عرفت الجرائم الأنترنيت (أو الجرائم الإلكترونية بالمغرب مؤخرا تصاعدا ملحوظا. فهناك منها ما هو مقترف عن جهل وعدم دراية – سيما وأن شبكة "الويب" ( الشبكة العنكبوتية – الأنترنيت) توحي وتوهم بالتنكر وغياب الحواجز- ومنها ما هو مقترف مع التخطيط لها مع سبق الإصرار والترصد وبنية إحداث الضرر الأكيد للغير. علما أن مبحري شبكة الويب" يظلون كلهم عرضة، في أي وقت وحين، لهجومات مبيتة ومخطط لها مسبقا ( الفيروسات، القرصنة، انتحال الشخصية، السطو على المعلومات الشخصية السرية، سرقة أرقام البطاقات البنكية والائتمانية أو كلمة السر، تدمير المواقع والبريد الإلكتروني...).
إن اتساع مجال هذا النوع وتسارع الوتيرة، جعل من هذا النوع من الجرائم ظاهرة عالمية تخترق الحدود وتقفز على كل الحواجز المتعارف عليها إلى حد الآن، حيث أن هناك أكثر من مليون ونصف مليون ضحية جرائم الأنترنيت يوميا عبر محتلف بقاع العالم، أي أكثر من 18 ضحية في الثانية الواحدة. وبدأت الجرائم الإلكترونية مؤخرا تنتقل، بخطوات حثيثة، إلى مجال الهاتف المحمول والمواقع الاجتماعية.
فما هي حالة ووضعية هذا النوع من الجرائم الدخيلة بالمغرب؟
جريمة الانترنيت : النطاق والمجال
إن جرائم الانترنت ( أو "جرائم النيت") جرائم تختلف عن الجرائم المتعارف عليها، فالجاني لا يحمل سكينا أو ساطورا ولا يسطو على متجر أو يعتدي على عابر، فهو جالس في بيته ولا يجد عناء في مجرد الضغط على زر يدخل به إلى شبكة الانترنت ويبدأ في اصطياد ضحاياه. وجرائم الانترنت تعددت صورها وأشكالها عبرالعالم. فلم تعد تقتصر فقط على اقتحام الشبكات وتخريبها أو سرقة معلومات منها بل شملت أيضاً جرائم أخلاقية مثل الاختطاف والابتزاز والتحريض على القتل والتخطيط للتخريب وغير ذلك من الأفعال الجرمية، ابتداء من الإباحية والانحلال وانتهاء بالإرهاب.
وفي ظل التطورات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات، ونظراً للعدد الهائل من الأفراد والمؤسسات الذين يرتادون شبكة الأنترنيت، فقد أصبح من السهل ارتكاب أبشع الجرائم بحق مرتاديها سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات أم مجتمعات محافظة بأكملها.
عموما، إنها جرائم محاكيه لجرائم الواقع المعاش، والتي تقع على الأموال كالسرقة والنصب والتدليس والاحتيال والتزوير في أوراق وعمليات البنوك، وكذالك الجرائم التي تقع على الاعتبار كالسب والقذف والإهانة وكجرائم التحريض على الاعتداء على الأشخاص كالقتل والإصابة، و كذالك جرائم الاعتداء على الملكية الفكرية، ولكن ما يميز هذه الجرائم أنها لا تقع في الشارع، أو في المدينة، أو القرية وإنما تقع على شبكة الإنترنت، في العالم الافتراضي.
يتميز مجرمي الإنترنت بالذكاء والفطنة الشديدين والقدرة على استباق الزمن والتطورات التشريعية البطيئة، والكثير منهم خريجين لجامعات ومؤسسات علمية ، ويأخذون الأمر بصورة التحدي الكبير لأجهزة ووسائل الحماية ضد جرائمهم وكذالك لفرق المكافحة، علاوة لما يتوفرون عليه من قدرة على عدم تمكين المجني عليه من ملاحقتهم واكتشافهم وإبقاء جريمتهم في إطار البريد أو الموقع الإلكتروني المجهول الهوية والعنوان، والذي يصعب العثور عليه بين ملايين الملايين من المواقع الإلكترونية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية.
