية العسكرية مندفعة وليس لديها خبرة مع الإنجليز تصرفوا بتهور بموضوع التأميم وجابلهم بلاء الحرب.. اجج الغرب ضدهم عاداهم.. ماكو داعي.. الغرب مهتم بالشيوعية وانتشارها اللي سيهدد العالم الحر والعراق أحد اعضائه المهمين.. شوف لذلك أي اعتقالات أو ضربة داخل الجيش نقوم بها رد فعلها سيكون لطالح أي عناصر طائشة التي تريد ان تعمل شيء".
وقد اتفقا، نوري السعيد وغازي الداغستاني على اعتبار الموضوع مجرد اشاعات.
كان الملك فيصل الثاني قد أعد نفسه للسفر إلى تركيا صباح يوم 14 يوليو1958 برفقة خاله عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد لحضور اجتماعات حلف بغداد على أن يغادر تركيا بعد ذلك إلى لندن للقاء خطيبته الأميرة فاضلة إبراهيم سلطان وكان الملك قد حدد يوم 8 يوليو 1958 موعداً لسفره وكان أكثر اهتماماً بلقاء خطيبته من صراع الخطب السياسية في اجتماعات الميثاق. ولكن في يوم 7 يوليو رجاه وزير المالية بأن يؤجل سفره إلى يوم 9 يوليو، للتوقيع على قانون الخدمة الإلزامية، وقانون توحيد النقد والبنك المركزي لدول حلف بغداد، وافق الملك بعد إلحاح وفي يوم موعد سفره في 8 يوليو أرسل شاه إيران برقية يقول فيها ان لديه معلومات يريد أن يبلغها لمجلس دول حلف بغداد، وأقترح لقاء رؤساء دول الحلف ورؤساء وزرائهم في إسطنبول يوم 14 يوليو 1958 وإضطر الملك إلى تأجيل سفره للمرة الثانية من 9 يوليو إلى 14 يوليو.
ليلة 13-14/7/1958 كما ترويها تستعيد السيدة تمارا ابنة معاون رئيس اركان الجيش اللواء غازي الداغستاني ذكرياتها عن الليلة التي سبقت يوم الرابع عشر من تموز 1958 وقضتها مع والدتها وشقيقها تيمور في قصر الرحاب ببغداد، لحضور حفل صغير أحياه ساحرٌ استدعاه الأمير عبد الإله للترفيه عن الملك الشاب فيصل والأسرة, وبعض العائلات المقربة وأبنائها وبناتها.
تتذكر السيدة تمارا، وكانت حينها أحد عشر عاما، أن كرسيها كان بجانب كرسي الملك فيصل وهم يتابعون العاب الساحر، وأثناء الحفل لاحظت ْ توقفَ سيارة فوكسفاكن أسفل شرفة القصر المفتوحة ، ترجل منها مراسل أحضر ورقة صغيرة وسلمها الى الملك، وإذ فتح فيصل الورقة-تقول تمارا- وقع نظري على بعض سطورها الانكليزية، فلمحت عبارة: كونوا شديدي الحذر هذه الليلة، Be ware this night!
فنهض الملك وسلم القصاصة إلى خاله الأمير عبد الاله الذي كان واقفا، وسمعت الأمير يقول لفيصل، اتصل بجسام وخليه يهيئ الطيارة الهليكوبتر في الساحة الخلفية للقصر, وجسام هو الطيار الخاص للملك.
وتقول الداغستاني: ما إن هم الملك بفتح باب الغرفة المجاورة، للاتصال على ما يبدو بالطيار جسام، حتى سمعتُ عبد الاله يناديه من مكانه: تعال، تعال يا فيصل كم مرة ضحكوا علينا بمثل هذه الإشاعات، عد الى مكانك ولاتخلي الناس تضحك علينا مرة أخرى!!.
في حينها لم تدرك الطفلة تمارا، مَن أرسل القصاصة تلك، الا أن الحروفَ الانكليزية الواضحة على تلك الورقة، والشعار الذهبي الذي تصدرها يدفعها للاعتقاد بأنها من مصدر أجنبي قد يكون سفارة ما، أرسلت التحذير للملك.
