- نشرت ترجمة كاملة لكتاب فضائحي صدر في باريس عن شيوخ قطر كشف فيه المؤلفان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في ما يتداول في كواليس الدبلوماسيات الغربية والعربية ومفاده أن أمير قطر بات مهووسا بسورية ويعتبر الأمر معركة شخصية حيث يعلم أن بقاء القيادة السورية يعني أنه سيدفع الثمن ولذلك يوظف كل طاقته بغية تغيير النظام في سورية
وقال الإعلامي اللبناني سامي كليب في مقال له عن الكتاب:إن الكتاب ينقل عن أحد أبناء عمومة أمير قطر ودبلوماسي أوروبي في الدوحة تأكيدهما أنه "إذا طال عمر الأزمة في سورية فقد يهتز التوازن الداخلي في الدوحة ذلك أن ثمة صراعا يدور بين رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي يهندس الإستراتيجية القطرية في سورية وولي العهد تميم بن حمد آل ثاني الذي يعمل بطريقة مختلفة حول هذا الملف.
وفي السياق ذاته أكد دبلوماسي فرنسي آخر التقاه المؤلفان أن السلطة في قطر لا تخطط للمدى الطويل بالأزمة في سورية وإنما تعمل للمدى القصير وهو ما يشكل نقطة ضعفها. ولفت كليب إلى أن الكتاب الفرنسي الصادر عن دار ميشال لافون يقدم شهادات ومعلومات كثيرة لمن يريد أن يفهم التركيبة الداخلية القطرية ولكن أيضا آلية الإستراتيجية القطرية ووسائلها وأهدافها حيال قضايا عربية ملتهبة وخصوصا في ملفي ليبيا وسورية.
ومن المعلومات حول سورية مثلا يروي الكاتبان أنه منذ صيف العام الماضي قررت قطر تسليح المعارضة السورية على الأرض وهكذا فإن وحدات من القوات الخاصة القطرية انتشرت عند الحدود التركية والأردنية مع سورية لكن محاولاتها المتكررة سابقا للدخول إلى سورية لم تنجح. وأضاف الكاتبان: إن الوضع تغير منذ أيلول الماضي حيث كشف مسؤولو الأمم المتحدة في سورية أن قوات خاصة قطرية وصلت إلى الداخل وهو ما أكده أيضا عضو من العائلة القطرية الحاكمة
واستنادا إلى معلومات دبلوماسية فرنسية فإن الكاتبين يؤكدان أنه منذ الصيف الماضي دخل القطريون في غرفة الحرب التي أنشئت في أضنة التركية وذلك بدعم سعودي الأمر الذي سمح للأتراك بالإشراف على تدفق الأسلحة الخفيفة وخصوصا بنادق الكلاشنيكوف وبعض القاذفات المضادة للدروع والدبابات وراح المسلحون يشترون هذه الأسلحة من السوق السوداء بفضل أموال المبعوثين السعوديين واللبنانيين والقطريين.
ولفت الكاتبان إلى أنه منذ آب الماضي بدأ الخلاف يدب بين القطريين والسعوديين فالإخوان المسلمون المدعومون من قطر وتركيا أرادوا الإشراف على شبكات وصول السلاح إلى المسلحين بغية تعزيز سيطرتهم على الأرض ما أغضب السعوديين الأمر الذي فرق بين المقاتلين على الأرض وراح كل طرف يقاتل بعيدا عن الآخر الإخوان المدعومون من قطر في جهة والسلفيون الذين تدعمهم السعودية في جهة ثانية.
وكشف الكتاب عن سعي قطر للحصول على السلاح من الشركاء الغربيين ففي الخريف الماضي حين التقى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رئيس الوزراء القطري أكد هولاند لضيفه الاستمرار بالعمليات السرية المشتركة التي تقوم بها القوات الفرنسية والقطرية لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية كما أكد الكاتبان أن الجامعة العربية تدار اليوم من قبل قطر.وأشار كليب إلى أنه في الكتاب معلومات مهمة أيضا حول مساهمة قطر في إسقاط العقيد الليبي معمر القذافي وكلام عن الأسلحة والتمويل والقوافل العسكرية التي كانت تمر بالسودان ويشرح الكاتبان وسائل السياسة القطرية من مال وإعلام ونفط وعلاقات دبلوماسية وشراء نواد رياضية.
وختم كليب مقالته بأنه لا شك بأن الكتاب وثيقة مهمة لمعرفة التركيبة السياسية الداخلية في قطر وما جرى في خلال العامين الماضيين حيث تحولت قطر من "دولة صديقة للجميع إلى دولة في حال الحرب" أو صارت "قزما بشهية وحش". وتأتي هذه التأكيدات الإعلامية كدليل دامغ على أن قطر وبعض دول الخليج تقود بالإضافة إلى تركيا محورا معاديا لسورية على مدى العامين الماضيين هدفه إسقاط دور الدولة السورية في المنطقة وتدمير البنى التحتية للاقتصاد ونشر الدمار والخراب وإغراق سورية بدماء أبنائها خدمة لمخططات صهيوأمريكية قديمة تستهدف بعض دول المنطقة.
حمد بن جاسم هو أحد أخطر اللاعبين فى قطر، الرجل الذى يمسك فى يده بكل خيوط السياسة والبيزنس والتمويل، فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه. أو هكذا كنا نظن!هو الشيخ حمد بن جاسم آل ثانى، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى، نعرفه كمصريين منذ أن عرفنا قناة الجزيرة التى كانت تنقل تصريحاته المستفزة عن مصر، وصفقاته الأكثر استفزازا مع إسرائيل، قبل أن نراه بـ«نيولوك» بعد حكم الإخوان، يحتل شاشات التليفزيون الرسمية، «واهبا» المنح والقروض القطرية، «حليفا ومنقذا» لمصر ولاقتصادها ولحكامها من الانهيار.
كيف تحول حمد بن جاسم إلى بطل؟ من المسئول عن هذا الوهم؟ إن قراءة الكتاب الفرنسى المثير «قطر.. خزينة الأسرار»، الذى صدر مؤخرا ليحتل رأس قائمة أكثر الكتب مبيعا فى أوروبا، تكفى لكشف الوجه الآخر لحمد بن جاسم: صفقاته وعمولاته التى تحوم حولها علامات استفهام ليس لها عدد. صراعاته الداخلية العنيفة مع ولى العهد، الأمير تميم، الذى ينتزع منه أهم الملفات التى كان يتحكم بها، واستهانة رجال الأعمال والسياسيين الغربيين به على الرغم من كل محاولاته لفرض نفسه عليهم؛ فهم على الأقل لم يصابوا بالعمى الذى أصابنا مؤخرا، وجعل بعضنا يرى كل من يحمل حقائب الدولارات الخضراء ملاكا بـ«دشداشة» بيضاء.
ربما كان حمد بن جاسم سياسياً قوياً، لكنه ليس الأقوى فى قطر، ربما كان ثريا، لكن ثراءه الآن يخضع لرقابة أجهزة مكافحة الفساد فى الدوحة. تلك هى الأسرار التى لا يريد دراويش قطر أن يعرفها أحد، وإن كان كتابنا الفرنسى لا يتردد فى كشفها رغم أنف الجميع.
يصفه أحد الأجانب الذين تعاملوا معه عن قرب لمدة ثلاثين سنة بأنه: «القوة الضاربة، والذراع المسلحة للأمير القطرى. لا ينام سوى أربع أو خمس ساعات ليلاً، والأمير حمد لا يملك طاقته على العمل. وهو وهابى محافظ، لا يراه الناس أبداً مع زوجاته فى العلن، وظل لفترة طويلة يملك وحده الحق فى أن يكون مكتبه ملاصقاً لمكتب الأمير حمد فى قصر الديوان الأميرى». آخر عمولاته: 400 مليون دولار فى صفقة شراء «هارودز» من الفايد، و200 مليون دولار لجسر لم يرَ النور بين قطر والبحرين.