ومن أبرز الجرائم في الوقت الحاضر، جريمة التدليس، وذالك بواسطة قيام بعض الجناة بشراء ملايين الإيميلات إلتي يتم التقاطها عبر مواقع المعايدات المجانية وغيرها، للتأكد من صدق وجود أصحابها، والعمل على إعادة إرسال ملايين الرسائل ، بحيث تحمل في مضمونها الإيهام بطلب تحويل مبالغ ضخمة جدا من حساب لآخر والحصول على نسبه كاذبة، بهدف الإيقاع بالضحية في نطاق قصة وهمية وختلقة، وبفخ التحويل من ماله الخاص لسير العملية، مما يجعله ضحية لعملية النصب والابتزاز والجريمة المنظمة.
ومن الجرائم الأخرى البارزة عالميا، جريمة اختراق مواقع البنوك ومحاولة سرقة الحسابات البنكية، وخاصة أثناء عمليات التحويل، وكذالك سرقة أرقام بطاقات الائتمان و استخدمها دون وجه حق.
كما أن جرائم الإنترنت تتضمن جرائم التحريض على الفجور والزنا والفساد وبيع الصور الخلاعية للأطفال وهي جرائم تستهدف الحصول على الأموال من ضعاف النفوس ولو على حساب تدمير المجتمعات والأسر والأطفال الأبرياء واستخدام طفولتهم وبراءتهم كسلعه لبيعها أو القيام بعمليات إبتزاز بشأنها على مواقع الإنترنت.
من تلك الجرائم أيضا جريمة غسيل الأموال التي تدمر اقتصاديات دول عديدة بما تتضمنه من أموال وسخة ناتجة عن بيع المخدرات وصفقات الأسلحة غير المشروعة، ويضاف لذالك عمليات ترويج الإرهاب عبر الإنترنت، وعمليات الاعتداء على أمن الدول بواسطة جرائم الهجوم على مواقع الأمن والدفاع العالمية بواسطة "الهاكيرز" لمحاولة كشف معلومات سرية.
لكن ما هو واقع جرائم الأنترنيت بالمغرب؟وما هو حجم ونمط أكثر هذه الجرائم شيوعاً بين مستخدمي الإنترنت في المجتمع المغربي؟
جرائم الأنترنيت المقترفة بالمغرب
تهم جرائم الانترنيت المقترفة إلى حد الساعة ببلادنا – على وجه الخصوص- الجرائم المالية والاقتصادية والهجوم على المنظومات المعلوماتية التحرش الجنسي على الأطفال والاستدراج إلى دعارة القاصرات والبورنوغرافيا والتهديد والإرهاب.
إن هذا النوع من الجرائم لا يستهدف الأشخاص الطبيعيين فحسب، ولكن يستهدف أيضا الأشخاص المعنويين والمؤسسات، سواء الخاصة منها أو العمومية.
بلغة الأرقام
تمكنت المتخصصة فمصالح الأمنية المتخصصة في زجر ومحاربة جرائم الأنترنيت من فك لغز 112 نازلة خلال سنة 2011. وقد سجلت هذه الجرائم تصاعدا بنسبة 21 في المائة مقارنة مع سنة 2010 التي عاينت 92 نازلة.
وترجع المصادر الأمنية سبب تصاعد عدد النوازل التي تم ضبطها إلى ارتفاع درجة يقظة المصالح الأمنية واهتمامها المتزايد بهذا المجال واعتماد منهجيات أكثر حكامة وجدوى، أكثر من ترجعها إلى تنامي الفعل الجرمي في هذا المجال أو تزايد عدد مقترفيه.
جرائم الأنترنيت عن قرب
أن هذا النوع من الجرائم يتخذ أشكالا مختلفة ومتباينة تتطور وتتغير مع الوقت بفعل قدرتها الفائقة على التكيف مع المتغيرات.
جرائم التعدي على الأشخاص
لقد تم ضبط 26 نازلة خاصة بالتعدي على الأشخاص سنة 2011 بزيادة حالتين اثنتين مقارنة مع سنة 2010 التي عرفت ضبط 24 نازلة ( أي بتحقيق زيادة بلغت نسبتها 23 في المائة خلال سنة واحدة).
