جريمة بيئية بالقنيطرة
اغتيال الأشجار
عاينا في الأيام الأخيرة بمدينة القنيطرة، للأسف الشديد في ظل لامبالاة الجميع، اقتراف جريمة بيئية نكراء دون أن يحرك أحد سكينة ودون أدنى مسؤولية أو تأنيب ضمير.
إنها جريمة اغتيال عشرات و لربما مئات الأشجار باستئصالها من الجذور في أكثر من موقع بالمدينة. وهي جريمة بطلها القائمون على الشأن العام، سواء كانوا منتخبين أو إداريين أو سلطة محلية.
والغريب في الأمر أننا لم نعاين أي رد فعل أو صدور أي بيان ممن يتباهون بالدفاع عن البيئة بمدينة القنيطرة وما أكثرهم لغطاً وخطاباً، وأولئك يُلقّنونك الدروس الضخمة لأنك لم ترم القمامة بالمكان المخصص لها، لكن لا يهمهم اغتيال الشجر بالمدينة في هذه الأيام بشكل سافر.
إن أقل ما يمكن القول في حق الجريمة البيئية أنها مخالفة على طول الخط للمعايير البيئية والصحية. والأسوأ طول في هذه النازلة أنه لم يتم تقليم أو "زبر" الأشجار الضحية التي يفوق عمرها جيلين أو ثلاثة، وإنما تم اجتثاتها واستئصال جذورها بقرار انفرادي دون أخد رأي السكان الذين تعايشوا مع هذه الأشجار المغتالة منذ قيام مدينة القنيطرة.
والحالة هاته، هل تمت استشارة الإدارات ذات الإختصاص، وضمنها وزارة الفلاحة وإدارة المياه والغابات بهذا الخصوص؟ وهل هذه الأخيرة وافقت على اقتراف هذه الجريمة البيئية التي يندد بها السكان بحزن شديد لكن في صمت دون العمل على تغيير هذا المنكر؟ أم أن ذريعة الحصول على دريهمات معدودة تُضخ في الميزانية المحلية، وقد يعرف جزءاً منها طريقه إلى جيوب خاصة، أهم من الحفاظ على البيئة؟
إن هذه الجريمة البيئية تذكرنا بالجرائم الإجتماعية والإقتصادية التي نالت من القنيطرة وساكنتها نذكر منها جريمة إحداث ملعب للكولف من طرف الوزير المخلوع إدريس البصري، وتحويل حديقة عمومية إلى فندق القطاع الخاص، وتحويل الكنيسة إلى مؤسسة مالية عوض إيواء مصلحة اجتماعية أو ثقافية وكارثة "الخبازات" وغيرها...
يبدو الآن أن على المجتمع المدني أن تصبح له أسنان قوية في التصدي ومواجهة مقترفي الجرائم البيئية والإجتماعية والإقتصادية والملوثين ليتمكن من أداء دوره في مجال الحفاظ على البيئة. علما أن بلادنا مازالت أمامها الكثير لإكتساب الخبرة لترسيخ الوعي الإيكولوجي على أرض الواقع المعيش يومياً عبر توفير الآليات الموالية والفعالة لتطبيق مقتضيات روح وفحوى هذا الوعي من خلال إعداد قوى بشرية مهيئة تُرسخه.
يبدو أن الوقت قد حان للتفكير في التنفيذ المدني والجنائي لزجر الجريمة البيئية واعتماد عقوبات من أجل ضمان الإمتثال لحماية البيئة وإرضاخ مقترفي الجرائم البيئية والملوثين للإمتثال للقوانين البيئية.
إنها ليست هي المرة الأولى التي تعاين فيها مدينة القنيطرة جريمة بيئية بشعة، فهناك الكثير ممّا تم اقترافه وممّا لا زال يتم اقترافه إلى حدّ اليوم في صمت مطبق. ولعل أخطر هذه الجرائم البيئية الجارية المفعول، النيل من الفرشة المائية دون اكثرات أحد، وهي جريمة بيئية من العيار الثقيل.