تولى حمد بن جاسم منصب رئيس الوزراء فى 2007، وظل محتفظاً بمنصب وزير الخارجية معه. ويقول أحد أقاربه لمؤلفى الكتاب: «إنه هو من يمسك بالاتصالات والعلاقات الدولية القطرية كلها فى قبضته، ويدرك الأمير حمد أنه قادر على الاعتماد تماماً عليه، فالشيخ حمد بن جاسم يمتلك موهبة خرافية فى التفاوض، وقدرة بارعة على توصيل الرسالة المطلوبة بالضبط كما يريد». ويصف الكتاب الشيخ حمد بن جاسم بأنه: «رجل أعمال محنك، لا بد أن تكون له صلة من قريب أو من بعيد بكل الشراكات والصفقات المالية والتجارية التى عقدتها قطر فى السنوات العشرين الأخيرة. كما أن قائمة ممتلكاته وثرواته تثير الإعجاب: فهو يرأس شركة الخطوط الجوية القطرية، وبنك قطر الدولى، ونائب رئيس هيئة الاستثمارات القطرية، ومؤسسة قطر القابضة، ذراعها المسئولة عن شراء العقارات فى الخارج. وهو يملك أيضاً فندقى الفور سيزون وويست باى فى الدوحة، وفندقى راديسون وتشرشل فى لندن.
أما عن رجال حمد بن جاسم، ومندوبيه فى إتمام الصفقات، فيذكرهم الكتاب بالتفصيل: «فى عديد من المفاوضات والصفقات التجارية والصناعية، تكون عائلة الفردان الشيعية الكبيرة فى قطر هى ممثلة حمد بن جاسم، خاصة كبيرها حسين الفردان، مصحوباً بأولاده على وفهد وعمر. أما «مديرو» صفقاته، الذين يتولون مهمة ترتيب تفاصيلها، فأبرزهم الشيخ محمد العقر، أحد أعضاء مجلس إدارة بنك قطر الدولى، ووزير الطاقة الشيخ غانم بن سعد السعد، الذى يقوم بدور جندى الاستطلاع فى مفاوضات حمد بن جاسم مع المؤسسات الأجنبية، وكان هو الرجل الذى أرسله لجس النبض فى صفقة شراء فندق كارلتون فى مدينة كان الفرنسية.
وأورد الكتاب الفرنسى واقعة غريبة عن التعامل المالى للشيخ حمد بن جاسم، يقول: «لقد انتبه حمد بن جاسم مبكراً لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شىء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب. ومنذ فترة طويلة، قبل أن ينقلب أمير قطر الحالى على والده الأمير خليفة فى أوائل التسعينات، جاء اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين لزيارة خليفة، الأمير القطرى السابق فى منزله بمدينة كان الفرنسية، سعياً لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما فى قطر
ويواصل: «هنا، سأل الأمير خليفة، الذى لم يكن مهتماً بالبزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم عما ينبغى قوله لرجلى الأعمال، فرد عليه ابن جاسم: قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معى أنا! ووصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى فيلا الريان، مقر إقامة الأمير خليفة، وبعد دقائق من المناقشة، قال الأمير: إن حمد بن جاسم هو الذى يهتم بشئون الأعمال الخاصة بنا، سأترككم معه الآن. ونهض ابن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس فى أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلى الأعمال الفرنسيين قال: أنا أشعر بحرج بالغ لأننى مضطر إلى أن أقول هذا، لكن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة! هو لن يقول لكما هذا، أنا فى غاية الحرج.