ويهم هذا الصنف من جرائم الأنترنيت، التهديد والسب والقذف والسطو على مال الغير وسرقة المعلومات الشخصية قصد الإعداد لاقتراف جرائم الغدر والنصب والاحتيال.
ويرجع المتتبعون تصاعد هذا الصنف من الجرائم إلى اتساع مدى استخدام الشبكات الاجتماعية من طرف المغاربة ("فيسبوك" و"تويتر" على وجه الخصوص)، وأيضا مواقع تبادل المعطيات ( "يوتوب" و"دايليموسيون" بالخصوص).
نوازل المراقبة والتأهب لإلحاق الضرر
يخص هذا الصنف من جرائم الأنترنيت التهديدات والإعلانات المبثوثة في شبكة "النيت" يغرض تهييء أجواء وظروف مناسبة ومساعدة للنصب على الغير وإلحاق الضرر به.
وقد عمدت المديرية العامة للأمن الوطني إلى إحداث خلية خاصة مهمتها مراقبة وتتبع هذا النوع من جرائم الأنترنيت لكشفها قبل وقوع الضرر.
تم ضبط 32 نازلة بهذا الخصوص سنة 2011 ، وبذلك لوحظ تصاعد هذا الفعل الجرمي الإلكتروني بنسبة 29 في المائة مقارنة مع النوازل التي ضُبطت سنة 2010 .
إن الهدف الأساسي المتوخى من طرف المصالح الأمنية، هو استباق مجرمي الأنترنيت قبل القدوم على اقتراف جرائمهم. وفي هذا السياق تمكنت من كشف 32 إعلانا مشبوها قادها إلى أصحابها في جملة من المدن موزعة كالتالي:
الدار البيضاء : 11
الرباط : 05
مراكش : 03
فاس : 02
القنيطرة : 01
وجدة : 02
العرائش : 02
بني ملال : 02
مكناس : 01
تطوان : 01
ورزازات : 01
الخميسات : 01
جرائم البورنو والتحرش الجنسي على الأطفال واستدراج القاصرات للدعارة
ظل هذا الصنف من جرائم الأنترنيت غريب عن المغرب بالأمس القريب، إلا أنه بدأنا نلاحظ مؤخرا اقترافها من حين لآخر.
لقد تم ضبط 9 نازلة سنة 2011 و22 نازلة سنة 2010. علما أنه على الصعيد العالمي، يتعرض قاصر واحد من أصل 5 إلى تحرشات جنسية عبر شبكة الأنترنيت.
وفي هذا النطاق قام مركز ( CMF-MENA ) باستطلاع رأي 106 طفل بمدينة الدار البيضاء، أسفرت نتائجه على أن أكثر من ثلثي الأطفال المستجوبين (أي 38) تلقوا عبر شبكة "الويب" دعوات للسفر والوعود بهدايا ودعوات لممارسة الجنس من طرف غرباء لم يسبق أن تعرفوا عليهم.
ولعل أبرز نازلة في هذا الصنف من جرائم الأنترنيت، فضيحة الصحفي البلجيكي، "فيليب سرفاتي"، التي كانت مدينة أكادير مسرحها سنة 2005 . إذ كان يصوّر فتيات – منهن قاصرات- عاريات وفي وضعيات مشينة ويبثها بإحدى مواقع البورنو بشبكة الأنترنيت.
وعموما عرف هذا الصنف من جرائم الأنترنيت تراجعا طفيفا فيما بين سنتي 2010 و2011 . ويُرجع المتتبعون أسباب هذا الانخفاض، إلى أن مقترفي هذا الفعل الجرمي أصبحوا أكثر حيطة من السابق لأنهم علموا إمكانية ضبطهم بواسطة عنوان " رمز بروتوكول الأنترنيت"، ما يسمى بــ:
( INTERNET PROTOCOLE : IP).
الجرائم الاقتصادية والمالية
تمكنت المصالح الأمنية من ضبط 21 نازلة متعلقة بهذا الصنف من جرائم الأنترنيت سنة 2011 . في حين سجلت سنة 2010 ضبط 15 نازلة من هذا النوع، وبذلك تم تسجيل ارتفاع بنسبة 19 بالمائة.