من بين الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا السكوت على جريمة اغتيال الأشجار ومثيلاتها من الجرائم البيئية، إن إشكاليتنا الكبرى الحالية هي إشكالية مواطن مسؤول، لأن المواطن غالباً ما يكون جزء من المشكلة، سبباً لها أو ضحيتها، وهو في كل الأحوال الأكثر تعايشاً معها بوصفها مشكلة تخصه أوّلا قبل غيره. ووفق هذه الرؤية يمكن فهم سرّ مراوحة أغلب مشاكلنا ومعضلاتنا مكانها، بل استفحالها. فالحل دائماً يبدأ من المواطن لينتهي عنده، وبالتالي تظل معضلتنا معضلة مواطن مسؤول يتوفر على القدرة والإفصاح عن رد الفعل في وقته وليس اعتماد دور المتفرج أو غير المعني بالأمر.
إن تداعيات جريمة اغتيال الأشجار بمدينة القنيطرة والمقترفة في ظل صمت مطبق لمختلف الجهات المعنية تذكرني بما سبق أن تطرق له أحد أبناء المدينة، الدكتور عبدالرحيم المودن، الذي قال إن البناء والمعمار بعاصمة الغرب –مدينة القنيطرة- يدعو إلى الموت أكثر مما يدعو إلى الحياة، إلى اليأس عوض الأمل، إلى الخوف بدل الإطمئنان، إلى الصخب عوض الهدوء وفي نهاية المطاف يكرس القبح تكريساً عوض الجمال، إنه بكلمة واحدة لا يوفّر الحد الأدنى لشروط معمار إنساني، وهذا ما تجسده بامتياز اليوم، جريمة اغتيال الأشجار بالقنيطرة.
وهناك أخبار افيد أن هذه الجريمة ستطال عمّا قريب كل الأشجار المحيطة بمقبرة سيدي البخاري، وهذه جريمة أدهى وأمر. فهل ستتحرك الأوساط البيئية بمدينة القنيطرة لوقف هذه الجرائم والمطالبة بمحاسبة من سوّلت لهم أنفسهم اقترافها؟ ألم يحن الوقت بعد للتنديد القوي والمستمر بجرائم اغتيال "الفضاء" بالقنيطرة عبر وقفات احتجاجية بمسرح الجرائم أو بالأماكن الأخرى المهددة أو أمام مكاتب المتهمين باقترافها مع سبق الإصرار والترصد؟
إن جريمة اغتيال الأشجار بالقنيطرة تُقترف في وقت ارتفعت فيه أصوات قائلة إنه لا مندوحة عن البحث عن السبل الناجعة لحماية البيئة والإنسان، لأن البيئة عندنا متضررة وسائرة في التضرر. هذا سيما وأنه اليوم أضحى الأمن البيئي يشكل ركناً أساسياً من أركان ضمان شروط استمرار الحياة وبات التدهور البيئي هماًّ حاضراً رغماً عن أنفسنا ويستدعي الإهتمام بأمور البيئة والتوازنات البيئية. إن إدارة البيئة وتدبير شؤونها ليس ترفاً وإنما أصبح اليوم ضرورة بل حتمية أكثر من أي وقت مضى، إنه شرط حيوي للبقاء. فلن نضيف جديداً بالقول إننا جميعاً لا زلنا مطالبين، بإلحاح غير مسبوق، بالنظر بجد وجدية ومسؤولية إلى إشكالية البيئة لأن حياة الأجيال القادمة مرهون بالحفاظ على التوازنات البيئية.
عموماً إن الوعي الإيكولوجي أضحى اليوم يمثل أعلى درجة وعي المرء الراغب في الحفظ على استمرار الحياة في عصرنا الحالي، وبالتالي فلا وعي اليوم أصلاً دون وعي إيكولوجي.
مرزوق الحلالي
فضاء الحوار
التعليقات (0)