ويؤكد مؤلفا الكتاب أنهما حصلا على هذه القصة من أحد قيادات شركة الأعمال التى كانت تتفاوض على توسيع أعمالها فى قطر، وأكد القصة لهما مصدر آخر من قلب العائلة الحاكمة، وواصلا: «كانت تلك غالباً هى الـ20 مليون دولار الأولى التى وضع حمد بن جاسم يده عليها من الشركات الفرنسية التى تعمل فى قطر. وإن كان من غير المؤكد أن الأمير خليفة قد رأى هذه الأموال أصلاً». طلب 20 مليون دولار من الفرنسيين من وراء الأمير السابق خليفة، وقال عنها: «إنها مصاريف الأمير»! ويتابع: «ابن جاسم مثله مثل الشيخة موزة، عدوته اللدودة، يعتبره البعض مبالغاً فى ظهوره، بينما أمير قطر نفسه يقول صراحة إن حمد بن جاسم هو أغنى رجل فى قطر، إلا أن كل هذا النشاط كان سبباً فى إثارة الكثيرين ضده، لم تكن صدفة مثلاً أن عائلة (العطية)، التى يعتبر أفرادها من رفاق درب أمير قطر، شكلت مركزاً لمكافحة الفساد فى قطر منذ بضعة أعوام. ظاهرياً، قيل إن هذا المركز يستهدف مكافحة هذا (الشر) الذى يلتهم الإدارة، إلا أنه فى واقع الأمر كان سيفاً مصلتاً على رأس حمد بن جاسم على وجه التحديد.
ويواصل: «وبدأ الضجيج بالفعل، ففى قلب العائلة المالكة القطرية لا أحد يجهل أن حمد بن جاسم تلقى ما بين 200 إلى 400 مليون دولار فى صورة عمولات، بعد إتمام صفقة شراء محلات هارودز الشهيرة فى لندن، التى كان يملكها الملياردير المصرى محمد الفايد، وفى فرنسا تلقى حمد عمولة قدرها 200 مليون دولار من شركة مقاولات بهدف بناء جسر بين قطر والبحرين، وهو جسر لن يرى النور فى القريب غالباً. واللائحة تمتد لتشمل أكثر من ذلك بكثير».«وتتردد قصة بأن حمد بن جاسم، الذى ورث عن أبيه أراضى شاسعة، كان الوحيد من بين عائلة آل ثانى الذى قال له والده: اذهب لإتمام دراستك فى الولايات المتحدة، لكنى لن أنفق عليك مليماً، عليك أنت أن تتصرف حتى لو قمت بغسيل السيارات»! ويتابع الكتاب: «أما ابن حمد، جاسم، فهو وسيطه عادة فى الشئون الخاصة، يقول عنه أحد رجال الأعمال الفرنسيين إنه يرسله كثيراً فى طليعة كتيبة المفاوضين على عقد ما سيتم توقيعه بين الشركات، ربما لأنه ورث عن أبيه سرعته التى تقترب من سرعة البرق فى إنجاز وعقد الصفقات، وهى المزايا التى جعلت حمد بن جاسم دائماً موجوداً وظاهراً فى قطر، كما لو أن الأمير حمد غير قادر على الاستغناء عنه.
ويذكر الكتاب مثلاً تلك الواقعة التى جرت بين أمير قطر وعدد من ملوك وأمراء دول الخليج، وتدخل فيها الأمير لحماية حمد بن جاسم، يقول: «فى أحد اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجى بسلطنة عمان، تحدث حمد بن جاسم بلهجة لم تعجب الكبار فى المجلس، فقالوا صراحة لأمير قطر: نحن نريد أن نعاقبه، أو ألا نراه بيننا مجدداً. إلا أن الأمير تدخل لصالح وزيره قائلاً: عفواً، لن أقبل المساس بحمد، أنا من سيحدد ما سأفعله فى هذا الموضوع. وهو ما جعل البعض يرى أن أقصى عقاب يمكن أن يفرضه الأمير على حمد بن جاسم، هو أن ينتزع منه منصب رئيس الوزراء، ويترك له منصب وزير الخارجية الذى أثبت فيه أنه أكثر نفعاً». ويواصل: «ويرى البعض أن هناك سبباً لعدم المساس بحمد بن جاسم، هو أنه يمسك بين يديه بكل أسرار تمويل الصفقات التى تعقدها قطر فى الخارج، وظل يتحكم فيها لوقت طويل». لكن، تظل هناك تلك الصراعات القاسية التى يمكن أن تغير مسار حمد بن جاسم، خاصة صراعه مع الشيخة موزة، وابنها ولى العهد تميم، الذى عهد إليه والده بملفات صفقات التسليح التى ظلت فى يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يدخله إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر. وكانت الحرب على ليبيا هى التى شهدت تزايد دور الأمير تميم فى مجال العلاقات الخارجية لقطر
يقول الكتاب الفرنسى: «إن أمير قطر صار يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التى كانت فى الأساس مهمة رئيس الوزراء. وخلال الحرب ضد نظام القذافى فى ليبيا، كان الأمير تميم هو المسئول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التى لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم فى الإطاحة بالقذافى». وكان نجاح تميم فى إدارة الملف الليبى سبباً فى أن يعتمد عليه والده من جديد فى تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذى أشعل الصراع بين حمد بن جاسم وعزمى بشارة، رجل تميم فى الملف السورى، على حد وصف الكتاب.