وتستعيد تمارا الداغستاني شريط الذكريات التي ما زالت تحافظ على تفاصيلها فتقول، كان فيصل طوال الأمسية سعيدا وهو يحدثنا عن البيت الجديد الذي يشيده لاستقباله مع عروسه, وفي انتظار أن يكتمل بناء المسكن في الكرادة، وهو القصر الملكي والذي صار فيما بعد القصر الجمهوري الذي شغل في عهد عبد السلام عارف قبل أن تجري عليه توسعات عديدة في العقود الأربعة الأخيرة، كان الملك الشاب بحسب حديث الداغستاني يتطلع الى زواجه المرتقب من فاضلة ، وكان يردد تلك الليلة: هل حقا سأتزوج وأعيش مع فاضلة في بيت خاص بنا ؟ وفي كل مرة كان يسرف في تطلعاته للعيش في القصر مع زوجته المقبلة كانت خالته الأميرة عابدية تطلب منه ان يكرر عبارة أن شاء الله، فأجابها مازحا: إن شاء الله، إن شاء الله !..ولكن لماذا هذا الإلحاح، ترى هل سنموت غدا؟
في تلك الليلة كانت على الأسرة المالكة أن تتهيأ للسفر الى اسطنبول، ولاحظت تمارا أن ذلك لم يمنع الملك وخاله عبد الاله من السهر مع ضيوفه الى ساعة متأخرة، وعندما تهيأنا لمغادرة القصر وتوديع العائلة، اقترح الامير عبد الاله على السيدة الداغستاني ان تسمح لابنتها تمارا بالمبيت في القصر معهم، فاعتذرت والدتي معللة أنهم سيكونون منهمكين في التحضير لسفرة الصباح، فضلا عن ان الطفلة تمارا لم تهئ نفسها للمبيت خارج الدار وليس معهم ملابس للنوم, فانبرى الملك فيصل لإقناع الوالدة بالقول ان تمارا تبدو طويلة فقد يمكنني إعارتها إحدى بيجاماتي !.بحسب رواية الداغستاني.
وتقول تمارا أن مقترح الامير لم ُيلبَ، فتوجهنا الى سيارتنا وكان الملك والامير وسيدات القصر في توديعنا حينها غمرني إحساس بالقلق والحزن وشعور طاغ بأني لن التقيهم مستقبلا، وتضيف أنها مازالت كلما تستعيد تلك السويعات تشعر بالندم لانها لم تمكث مع الملك فيصل في قصر الرحاب تلك الليلة المشؤومة, بالرغم من أن ذلك يعني كتابة حياة جديدة لها لأنها كان من الممكن ان تكون ضمن ضحايا قتلى صباح اليوم التالي .
تتذكر تمارا أيضا صبيحة 14 تموز اذ كانت جهاز الراديو في بيتهم الواقع في منطقة بارك السعدون، موقع مستشفى السامرائي الحالي، يبث بيانات غريبة من الإذاعة، وتقول أيقظتنا خالتي ولم يبدو عليها تصديق ما تحكيه البيانات تلك قائلة بنبرة ساخرة، اسمعوا هذه الإذاعة السرية تتحدث عن ثورة وعن قتل الملك والأسرة, فاتصلت والدتي بقصر الرحاب عدة مرات ولم تجد مجيبا، ولم نكن نعلم حينها ان الأمر انتهى وان سكان قصر الرحاب الذي كنا فيه قبل بضع ساعات قد قتلوا، ومع ذلك ظلت والدتي وخالتي لا تصدقان بيانات الاذاعة التي كانت تكرر الدعوة بإلقاء القبض على رجالات العهد ومن بينهم والدي غازي الداغستاني, وكررت خالتي المحاولة مع القصر وكانت الخطوط مقطوعة هذه المرة, وحوالى السابعة جاء سائق والدي خزعل مهرولا، ودخل البيت شاحب الوجه، فسألته امي وهي تبتسم، هل سمعت الإذاعة السرية، فرد خزعل بصوت مرتعب: اي اذاعة سرية خانم، هل انت مجنونة؟ الشوارع ملتهبة وقد قتلوا الملك والوصي وكل مَن في قصر الرحاب واعتقلوا الباشا، يقصد غازي الداغستاني.
عندها، تقول السيدة تمارا «أدركت والدتي هول الفاجعة، فخرجنا الى حديقة المنزل لنشاهد جارنا محمد علي الجلبي يسرع مع أولاده وبناته الى السيارة، فسألته والدتي عما يجري، فحثها على ترك البيت محذرا من أن الاذاعة تحث الناس على ملاحقة رجالات العهد الملكي واقتحام بيوتهم, فركبنا سيارة جار آخر، وتوجهنا الى بيت حكمت سليمان زوج عمتي في منطقة الصليخ، واذكر يومها ان الشوارع تحولت الى بحر متلاطم من البشر الموتورين الذين كانوا يحدقون في وجوهنا من خلف زجاج السيارة عسى ان يتعرفوا على وجه معروف فيقتلوه، لكننا بصعوبة تمكنا من الوصول الى بيت حكمت سليمان، وبعد فترة مرت سيارة مكتظة بحشد من الناس من أمام المنزل، واخرج احدهم يده حاملة إصبعا مقطوعا وهو يصرخ: هذا اصبع عبد الاله, قطعته بنفسي!! في تلك اللحظة ايقنا بان الاسرة المالكة قد أبيدت.
مجزرة قصر الرحاب:
هذه الرواية لما حدث في قصر الرحاب وردت في كتاب الدكتور فالح حنظل ... فقد كان فالح حنظل في عام 1958 ملازما في القصر الملكي في بغداد ' قصر الرحاب ' وقد شهد عملية ابادة وسحل العائلة المالكة في صبيحة الرابع عشر من تموز ... وقد وصف فالح حنظل ما حدث انذاك في كتابه ' اسرار مقتل العائلة المالكة في العراق" .
النقيب عبد الستار العبوسي قاتل العائلة المالكة
فبعد أن يصف فالح حنظل عملية هجوم الضباط والشعب على القصر والطلب الى الملك وخاله الخروج الى باحة القصر ... وبدأت المجزرة يقول فالح حنظل.
قبل الساعة الثامنة بقليل..فتح باب المطبخ .. وخرج منه الملك وامارات الرعب قد تجمدت على وجهه من هول الموقف... وبدا مرتديا ثوبا ذا كمين قصيرين وبنطالا رمادي اللون, وينتعل حذاءا خفيفا .. وخلفه سار الامير عبدالاله مرتديا ثوبا وبنطالا كذلك, وقد وضع يده اليسرى في جيب بنطاله اما يده اليمنى فكانت ترفع منديلا ابيض.
وزاحمت الملكة نفيسة ولدها الامير عبد الاله على درج المطبخ, ووقفت وراء الملك ورفعت القران عاليا بيدها فوق رأسه وهي تصر باسنانها على اطراف الشرشف الذي يستر جسمها, وخلفها سارت الاميرة عابدية وهي تنتحب وتولول, ثم الاميرة هيام, ثم احدى خادمات القصر المسماة رازقية, والطباخ التركي وخادم اخر .. واثنان من جنود الحرس تركا بندقيتيهما في المطبخ.
خرج الجميع يتقدمهم المقدم محمد الشيخ لطيف.. والملازم اول ثامر خالد الحمدان.. وكان يقف في نهاية الرتل النقيب ثابت يونس.
وفي الباب كان العقيد طه ما زال يحاول ان يهدئ من سورة هيجان الضباط, وخاصة النقيب مصطفى عبدالله الذي كان يرفع عقيرته بالصراخ. 'اخرجوا ايها السفلة .. ايها الخونة.. ايها العبيد', وخرج الجمع كله ليواجه نصف حلقة من الضباط وهم كل من:
النقيب مصطفى عبد الله, النقيب سامي مجيد, النقيب عبد الله الحديثي, النقيب منذر سليم, النقيب حميد السراج, الملازم اول عبد الكريم رفعت, وعدد اخر من الملازمين والمراتب, ويقف خلف هؤلاء الضباط عدد اخر من الضباط والجنود, وقد انتشروا في الحديقة وخلف الاشجار.. والى خلف هؤلاء من اليمين و اليسار كانت الجموع الغفيرة من العساكر والناس تقف متفرجة.
