جراحات بغدادية: شعر

جراحات بغدادية

شعر: خليل الفزيع

لمي جراحَـكِ بغـدادُ اطـردي القَلَقـا
وعــانقي المجـدَ وضـّاءَ السّـنا ألِقـا
وناشـدي الـرّكبَ قـد آن الأوانُ لَـهُ
أن يســتريحَ خـليَّ الـبالِ مُـنـْعَـتِـقـا
قـد كـنتِ للنصرِ تاجاً فـوقَ هامـتِهِ
وما أخـالُكِ إلا فــي الـورى ألَـقـا
نخيلُكِ الشّمُ يومَ القهرِ قد صَمَدَتْ
بوجـهِ مـن يبتغـي شَــراً ومُـفترَقـا
أرسى قواعـدَكِ "المنصورُ" فانتسـبي
لمجــدِ مـن كان ســبّاقا ومُسْـتـَبـِقا
دارُ السـلامِ ومـنك السـلـمُ مَـبعـثـُهُ
وكــم نـبذتِ زعـيمــاً عــابـثاً نـَزِقـا
مواكبُ النورِ كـم في دجلـة ائتلَقَـتْ
وللحضــاراتِ نـــورٌ ظــلَّ مُـنـبَـثِـقـا
في الرافــدينِ حـياةٌ فيهمـا رَغـَــدٌ
وفيك جـوعٌ ودمعٌ بالأسـى غَــرِقا
كيف استحالتْ لياليكِ التي عَبَقَتْ
بالحبِّ حزناً يُغطي وجهَهـا .. رَهَقا
مـاذا دهى الدّهرَ إن جارتْ كوارثـُهُ
وفــي تقـلُّـبهِ للشّــرِّ مُـنْطَـلَـقـا

أيا عـراقُ وهـذا الوجـهُ كم نطقَـتْ
مـنه المـلامــحُ تشــكو حزنـَها حُـرَقا
فيكَ اختصـارُ المـآسي مُـذْ أتى قَـدَرٌ
جحـافلٌ مـن جـيوشٍ تحجُـبُ الأفُقا
كلُّ الجيوشِ التي جاءتك قد هُزِمَتْ
وعـاد شـعبك والأمـجــاد ما افـترقـا
يفـديكَ كلُّ فــؤادٍ يبتغـيكَ هَـــوىً
لـو نَزّ جـرحٌ بقلبٍ بات مُــنْدَفِـقـا
بين الـحــنايا سَرَى شوقٌ إليكِ فما
يثنــيهِ رأيٌ ولا خـَطـْـبٌ إذا طَـرَقـا
لـو أن آهـةَ حـزْنٍ منكَ قـد نطقـَتْ
الكلُّ مـن عبئـِهـا قـد كـابـدَ الأرَقا
من عهدِ"سُومَرَ" عشتِ المجدَ مُزدهياً
مـضـى بمـركـبكِ الـتاريـخُ مُنطلِـقـا

وجـاء بالعـزِّ دينُ اللهِ فـاندحَـرَتْ
كلُّ الجهـالاتِ لـم يَترُكْ بـها رَمَقـا
ابن "الرشـيدُ" رنا نحو السـماءِ فمـا
يرى السـحـابةَ لمـا أمطــرتْ غَـدَقـا
وقال: خـيرُكِ يأتـي أينمـا عُمــرتْ
من فيضِ غيثِكِ أرضٌ تطرُدُ القَـلَـقــا
أتى "التتارُ" بجيشٍ جحفـلٍ لَجِـبٍ
فعـاد مُـنكسِـراً بالبـؤسِ مُـخْـتـَنِـقـا

ملاحـمٌ دَوَّنـَتْها الأيام ما بَرحَتْ
تروي سِـجلاًّ حَوَتْ صفحاتُهُ عَبَقـا
واليوم حلتْ بكَ الغربانُ مـا فَـتِئتْ
تغـتالُ قد نهَشَتْ من لحمِك المِـزَقـا
والقـاذفاتُ رَمَتْ ملءَ السما حِمَمـاً
ترمي قـنابلَهـا كالسّـيْلِ مُـنـْهَـرِقـا
لا فَـرْقَ إن قتلتْ طفـلاً وإن زرعَـتْ
رُعـباً وخوفا بوجـهِ العـدلِ قد زَعَقـا
عـاثتْ فسـاداً بأرضِ اللهِ مـا تَركَـتْ
فـي كلِّ شبرٍ لـغيرِ الموتِ مُـنـْعَـتـَقـا
يا مـوقفـاً نزفـَتْ مـنه القلـوبُ دَمـاً
والعـارُ والـذلُ في سـاحاتِـنا سَـمَـقـا
من الخليجِ وحتى المغـربِ اشتعلَـتْ
نـيرانُ رفـضٍ لغــزوٍ دانـَهُ الفُـرَقــا
يا حرقةَ القلبِ والوجدانِ من حَدَثٍ
على يدٍ لم تجدْ غـيرَ الوَغَى طُـرُقــا
فقادهـا الشـرُّ إذ تدري بمـا فعلَــتْ
من الجــرائمِ حـتى تنحــرَ الخُلـُقـا
لكنهــا بئسَ ما تـجني وما كسَبَتْ
قد باءَ بالخزي من لم يفــتحِ الحَدَقا
أرى من الأمس كم من صفحة طُوِيَتْ
ودام مجــدُكَ منصـوراً ومُـؤتـلِـقـا

بغــدادُ يا جــنةَ الدنيا وشـقوَتـَهـا
قد آنَ للدّهـرِ أن يَحْـني لكِ العُـنـُقا
كل المدائنِ في أحداقِـِك اختـُصِـرَتْ
وفـيكِ قلـبٌ ونفــسٌ للهـوى خـُلِـقـا
خذي ضلوعيَ نعْشـاً للشـهيدِ فـما
أطيقُ عَيشاً وفيها يَعْبَثُ الـصُّـفَـقا