تقول إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التى أرسلتها السفارة الفرنسية فى الدوحة وفقاً للكتاب، إنه «فى أزمة سوريا سعت قطر لحشد التأييد الدولى لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل والسبل؛ حشد الفنانين، تقديم الدعم المالى والسياسى للمجلس الوطنى السورى، تحريك رجال الأعمال السوريين. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدوحة عاصمة المعارضة السورية التى يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها». وتواصل البرقية: «وكما حدث فى ليبيا، فإن رجلاً واحداً لعب دوراً محورياً فى هذا التحرك، هذا الرجل هو عزمى بشارة، نائب الكنيست الإسرائيلى السابق من عرب إسرائيل، والرجل الذى تم نفيه من إسرائيل بسبب صلاته بحزب الله، واستضافته الدوحة بعدها لكى يدير أحد مراكز الأبحاث فيها. إن عزمى بشارة، المقرب من الأمير تميم، منخرط مع المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، لكنه اضطر لاحقاً إلى أن يتراجع أمام رئيس الوزراء حمد بن جاسم، الذى انتزع ملف الأزمة السورية وأحكم قبضته عليه.
ووفقاً للكتاب، فإن الصراع الذى يجرى على أرض سوريا ستنعكس آثاره حتماً على الصراع الدائر فى قلب العائلة المالكة القطرية بين حمد بن جاسم والأمير تميم بن حمد، خاصة فى حالة فشل ابن جاسم فى وضع حد للأزمة، يقول المؤلفان: «إن الوضع فى سوريا شديد التعقيد بالنسبة لقطر، خاصة فى ظل وجود دول أخرى لها مصلحة فى الانتقام؛ فالعراقيون مثلاً يقولون إنهم يملكون دلائل على أن القطريين يقومون بتمويل الإرهابيين فى جماعة جبهة النصرة، وهى الامتداد السورى لتنظيم القاعدة فى العراق. مثل هذا الكلام هو أساس الانتقادات المبطنة التى يوجهها الأمير تميم، الأكثر حذراً، لطريقة التعامل مع الملف السورى، إلا أنه فى نهاية الأمر لا يملك ذلك الملف تحت يده». ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين فى الدوحة: «إن التوازنات الداخلية فى قطر ستهتز لو ازداد تعقد الأزمة السورية، وتعذر الوصول إلى حل للصراع فيها. وستزداد حتماً حدة المعركة المكتومة الدائرة بين حمد بن جاسم، الذى يتحرك فى الملف السورى، وبين ولى العهد، الذى يملك وجهة نظر مختلفة فى إدارة هذا الملف.
وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية التى أرسلتها السفارة الفرنسية فى الدوحة: «إن القطريين يتحركون على أساس قرارات يتخذها بضعة رجال من وحى اللحظة، أو يتخذها الأمير منفرداً. لا يبدو أن السلطة فى قطر عندها تخطيط على المدى الطويل، ولكنها تتحرك وفقاً لما يقتضيه الموقف لحظتها، وهذا ما يمثل نقطة ضعفها الأساسية». سقوط «بشار» يحسم المعركة بين «ابن جاسم» و«تميم» الذى ينتقد التعامل القطرى مع سوريا ويواصل الكتاب: «إن مجال الدبلوماسية، الذى يتحرك فيه حمد بن جاسم منذ عشرين عاماً ويمثل قلب تحركاته كلها، هو المجال الذى تفجرت فيه كل طاقاته، ليضع نفسه بوضوح فى قلب المجتمع الدولى. وفى اجتماع لمجلس الأمن، أرادت فيه قطر أن تفرض عقوبات على سوريا، أصر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف على الاعتراض بحق الفيتو على أى مشروع قرار فى هذا الصدد، فسأله حمد بن جاسم: كم تريد مقابل رفع اعتراضكم بحق الفيتو؟ فرد عليه لافروف: إياك أن تتخيل أنكم قادرون على شراء كل شىء بالمال. وتعجب الحاضرون من هذا النقاش الذى يتم فى غير محله، وتوترت العلاقات بين روسيا وقطر منذ ذلك الوقت.
ويروى أحد الدبلوماسيين المغاربة، فى مقابلة مع مؤلفى الكتاب يوم 12 ديسمبر 2012، عن واقعة حدثت فى قلب جامعة الدول العربية فى المغرب، وجه خلالها حمد بن جاسم تهديداً صريحاً لوزير الخارجية الجزائرى مراد المدليسى، الذى كان رافضاً بشدة تبنى موقف معارض للنظام السورى بالطريقة التى تريدها قطر، فصاح فيه حمد بن جاسم: اسكت أنت، دورك سيأتى! ثم استدار للحاضرين الذين صمتوا مبهوتين قائلاً: على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعونى، لأن الأمريكان ورائى أنا».لكن، ربما كانت نظرة الأمريكان أنفسهم لحمد بن جاسم تختلف، يقول الكتاب: «إن حمد بن جاسم يضغط منذ زمن طويل على أعصاب نظرائه، فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله فى لبنان عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء يختتم اجتماع فى نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكن كوندوليزا رايس هتفت: كلا أرجوكم، لا أريد حمد بن جاسم تحديداً، سيستمر فى استعراضه! ولم يبذل أى من الوزراء العرب أدنى جهد لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغداء.
ويواصل الكتاب: «لا يوجد بلد واحد فى العالم يسمح لرئيس وزرائه ولا لوزير خارجيته بإهانة أحد نظرائه، وحده حمد بن جاسم يجرؤ على ذلك، لأنه يتصرف كأنه أمير ثانٍ. ووصلت به الجرأة يوماً ما إلى أن يدس ميكروفوناً تحت السجادة خلال مناقشة جرت بينه وبين ملك السعودية الراحل الملك فهد!».ويواصل: «إن حمد بن جاسم، مثل قطر، يمتلك شهية الغيلان.. نجح مؤخراً فى أن يضع يده على كل استثمارات البترول والغاز المملوكة لهيئة الاستثمارات القطرية، مستفيداً من اختفاء منافسه، الشيخ أحمد العطية، من قيادة وزارة الطاقة، إلا أنه فى النهاية يمتلك عقلية حقيقية للمساومة و(الفصال)، كما لو كان كل شىء بالفعل معروضاً للبيع فى سوق. وحدث مرة أنه كان يريد الاستحواذ على إحدى الشركات الفرنسية، فطلب من المسئولين فيها (تخفيضاً) على سعر الأسهم المعروضة للبيع فيها، فقالوا له على الفور: مستحيل! هذه صفقة بين شركاء، نحن لسنا فى سوق هنا! واحتاج الأمر إلى أن يتدخل أمير قطر شخصياً ليعيد العقل إلى ابن عمه».«لكن، عندما قال له شركاؤه الفرنسيون بعدها: لقد خسرت، رد ضاحكاً: أنا لم أخسر شيئاً، يكفينى أننى حاولت..
التعليقات (0)