خرج الملك فيصل وسرعان ما رفع يده بالتحية العسكرية للضباط الموجودين امامه .. واغتصب ابتسامة رقيقة تراقصت على شفتيه, وظهرت خلفه جدته وهي تحاول ان تجعل الجمع كله يشاهد القران بيدها.. وبعدها سار عبد الاله .. وهو يتمتم ببضع كلمات غير مسموعة ... ووجهه يكاد يكون ابيض .. وزوى ما بين حاجبيه, وهو يرى لاول مرة الضباط شاهرين رشاشاتهم بوجهه, وتلفت يمنة ويسرة .. ليتطلع الى بقية العساكر المنتشرين في الحديقة .. ثم لم يلبث ان استدار الى الخلف ليطمئن على زوجته واخته اللتين جفت الدموع في مآقيهما ولم تعودا تعرفان ماذا تقولان او تفعلان .. وارتفع همس الملكة العجوز وهي تحاول ان تردد بعض الايات من القرآن الكريم.
تقدم النقيب مصطفى عبد الله .. وصرخ فيهم ان يجتازوا ممرا من الشجيرات ينتهي الى باحة خضراء صغيرة... جنب شجرة توت ضخمة وسط الحديقة, وقد تعلق بها نسناس صغير مربوط من رقبته بسلسلة معدنية ... فاجتاز الجمع الممر .. ووقفوا بشكل نسق يتطلعون الى افواه رشاشات الضباط الموجهة نحوهم.
في هذه الأثناء كان النقيب عبد الستار سبع العبوسي داخل قصر الرحاب .. فترك القصر ونزل هابطا الدرجات الامامية ورشاشته بيده.. واستدار الى اليمين فشاهد الاسرة المالكة كلها تسير في صف تاركة باب المطبخ.. وبعد اقل من نصف دقيقة كان النقيب العبوسي يقف خلف العائلة المالكة تماما, ويفصله عنهم خط شجيرات صغيرة على الأرض.
بلمح البصر فتح نيران رشاشته من الخلف مستديرا من اليمين الى اليسار .. فاصابت اطلاقات غدارته الثمانية والعشرون طلقة ظهر الامير عبد الاله.. ورأس ورقبة الملك وظهري الملكة والاميرة عابدية.. ثم لم يلبث ان فتح مصطفى عبد الله نيرانه من الامام على البشر الموجودين امامه, وفتح بقية الضباط المشكلين نصف حلقة نيران رشاشاتهم, وجاءت النيران من الامام ومن الخلف ومن الجانب.. من كل يد تحمل سلاحا في تلك اللحظة...!!
اصيب الملك بعدة طلقات فتحت جمجمته وسقط في احضان الاميرة هيام التي تهاوت ارضا, وقد اصيبت في فخذها, وسقط عبد الاله قتيلا وانصبت عليه نيران اكثر من فوهة نارية, وهو يتمرغ قتيلا على الارض.. ونالت الاميرة عابدية والملكة نفيسة حظهما من رصاص المهاجمين .. فتمرغتا بالارض وهما تلفظان انفاسهما الاخيرة.. واصيب جندي الحرس محمد فقي بعدة طلقات نارية صرعته فورا.. وجرحت الخادمة رازقية ... وقتل الطباخ التركي, وقتل احد الخدم في نفس البقعة أيضا.
أصيب النقيب ثابت يونس بطلقة نارية اخترقت رئته اليمنى ونفذت, فهرب الى جهة اليمين ومعه ضابطا صف من الانضباط الخاص, وسرعان ما واجهتهم اعداد المسلحين المختفين وراء القصر واجبروهم على التسليم.. اما المقدم محمد الشيخ لطيف فقد قفز جانبا حائدا عن مهمر الرصاص, واستطاع الملازم اول ثامر الحمدان ان يلقي بنفسه بين الشجيرات, ويزحف ارضا الى ضفاف نهر الخر ويندس هناك بين جموع المهاجمين ويختفي دون ان يعرفه احد.
اثأر منظر الدماء واصوات الطلقات النارية جنون ضابط المدرعة, ففتح نيران رشاشته الثقيلة على الاجسام الملقاة ارضا.. فحرثها حرثا وحاول الطفل جعفر اليتيم الذي كانت تربيه الاميرة عابدية ان يهرب الى زاوية من زوايا القصر, الا انه سرعان ما عاجله الجنود برصاص بنادقهم فاردوه قتيلا.
