تعتبر تيمة الفن واحدة من التيمات الحيوية المشكلة لحقل الإنسانية باحتلالها مكانة متميزة في تشكيل البنية الشخصياتية للإنسان...فهو ( الفن) منبع المخيال ومصدر الإلهام الوجداني وكانه الحقائق وحامل رسائل النوعية والتنوير والتخليق ،حتى وان يتزيي أحيانا بثياب الفرجة والسخرية الباعثتين لشرايين الضحك .هذا الأخير الذي يعد من أهم ما يبصم بني البشر...فالضحك فرصة لابتهاج الذات وارتمائها في حقول الانتشاء واللذة الوجودية التي تشهد على انفلات لحيظي لإنسانية الإنسان في وجهها المتخفي ،وكذا مناسبة لاكتساح اللاشعور الآدمي. ونظرا لكل هذا، فقد عانق الإنسان منذ أن وجد الفن وسعى إليه بكل الأشكال والوسائل ،لأنه وعى بفساحة بستانه وغنى دروبه والتواء ميازيبه التي تفرغ كل معالم الإنسان والوجود في احتفال استثنا ئي لتزاوج جماعي بين الحقيقة والمجاز، الألم والمتعة، الحاضر والأفق...
من هذا الاعتبار الكبير لجوهر الفن وغائيته نحاول مقاربة الشأن الفني المغربي اخذين كنموذج السكيتشات الرمضانية التي تبث علي القنوات المغربية لنتمثل مدى امتثالها لذات الاعتبار .
وبطبيعة الحال لا أدعي العلمية المكتملة في ما سأقوله، لكن أكيد أن من المغاربة من سيشاطرني الحكم السلبي على النتاج الفكاهي المغربي..سلبية في منتهاها تدفع بقيم الفن نحو الإفلاس والموت المبكر وتحول صناعة الضحك الواعي إلى ضحك خجول ومكترث...الأمر الذي يحط من كرامة الفن من جهة ، ويحط أكثر من قيمة المشاهد المغربي الذي يجد المنتوج الفني فاقدا لكل متن اجتماعي وإنساني ( ماكلة مسوسة) تنزع به نحو التقيؤ بدلا من التمتع.
ترتبط صناعة الفكاهة والسكيتشات بشهر رمضان...فهي إذن انتاجات موسمية ذات طابع استهلاكي محض...فكما أن منتج الحلويات يستغل شهر رمضان وانساق الاشتهاء لإنتاج حلويات منها الصالح حينا والفاسد أحيانا. فكذلك الأمر في فننا ...فهو فن اندفاعي ارتجالي تغيب فيه الهدفية بكل أبعادها، مما يعكس عدم انخضاع العمل الفني لاستراتيجية واضحة تراعي اشراطات المواطن والمكان والظرف والقصدية.وهو بهذا المعني يصير فنا مراهقاتيا تطفو فيه المادة ومهيجات الحواس على المتن العقلاني والفكري...فجل القضايا والمواضيع التي يدعي الفكاهيون المغاربة مقاربتها لا تخرج عن مجالات ضيقة كالزواج والطلاق ومشاكل الجار...وفي هذا الصدد لا بد أن نورد مثالا من برنامج ( العقبا ليك الجزء الثاني) الذي يعد امتدادا لجزء الأول على مستوي القضية محور السخرية الفنية. اقصد قضية البحث عن زوج بمواصفات معينة...فالبطلة سناء ع حولت الفن إلى امتداد لحياتها الخاصة لتكشف ولو بطريقة غير واعية عن مدى تأثير ظاهرة العنوسة في رسم أطياف حياتها الخاصة والفنية..إذن فهذا التقاطع السلبي للشخصي مع الفني والمهني يبخس من عظمة الفن وتعاليه...كما أن عنوان عقبا ليك يفقد لكل قوة دلالية وترميز اجتماعي حي...في حين كان من أحقية الفن أن تختلف حلقات البرنامج باختيار مضامين تتنوع وتستجيب لحاجيات المواطن وتساؤلاته وانتظارا ته...فالبحث عن زوج في كل الحلقات قزم العمل الفني وانزله مرتبة بليغة من التفاهة. لتتحول بموجب ذلك السخرية الفنية إلى سخرية السخرية أي سخرية المتلقي مما يتلقى.
إن ما يميز العمل السكيتشي المغربي هو موسميته من جهة، ومن جهة أخرى تنقيصه من قيمة المشاهد المغربي الذي يدفع رسوم الاستفادة من القنوات المغربية ، مقابل الحظي ببرامج تليق به كمواطن له سياق اجتماعي وفكري متميز..لكن عكس كل ذلك يتصادم بسكيتشات حضيضة وكأنها تحاول انتزاع الضحكة بالقوة من شفتيه ( كيبغيو اضحكو نا بسيف ...سكيتشاف مكاضحاكش وهم كيصحاب لهم كيضحكونا...بحال الى خسهم اهرونا باش نضحكو.....).وفي هذا الصدد لا بد أن نستحضر وبكل امتعاض العمل السكيتشي كاميرا كافي ،الذي يفقد لكل أدبيات صناعة الفن.: غياب المضمون وارتجال المادة....والمتن يعتمد جملا فارغة من كل مدلول....لكن يمكن أن نقول أن هذا السكيتش قد يكسب بعض تعاطف الأطفال الصغار أقل من 10 سنوات...لذلك يفضل مرافقة هذا العمل بعلامة : لا ينصح تتبعه من طرف المغاربة ذوي السن أكثر من 10 سنوات تجنبا لتقيئهم....
وما ينطبق على هذه الأعمال الفنية من ضعف وانحراف يصلح لمقاربة أعمال أخرى من قبيل سلسلة سير حتى تجي التي اعتمدت التكرار المرضي لنفس البنية الفرجوية، بشكل يترجم فشل محمد الجم وحاشيته في التجديد والإبداع وتبنيهم لسياسة الابتداع والتكرار....أما صاحبنا حسن الفذ في tivihi فهو من أحسن العمل بالمثل الشعبي القائل : كوار أعطي لعوار وهي نفس الوصفة المعتمدة في تحضير أطباق "فركوس وفركوسة" و " ياك حنا جيران" .....الخ .
انقاذا لشرف العمل الفني بكل أشكاله من موسيقى وتمثيل ومسرح وتشكيل وفكاهة... لا بد أن تعمل الجهات المسؤولة على ايلائه كل العناية والصون وذلك بجعله من اختصاص المتمكنين من شأنه ،حفظا له من العبثية والارتجال والانحراف... ليظهر الفن الفكاهي المغربي بشكل منوه يراعي علاقة التخليق والاحترام بين الفنان والمتلقي...ويساهم بدوره في ترسيخ ثقافة فنية واعية تحايث الواقع بوصفه وكشف ظواهره في أفق الدفع بالمجتمع نحو مزيد من الحداثة الشاملة.
التعليقات (0)