علي جبار عطية
ـــــــــــــــــــــــــ
يجد المرء غياباً شبه تام لأدب الحوار وقواعده وأصوله في المناقشات والمحاورات التي تجري في الأوساط الاكاديمية والثقافية. وعلامة ذلك انه ما ان يبدأ طرف ما بعرض أفكاره حتى تجد الطرف الآخر متوثباً لاية زلة ويحاول التقاط أية نقطة خلافية ليغور بها بعيداً عن الموضوع مستعرضاً عضلاته الثقافية عارضاً مهاراته الانشائية وبهلوانياته مقدماً سيرته الذاتية من غير مناسبة! رأيت ذلك في مرات كثيرة في الندوات والجلسات النقدية بل حتى في مناقشات الاطاريح الجامعية. حدثني استاذ جامعي متخصص في الأدب العربي قال: كنت أحد اعضاء لجنة المناقشة لطالب ماجستير في جامعة الموصل وكان زميلي معي في اللجنة لم يطلع على أية صفحة من صفحات الأطروحة وقد تأكدت بنفسي من ذلك حين سألته ونحن في طريقنا مسافرين من بغداد وقبل أن نصل الى الموصل فتح الأطروحة لا على التعيين فوجد فقرة وضع تحتها خطاً وحين بدأت المناقشة أخذ يجادل في هذه الفقرة نحو ساعتين ولم يترك مهارة بهلوانية الا واستخدمها وسط ذهولي وقد احتكر اغلب وقت جلسة المناقشة! في اطروحة أخرى في جامعة بغداد سخر أحد اعضاء لجنة المناقشة من الطالب عدة مرات وكان الطالب يلتزم الصمت ولا يرد لكني لاحظت ان الدكتور كان ينظر باستمرار الى آخر القاعة وعلمت في نهاية المناقشة انه كان ينظر الى صديقة حضرت المناقشة ليثبت لها انه افضل من الطالب برغم انه اكبر منه بعشرين عاماً وعندما سألت الطالب: لماذا لم ترد؟ قال: لقد اوصاني استاذي المشرف بعدم الرد لئلا تنقص درجتي! ومن الملاحظ ان غياب ادب الحوار يزيد في الدراسات الأدبية لكثرة التأويلات والمجازات ويتجلى ذلك في فن النقد واذا كان هذا الحال في الطبقة العليا من المجتمع فكيف يكون الحوار في المستويات الدنيا من المتعلمين بل كيف يكون في عامة الناس من شبه الأميين فلا غرابة ان يكون حوارهم بالايدي والأرجل والالفاظ النابية. ومن طرائف الأمور أن هؤلاء المتحاورين يقرأون قول الله تعالى (وجادلهم بالتي هي احسن) ويعرفون عواقب الجدل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير لكنهم عملياً يجادلون بغير التي هي احسن ومن غير علم! يروى أن احد ملوك بيزنطة احب الحكمة فشجعها ووضع جائزة ثمينة لكل شخص يأتي بحكمة جديدة وصار هذا قانوناً فجاء شخص كثير الجدل الى لجنة تقويم الحكم فلما سألوه عن حكمته قال (انكم لن تعطوني شيئاً) وسجلوها له لكن حين ارادوا ان يعطوه الجائزة قالوا: اذا اعطيناه الجائزة تفقد الحكمة معناها واذا لم نعطه الجائزة يكون قوله حكيماً وظلوا يتجادلون بينهم حتى صار جدلهم مثلاً!!
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)