على اثر هذا الرصاص المتناثر يمنة ويسرة اصيب النقيب مصطفى عبدالله بطلقة نارية بصدره, وسقط ارضا والدم ينزف من جرحه, وتهاوى بين الشجيرات النقيب حميد السراج, وقد اصابته طلقة نارية في كعب قدمه.. وسقط ضابط صف برتية رئيس عرفاء قتيلا من المهاجمين, اما الاميرة هيام فقد تمكنت من الزحف الى ركن امين وتقدم منها ضابط وحملها بيده حيث اخفاها في غرفة حرس الباب النظامي, والدماء تسيل من فخذها.
ثم كفت الاطلاقات النارية.. وكانت الجثث الميتة ملقاة ارضا.
وتصايح الضباط, كل يريد ان يعطي فكرة او طريقة للتخلص من الجثث, وسرعان ما جلبت سيارات نقل على اثرها الضابطان الجريحان من المهاجمين الى المستشفى.
فجأة سمع المتجمهرون اطلاقة نارية تاتي من الخلف من بين الاشجار العالية المحيطة بالقصر.. لاتمام عملية التطهير, ولعلع من جديد رصاص الرشاشات شاقا السكون الذي ساد المكان اثر عملية القتل.. كأنما هو صرخات الموت الختامية وحشرجته في قصر الرحاب.
جلبت سيارة من نوع بيك اب (فان) تابعة للقصر كانت تستعمل للمشتريات اليومية, ورفعوا جثة الملك.. وانزلوها في السيارة.. ووضعت الجثة على جنبها الايمن مما جعل اليد اليسرى تتدلى خارج الباب.. ثم سحبت الجثة من يدها الى الداخل.
حملت جثث النساء.. فجثة عبد الاله.. وبقية القتلى.. والى هنا كانت جماهير الناس في الشارع قد دخلت حدائق القصر وانتشرت فيها.. وشاهد بعضهم الجثث, وهي تنقل الى السيارة (الفان) , وتحركت السيارة نحو الطريق الخاص للقصر.. وهجم شاب ضخم الجثة يحمل بيده خنجرا, وانهال بطعنتين على جثة عبد الاله.
وجيئ بسيارة ثانية نقلت النقيب ثابت يونس المرافق العسكري الذي بدت عليه علامات الضعف والوهن الى المستشفى العسكري.. حيث لفظ انفاسه الاخيرة هناك.
أما الأميرة هيام والخادمة رازقية فقد نقلتا الى المستشفى الحكومي الملكي حيث اعطيتا العلاج اللازم وتم انقاذ حياتهما.
وعندما خرجت السيارة التي كانت تقل القتلى.. وقفت باب ثكنة الرحاب حيث اعيد رفع جثتي الامير والملك, ووضعتا في سيارة جيب عسكرية ركب معها ضابطان.
أما سيارة البيك اب فقد توجهت بسرعة الى دائرة الطب العدلي في المستشفى المدني حيث ووريت جثث النساء في حفرة مقبرة قريبة.
كانت السيارة التي تقل جثتي الملك والامير.. تحاول ان تسير مسرعة وسط الزحام الشديد في الشارع, وحاول الضباط الا يعرف احد بان سيارتهم تقل جثتين, الا انه سرعان ما فطنت الحشود الهائلة التي راحت تركض وراء السيارة, وقد شهرت المسدسات والخناجر والهراوات, وكانت اعداد من الجنود قد وقفت على جوانب الطريق المكتظ, وهم يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجا.
في قصر الرحاب.. هجمت جموع المدنيين الى داخل القصر المحترق.. وباشرت عمليات السلب والنهب في سباق مع اللهيب والنيران الاكلة.. واستمرت عمليات النهب يومين متتاليين على مرأى ومسمع من الضباط الذين كانوا في الحراسة هناك.
تمت سرقة دار السيد عبد الجبار محمود زوج عمة فيصل بتسهيل من احد ضباط كتيبة الهاشمي من الحرس الملكي, وتم تهشيم وحرق سيارة الملازم اول ثامر خالد الحمدان التي كانت تقف امام باب القصر.. وشاهدت جموع الغوغاء جثة الطباخ التركي ملقاة في الحديقة فوضعت الحبال في رقبته.. وسحل الى الطريق العام, والقيت الجثة امام باب معسكر الوشاش حيث صبت عليها قوارير البترول من السيارات الواقفة جنب الطريق واشعلت فيها النار وتركت هناك.