وقد تزامن هذا التزايد مع ارتفاع عدد مستعملي مواقع التسوق عبر الانترنيت ببلادنا ( ما يصطلح عليه بالاقتصاد الالكتروني).
نوازل مرتبطة بالإرهاب
يمثل هذا الصنف ضمن مجموع النوازل التي تم ضبطها ما نسبته 48 في المائة من جرائم الأنترنيت المقترفة مسجلا بذلك انخفاضا نسبيا.
ففي سنة 2010 ضبطت المصالح الأمنية 37 جريمة، وتراجع هذا الرقم إلى 25 نازلة سنة 2011.
مهاجمة المنظومات المعلوماتية
استطاعت الفرقة الخاصة بجرائم الأنترنيت تفكيك 12 عملية مرتبطة بجرائم الهجوم على المنظومات المعلوماتية سنة 2011، وكانت قد ضبطت 18 نازلة من هذا النوع سنة قبل ذلك في عام 2010.
خلية الفرقة الوطنية للشرطة القضائية
اضطلعت خلية الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المكلفة بجرائم الأنترنيت بالتحقيق في 54 قضية سنة 2011 و69 نازلة في سنة 2010 . علما أن 48 في المائة من هذه الملفات همّت أفعال جرمية مرتبطة بالإرهاب ( 37 نازلة في سنة 2010 و 25 قضية في سنة 2011).
كما اهتمت الخلية بــ 8 قضايا خاصة بالجرائم الاقتصادية والمالية و10 نوازل متعلقة باختراق والهجوم على منظومات معلوماتية و5 ملفات ارتبطت بجرائم التحرش الجنسي بالأطفال والقاصرين.
وحسب أهل الدار،يرجع الفضل في خلق خلايا أمنية خاصة بجرائم الأنترنيت إلى جهود المدير السابق للأمن الوطني والخبير في عمل المخابرات حميدو العنيكري.
واليوم، أثناء فترات التكوين في معاهد الشرطة، تستفيد الأطر المتخصصة في جرائم الأنترنيت من دورات تدريبية في أمريكا أو فرنسا، لتكوينها على آخر التقنيات في البرمجة والمعالجة الإلكترونية للبيانات، فضلا عن أمن الحواسيب ووسائل اختراقها.
كما يتم إرسال أفراد الخلايا المكلفة بتتبع جرائم الأنترنيت ،بين الحين والآخر، سواء إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا، للاستفادة من تداريب على تقنيات البحث والتحري، ومجموعة الأعمال التي يرى المحقق وجوب أو ملاءمة القيام بها لكشف الحقيقة بالنسبة لواقعة معينة تخص جريمة إلكترونية.
التعاون الأمني مع جهات خارجية
هناك تعاون كبير بين المصالح الأمنية المغربية والشرطة الدولية ("الأنتربول") و"إف. بي. إي" الأمريكية. وفي هذا النطاق تم التحقيق في 51 قضية فيما بين سنتي 2010 و2011، 16 منها عام 2010 و10 عام 2011 ، وكلها تم فك لغزها بفضل التعاون مع المصالح الأمنية الفرنسية.
ويتعاون المغرب في مجال محاربة جرائم الأنترنيت مع فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والصين وكندا وبريطانيا العظمى وموناكو وهونغ كونغ.
جرائم الأنترنيت
نوازل سنتي 2010 – 2011
الصنف 2010 - 2011
الجرائم المالية والاقتصادية 04 - 04
جرائم المنظومات المعلوماتية 05 - 05
التعدي على الأشخاص 02 - 03
الجرائم المرتبطة بالإرهاب 37 - 25
مختلفات 21 - 17
جرائم الأنترنيت بالنسبة المائوية
الصنف 2010 - 2011
جرائم المراقبة والتأهب - - 29
التحرش الجنسي بالأطفال 24 - 08
الجرائم المالية والاقتصادية 16 - 19
جرائم المنظومات المعلوماتية 20 - 11
التعدي على الأشخاص 26 - 23
الجرائم المرتبطة بالإرهاب 09 - 03
مختلفات 05 - 07
التعليقات (0)