بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار طرق عليّ الباب صديقي اللدود.. وما أن فتحت له حتى صرخ في وجهي صرخة كادت أن تلصقني بالجدار من هولها - رغم ما أتمتع به من جثة «فيلية» لا بأس بها - وعاجلني قبل أن أنبس ببنت شفة.. ما هذا الهراء الذي أراه على صفحات المجلات والجرائد.. وما هذا الزيف المقنع الذي ابتليت به الأمة في أحلك ساعاتها.. وفي أقسى عصورها..؟؟ قلتُ له.. لقد سئمت أسلوبك الفج.. وطريقتك الأخطبوطية في الولوج إلى ما تريد الخوض فيه.. وكأنك لا تستريح حتى تمد أذرعتك حول رقبة من تريد أن تنقض عليه.. ما الحكاية وما سرُّ ثورتك هذي؟؟ فزمَّ شفتيه.. ومطهما مطا حتى صارتا أطول من يوم السبت.. مبدياً عدم ارتياحه من ملاحظاتي..
فقال.. هل من اللائق.. ونحن فيما نحن فيه أن يخرج علينا شاعر لا يحمل من الإحساس قيراطا ليصفعنا على وجوهنا بقصيدة يسميها غزلية يحكي فيها مغامراته العاطفية وينشر غسيله «الوسخ» على صفحات الجرائد وعلى عينك يا تاجر.. أما يستحي هؤلاء.. أما سمعوا القول المأثور.. إذا بليتم فاستتروا..؟؟
ولنفرض أن أحدهم كانت له علاقة مشبوهة أو سافر سفرة من «السفريات إياها» هل من الضروري أن تعرف أمة لا إله إلا الله بتفاصيلها.. ولا أريدك أن تجيبني إجاباتك المنمقة الدبلوماسية.. الممتلئة بالمغالطات..؟ قلتُ: يا سبحان الله وكيف أجيبك وأنت سخفت إجابتي قبل أن تسمعها.. وعلى كلٍ سأشرع في الرد عليك.. مستعينا بالله..
أولا يا حبيبي ويا صديقي هناك فن شعري قديم قدم الشعر أو فلنقل غرض يتبعه الشعراء منذ الأزل يسمى فن النسيب أو فن الغزل.. يجب أن نتفق على ذلك أولا.. قال: نعم وأعرفه قبل أن أتعرف على سعادتك.. قلت وبغض النظر عن سخريتك.. هذا جيد..
ثانيا من قال لك إن كل ما يسطره هؤلاء صحيح أو حدث فعلا.. فقاطعني على الفور.. آه وصلنا إلى مربط الفرس وانتقلنا من قلة حياء الشاعر إلى كذبه.. قلتُ وكأني لم ألق عليك محاضرة طويلة عن المساحة الشاسعة الممنوحة للشاعر لينفث فيها خياله الرحب، وليطلق العنان لفكره أن يعدو في فضاء الإبداع كيفما يشاء.. ثم ألم تقرأ قوله تعالى في سورة الشعراء.. ﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ وأنا هنا لا أريد الدخول في تفسير الآية فهذا ليس من اختصاصي ولكنّ القرآن الكريم يقرر حقيقة الشعراء منذ القدم مبينا أنهم يقولون ما لا يفعلون.. أي إن من نظم قصيدة غزلية بث فيها مشاعره وما يختلج في صدره من حب وهيام ولوعة وغرام ورغبة في وصل.. وتوجس من غدر وهجران لا يحكي حادثة بعينها بقدر ما يعكس ما يعتمل في صدره من عواطف مكبوتة.. ولو قسنا الأمور بهذا الميزان فإننا سنكنس ديوان الشعر العربي من قصائده كافة.. ونجعله أكثر بريقا ولمعانا.. لأني أزعم أن كل قصيدة قيلت فيه لم تخرج عن هذا الإطار.. من مبالغة.. ومن إخبارٍ عن حادثة لم تحدث.. إلى آخر ذلك.. من المسميات..
نعم - يا صديقي اللدود - هناك خطوط حُمر في شعر الغزل لا يجوز أن نتخطاها وأنت تعرفها وما عدا ذلك فلا ضير أن توجد مساحة يتجول الشاعر فيها كيف يشاء حتى يخرج علينا بدرة من درر الشعر الغزلي العربي العذري.. ولسنا معنيين هنا أن نستعمل أدوات النقد والجرح والتعديل لنثبت أن قيس بن الملوح مثلا لم يكن موجودا أو إن قصته مع ليلى لم تحدث أو إن روميو لم يلتق جوليت في حياته.. أو إنه يكبرها بمئة سنة أو غير ذلك.. دع عنك يا صديقي هذا الجدل واستمتع معنا بما يلقيه لنا هؤلاء الشعراء من عصارة أفكارهم.. شرط ألا يخرجوا عن حدود الأدب وألا يخدشوا حياءنا البكر.. ولا تهتم بالتفاصيل لتحكم عليهم أنهم عاشوا هذه التجارب لتحكم عليهم بقلة الحياء وما إلى ذلك من التهم..
قال صديقي اللدود: أفضل أن أغير هذا الموضوع فقد فتحتَ عليّ الباب على مصراعيه في وقتٍ أحترقُ فيه بنار غضبي والتي كنت آمل منك أن تطفئ لهيبها.. فدخلت معي في تفاصيل وجزئيات جعلتها تتجاوز الـ 100 درجة مئوية.. حسبي الله عليك..
التعليقات (0)