كانت الجماهير خارج القصر قد هاجمت سيارة مدنية يركب بها شاب اجنبي وانهالوا عليه ضربا وهشموا وجهه ورأسه وهويبكي ويصرخ متوسلا.. انه لا ذنب له ولا يعرف عن الموضوع شيئا.
سارت السيارة التي تقل الجثتين, تتبعها الحشود التي اخذت تنشد اهازيج الحماسة الشعبية.. وحالما وصلت السيارة الى النقطة المواجهة لمبنى المحطة العالمية التف حولها اعداد اخرى من الناس والكل يريد ان يلقي نظرة على الاموات.
إزاء الضغط المخيف للحشود المتلاطمة من المسلحين المحيطين بالسيارة من كل جنب... قام احد الضباط برفع جثة الامير من قدمه.. وسلم القدم الى اقرب الموجودين اليه.. وسحبت الجثة من السيارة والقيت أرضا.
سقطت الجثة على ظهرها والدماء تلطخ القميص الابيض الذي كان يرتديه عبد الاله.. وسرعان ما انهالت عليها الركلات بالاقدام .. وتناثر رشاش البصاق من افواه المحيطين بها عليه.
انتهز الضابطان انشغال الغوغاء بجثة الامير .. فاطلقا العنان لسيارتهما التي تحمل جثة فيصل.. وعبروا بها شوارع بغداد دون ان يشعر بهم احد.... وتوجهوا الى وزارة الدفاع.. حيث امروا بالتوجه بها نحو مستشفى الرشيد العسكري.
في المستشفى نقلت الجثة الى احدى غرف العمليات... وسجي الجثمان على احدى طاولات العمليات..حيث قدم عدد من الضباط الاطباء وغيرهم.. ليلقوا نظرة على وجه فيصل, وفتح احد الاطباء جفني العين التي بدت جامدة لا حياة فيها... وسأله ضابطان برتبة نقيب وصلا لتوهما من وزارة الدفاع.. عما اذا كان الملك حيا ..ام ميتا...فاجابهم انهم ميت.
لم تستطع الممرضات الموجودات في الغرفة ان يغالبن دموعهن وهن يتطلعن الى وجه فيصل .. وقد خضبت الدماء محياه وشعر رأسه وتركن الغرفة الى الخارج وهن ينشجن.
في مساء اليوم نفسه حفرت حفرة قريبة من المستشفى في معسكر الرشيد.. وانزلت فيها الجثة واهيل عليها التراب.. ووضعت بعض العلامات الفارقة معها لتدل على مكانها فيما بعد.. واستمر التراب يغطي الجثة.. حتى تساوى مع الارض ودك بالاقدام.. ولم تعد ثمة علامة في الارض تدل على مكانها ولا يعرفها الا الضباط الذين دفنوا ورفعوا بها تقريرا رسميا الى المسؤولين في وزارة الدفاع.
أما جثة الأمير عبد الاله.. فسرعان ما انقضت الايادي على ملابسه وخلعتها.. حتى عري الجسد الذي بدا اصفر مائلا للبياض من كثرة ما نزف من دماء.
تصايحت الجماهير.. اجلبوا الحبال.. وبسرعة جلبت الحبال من الاكواخ المجاورة واللوريات الواقفة وربطت الجثة بحبلين واحد من الرقبة.. ومرر الاخر من تحت الابطين.. وامسك بطرفي الحبل بعض الشبان وباشروا المسير.. والجثة العارية تسحل من ورائهم على الأرض... وكلما تقدم موكب القتيل المسحول من قلب مدينة بغداد صادفتهم الجماهير الهائجة القادمة لتلقي نظرة او ضربة او طعنة في الميت.
ما أن وصلت الجثة الى قلب منطقة الكرخ وفي اكبر شوارعها الا وكانت حشود بغداد الرصافة تحاول ان تعبر جسر المأمون الذي غص بمن فيه, وكذلك الشارع واصبح من المتعذر المرور والسير فيه.
