مواضيع اليوم

جريمة الإفطار جهرا في رمضان (ح3)

حسن محمد لمعنقش

2010-09-19 06:05:21

0

الإفطار في رمضان قديما
_______

I- حركات واتجاهات:

أ- حركة الردة:
الإسلام – بشريعته كلها لاينقص منها شيء – هو الدين الحق، وذلك لايماري فيه مسلم حق . ورفض شريعته حاكمة وسائدة هو الباطل، وذلك لايجادل فيه إلا من أشرب قلبه الكفر أو النفاق .
وإن الأخذ ببعض الشرع وترك بعضه الآخر :
هو تقليد ليهود دأبوا عليه، ولذلك يخاطبهم الله سبحانه فيقول : (أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فماجزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون ) (البقرة: 84).
وهو عمل المشركين استهزاء بدين الله وكتابه : (وقل اني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ) (الحجر: 89-90-91).
أما المنهج النبوي، فهو منهج الأخذ بكل الشرع لابجزء منه، وهو منهج "التلقي للتنفيذ" لا منهج "التفاوض" للتنازل عن المبدإ :
ذكر رواة السيرة أن وفد ثقيف لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أفراده، فقال رأسهم يومئذ كنانة بن عبدياليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : [ هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا ؟ قال: "نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم، وإلا فلا قضية، ولاصلح بيني وبينكم " . قال : أفرأيت الزنا، فإنا قوم نغترب، ولابد لنا منه ؟ قال : "هو عليكم حرام، فإن الله عز وجل يقول: (ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) (الإسراء : 32)" . قالوا : أفرأيت الربا، فإنه أموالنا كلها ؟ قال : "لكم رؤوس أموالكم، إن الله تعالى يقول : (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مومنين ) (البقرة: 277)". قالوا : أفرأيت الخمر، فإنه عصير أرضنا لابد لنا منها ؟ قال: "إن الله قد حرمها "، وقرأ : (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ( المائدة: 92) ](1).
هذا المنهج النبوي تلقاه – في مدرسة النبوة – الصحابي الجليل أبوبكر الصديق رضي الله عنه . أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبوبكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله، فمن قال لاإله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله "؟ فقال أبوبكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال . والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه . فقال عمر بن الخطاب : فوالله ماهو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق (2).
يمدنا هذا الحديث بأول حركة نكصت عن الإسلام، لما ارتد الكثيرون عن دين الله . يذكر القاضي عياض رحمه الله أصناف المرتدين فيقول :
" كان أهل الردة ثلاثة أصناف : صنف كفر بعد إسلامه ولم يلتزم شيئا وعاد لجاهليته، أو اتبع مسيلمة والعنسي وصدق بهما ، وصنف أقر بالإسلام إلا الزكاة فجحدها وأقر بالإيمان والصلاة ، وتأول بعضهم أن ذلك كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله : (خذ من اموالهم صدقة ... ) (التوبة :104)، وصنف اعترف بوجوبها ولكن امتنع من دفعها إلى أبي بكر وقال : إنما كان قبضها للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا لغيره ممن يقوم مقامه بعده، وفرقوا صدقاتهم بأيديهم، فرأى أبوبكر والصحابة – رضي الله
عنهم – قتال جميعهم : الصنفان الأولان لكفرهم، إذ كانوا الأكثر، حتى لم يكن صُلي لله إلا في المدينة ومكة وجُواثا " (3).
إذن كانت أول محاولة لترك الصيام، بالإضافة إلى باقي الدين، من ذلك الصنف الذي " كفر بعد إسلامه ولم يلتزم شيئا وعاد لجاهليته" على حد تعبير القاضي رحمه الله .
ويُذكَر عن طليحة بن خويلد الأسدي أنه ارتد زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه نبي يوحى إليه. " قال خالد بن الوليد لبعض أصحاب طليحة ممن أسلم وحسُن إسلامه : " أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من الوحي ". فقال : " إنه كان يقول : والحمام واليمام، والصرد الصوام (4)، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام " (5).
فما الذي يقصده طليحة بقوله :" قد صمن قبلكم بأعوام" ؟ هل هو نهي منه عن الصوم ؟ أم أمر بالصوم اقتداءً بمن سبق من طيور ؟
ويذكر المؤرخون أيضا أن سجاح التميمية ارتدت وادعت النبوة، وقصدت اليمامة لمحاربة مسيلمة ، فهابها على قومه " فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت...وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه وقومها، فركب في أربعين من قومه وجاء إليها، فاجتمعا في خيمة . فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض وقبلت ذلك، قال مسيلمة : سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع، ولايزال أمره في كل ما سر نفسه مجتمع، رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشة أخلاكم، ويوم دينه أنجاكم، فأحياكم علينا من صلوات معشر ٍ أبرار، لاأشقياء ولافجار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربكم الكبّار، رب الغيوم والأمطار . وقال أيضا : لما رأيت وجوههم حسُنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفُلت، قلت لهم : لاالنساء تأتون، ولاالخمر تشربون، ولكنكم معشرٌ أبرار تصومون، فسبحان الله إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء كيف ترقون . فلو أنها حبة خردلة ٍ لقام عليها شهيد ٌ يعلم ما في الصدور، ولأ َكثرَ الناسُ فيها الثبور " (6).
وقد تزوجها، وبعد ثلاثة أيام عادت إلى قومها " فقالوا : ما أصدقك ؟ فقالت : لم يصدقني شيئا . فقالوا : إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق . فبعثت إليه تسأله صداقها ، فقال : أرسلي إلي مؤذنك . فبعثته إليهن وهو شَبَث ُ بن ربعي، فقال : ناد في قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد – يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة – وقيل : بل قال لهم : إني وضعت عنكم ما أتاكم به محمد من الصلوات، وابحت فروج المومنات، وشرب الخمر في الكاسات . فكان هذا صداقها عليه " (7).
ومن تناقضات مسيلمة الكذاب أنه مدح قوم سجاح بأنهم " يقومون الليل ويصومون النهار"، وأنهم " لاالنساء يأتون، ولاالخمر يشربون ..."، لكن ما اعتبره مدحا أسقطه في صداق سجاح، فوضع عنهم الصلوات، وأباح لهم أن يأتوا النساء وأن يشربوا الخمر ...
ولم تذكر لنا الأخبار حول حركة الردة أي شيء عن موقف المرتدين- من غير الرافضين للزكاة – من الصوم غير ما مر . لكن ماداموا " كفروا بعد إسلامهم ولم يلتزموا شيئا وعادوا لجاهليتهم، أو اتبعوا مسيلمة والعنسي وصدقوا بهما"، فمعنى ذلك أنهم تركوا الصيام كذلك .

الهوامش :
1- ابن القيم رحمه الله، مرجع سبق، ص 255.
2- أخرجه في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لاإله إلا الله محمد رسول الله... حديث 20. وأخرجه البخاري في استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة، حديث 6924 و 6925.
3- القاضي عياض رحمه الله، إكمال المعلم، 1/243-244. وجُواثا حصن في البحرين.
4- الصرد : طائر أبقع ضخم المنقار، يصطاد الطيور الصغيرة . قال القرطبي : " قيل : إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت، وهو أول من صام، ولذلك يقال للصرد الصوام " (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 13/119)، و"كانت العرب تتشاءم به فيقتلونه " (التبيان للأقفهسي، ص 125).
5- البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله، 9/454.
6- نفسه، 9/458 - 459.
7- نفسه، 9/460 - 461.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !