جدتي الزيتونة
د. أسامة عثمان.
شجرة الزيتون مما بقي في أرض فلسطين من عمق الزمان، ومن بركة الشجر، تفيض بالذهب الأخضر والأصفر، بحسب المناطق، شمالا وجنوبا، ولتوافق الأذواق المُحبَّة للزيت الثقيل، أو الخفيف.
موسم الزيت حافل بالحياة، والرائحة المفعمة به، تفوح من الجبال، والوديان، وفي المعاصر الطافحة بالزيت. أكلات المسخَّن تزدهي بالزيت الفتيّ. والزيت يطيب، صرفا، ولا سيما مع الخبز البلدي الساخن.
قد صحبناها منذ الطفولة؛ هي جدتي، أو جدي، دفئا، وعطاء, وغنى بالهيبة والجمال الرصين.
كنا نبكر مع نسمات الفجر؛ فيتخللنا بردٌ خفيف، لا يلبث أن يطير، مع إشراقة الشمس.
في فيئها الخفيف تدوي أغاني القطيف :« عاونيني يا يدي رجّعيني بلدي بلد عديّة, حُولها تربى الصبية, حولها يربى الغلام، يا غْلَيّم، يا غْلام....» وفي ضيافتها الصباحية تلتئم القرابة؛ للفطور, والشاي ينتظر على نار حطبها الذي يمازج نكهته فتغدو الألذ به، والأطيب.
ثم نستأنف بعده القطف؛ حتى العصر، وفي أثناء ذلك كنا نختلس الكبار؛ للتغذي على بعض حبات الجوافة، وشيء من الكلمنتينا، نبلُّ بها الريق الذي جفّ، أو نتملص من عناء القطف؛ فيما تظل جدتي وفية لشجرة الزيتون, لا تكل, ولا تفارقها, تتابع الحبات اللاتي تخللن الرُّسوم، والرُّجوم.
ذهب الأجداد، وبقيت لنا الزيتونة، كالعهد، معطاءة، وغير مكترثة، بمنغصات المستوطنين، تتكاثر برغمهم، وتعد بالأمل، والأصالة الباقية.
التعليقات (0)