جلبت الحبال الغليظة.. وربطت بشرفة فندق الكرخ.. وبعد دقائق كانت جثة الامير ترتفع معلقة في الهواء. فصعد اليها حملة السكاكين والسواطير فبتر الذكر وفصلت الرجلان من الركبتين, وقطع الكفان من الرسغين, والقيت الى مجموعات من الفتيان والشبان الذين سرعان ما تلاقفوها..وانطلقوا مهرولين بالاجزاء المبتورة عبر الشوارع والازقة متجهين نحو الرصافة.. في صخب ولعب وضحك .. كأنهم في ساحة كرة القدم, وتقدم شاب في مقتبل العمر من الجثة المعلقة.. عرف فيما بعد انه ابن احد القواد العسكريين الذين اعدموا بعد حوادث 1941 وناولته الجماهير مسدسا ليطلق منه النار على الميت .. الا انه امتنع عن القيام بعمل كهذا.
بقيت الجثة معلقة في مكانها زهاء العشرين دقيقة..وتعالت الصرخات.. انزلوها ولنكمل سحلها في الشوارع, وانزلت الجثة.. وبوشر بالسحل ثانية, وعبروا بها جسر المأمون متجهين نحو شارع الرشيد الذي كان يغص بالناس وبالمتفرجين من الشرفات والنوافذ. وفي شارع الرشيد اصبحت الجثة هذفا للحجارة.. وبدت طلائع الموكب الوحشي المرعب وهي تسير على لحن نشيد الله اكبر.. الذي كان يملأ الاسماع من الراديوات المنتشرة في مقاهي واماكن الشارع.
كان الوجه قد تهشم تماما, وقد مر احد الحبال من بين الاسنان وشق الفم والوجنة اليمنى, وانكسر الفك وتدلى على جانب الوجه, وارتفع والوجنة الاعلى فبانت الاسنان البيضاء في الوجه المشقوق, وبدت العينان مفتوحتين وهما تنظران نظرة الميت الجامدة.. ولم يبق من ملامح عبد الاله الا الجبين الواسع وبعض الشعر الاسود الذي تعفر بتراب الشارع.
بالقرب من وزارة الدفاع.. كانت جمهرة الساحلين اربعة فتيان.. لا يتجاوز عمر الواحد منهم الخمسة عشر عاما, يبدو عليهم كأنهم تلاميذ مدرسة متوسطة, يتبعهم صبية صغار.. حفاة الاقدام.. قذرين الملابس.. كلما تعب واحد من السحل سلم الحبل لبديل من هؤلاء الاطفال والفتيان.
على مسافة أربعة أمتار من الجهة المسحولة.. كان يسير موكب غوغاء بغداد.. واوباشها, واغلقت النساء الشبابيك, وهن يبعدن اطفالهن عن التطلع على هذا المنظر الذي تجمد له الاطراف لهول بشاعته.
أخيرا وصل الموكب امام البوابة الخارجية لمبنى وزارة الدفاع, حيث وقف حشد كبير من الضباط والمراتب من مختلف وحدات بغداد لتقديم التهنئة والتأييد للثورة وللعقيد عبد اللطيف الدراجي الذي احتل وزارة الدفاع.
لم يتحرك أي من الضباط او الجنود من اماكنهم للتطلع على ذلك المنظر المقزز للميت المقطع الاوصال, بل لبثوا في اماكنهم, وقد ارتفعت ابصارهم وهم يحاولون النظر من بعيد.
ضلت الجثة الممزقة امام وزارة الدفاع حيث يوجد قبالتها مقهى كبير, والى جانب المقهى يقوم بناء قديم من طابقين.. وصعد احدهم متسلقا العمود الكهربائي المجاور للبناء, وعلق حبلا في شرفة الطابق الاول حيث وقفت في تلك الشرفة بعض النسوة والاطفال يتفرجن على الشارع, وادليت الحبال وربطت بها حبال الجثة .. وتصايح الواقفون.... ارفعوها..وبعد لحظات كانت الجثة ترتفع ثانية معلقة في الهواء وقد اندلقت امعاؤها, وتسلق عمود النور شابا يحمل سكينا بيده, وطعن الجثة بالظهر عدة طعنات.. ثم اعمل سكينة في الدبر وراح يقطع اللحم صاعدا الى فوق باتجاه الرأس, ومن الشارع جلبت عصا طويلة بيضاء, ادخلت في الجثة ودفعت بها دفعا, والضباط والمراتب ينظرون اليها دون ان يتحركوا من اماكنهم, رغم ان علامات امتعاض من هذه المناظر الوحشية كانت ترتسم على وجوههم جميعا.
كانت خاتمة المطاف لجثة الامير عبد الاله ان تناوب عليها الغوغاء والاوباش.. وطافت اجزاؤها معظم شوارع بغداد.. اما ما تبقى منها الى مساء ذلك اليوم... فقد صبت عليها صفائح البترول, ثم حملت البقايا المحترقة .. والقيت في نهر دجلة .. كما ابتلع نهر دجلة الاطراف التي كانت مبعثرة هنا وهناك في مساء وليل ذلك اليوم أيضا.
في صباح اليوم التالي.. كان قصر الرحاب ما يزال ينبعث من شرفاته ونوافذه دخان الحريق, وكانت عمليات نهب ما يحتوي تجري على قدم وساق.... تخرج منه اعداد كبيرة من الجنود والاهالي, وهم يحملون ما استطاعوا جمعه من متاع واثاث.
وهكذ فقد العراق حكما مسقرا وعادلا وديمقراطي لم نستطع أن نوفر مثله لغاية يومنا هذا...
أن ما حصل لا يبتعد كثيرا عن مؤامرة لعبت فيها بريطانيا العظمى أوسخ دورفيها, في مساعدتها أو في سكونها عن هكذا مؤامرة, ولابد سيأتي اليوم الذي تنكشف به كل الأمور السرية المحيطة بهذا الموضوع والذي بدأ به مسلسل تدمير وانحطاط العراق.
[[ كان الملك يثق ثقة مطلقة بالضباط، ولم يكن يشك بأي منهم ولم يكن يعتقد أن أحدا منهم سيناله بسوء. وأذكر هنا على سبيل المثال:
أن جلالة الملك حسين ملك الأردن طلب من الأسرة المالكة قبل ثورة تموز إرسال شخص معتمد لنقل معلومات مهمة حصل عليها بشأن تحركات الجيش، وفعلا ذهب رفيق عارف وجاء بالمعلومات، وقد كذب رفيق تلك المعلومات مما جعل الملك فيصل والأمير عبد الإله لا يهتمون بتلك المعلومات.وبعدها بأيام جاء بهجت العطية مدير الأمن العام إلى الديوان، وفي غرفتي قال لي إن هناك تكتلات في الجيش ولدي معلومات تفصيلية سأخبر الملك بها.
وبعد مقابلته للملك والأمير استدعى الملك رئيس أركان الجيش وأبلغه بما جاء به بهجت العطية من أنباء فأجاب بأن:
(هذه المعلومات مغلوطة وأن هذا العمل هو تجسس على الجيش من بهجت العطية (ارفضه رفضا قاطعا).
وبعد خروجه من حضرة الملك جاء عندي فقلت له:
أسمع عن وجود حركة في الجيش يخشى من عواقبها.
أجابني بالعامية:
"لا تدير بال، ترهات" وأتبعها بقهقهة."
• كان الملك معجبا بالتجارب الديمقراطية الغربية وخاصة دول شمال أوروبا ..وكان يقرأ الكثير عن التجارب البرلمانية ويبدي إعجابه بها، ويبدي طموحه لإقامة نظام مماثل في العراق.
• كان الملك يقرأ جميع الصحف العراقية، كما أنه لم يبين طيلة ممارسته لحقوقه الدستورية أية علاقة خاصة أو متميزة مع أي صحفي عراقي أو عربي أو أجنبي.
• كان الملك فيصل الثاني لا يحب أن يغتاب أحدا أبدا.
ملاحظة:
النقيب ستار اصبح من رجال الحكومة في زمن عبد السلام عارف وتم إرساله الى دورة في روسيا ومن ثم انتقل للعمل في البحرية في محافظة البصرة، ولكن القدر لم يدعه فكتب رسالة انتحار يوصي فيها بأهله وعياله من بعده موضحا خلال الوثيقة إن أهم شيء دفعه لعملية الانتحار هو تأنيب الضمير من جراء مقتل الملك وعائلته التي لا تفارق مخيلته.
الزعيم عبد الكريم : قتل ورمت جثته في نهر دجلة
المشير عبد السلام عارف : احترق في الطائرة ومثل ما قال العراقيون في وقته ( صعد لحم نزل فحم).
التعليقات (0)