أحسست قدر كبيرا من القلق عندما انكشف للناس سر المخاطر الحقيقية لبحيرة المسك .. وشعرت وأنا ارمق الأنظمة التي يسرت لجهاز مثل أمانة مدينة جدة بناء مفاعل نووي على حافة المدينة دون أدنى احتراز ان هناك خلل في الأنظمة و القوانين , فلإهمال يعلم التسيب ولا مبالاة , وعدم وجود الأنظمة و القوانين ومؤسسات فاعلة لحماية البيئة حكومية وغير حكومية يجعل كل ما حصل أمرا متوقعا .. انك لن تكون جنديا إذا سرقت بدلة جندي وارتديتها , فالعسكرية علم ودراية وليست ثوبا يلبس .. وكذلك التحضر و الحضارة , أنها شكل ومضمون أيضا مليء بالقوانين التي لا تعطي فرصة لمن أراد تشويه اللب لحساب الشكل .. فما فائدة الجمال والنظافة الزائفة إذا وضعت القمامة والأوساخ خلف جدار البيت , من المؤكد أنها ستعلو يوما وتطل عليك من خلف الجدار .. في بلاد الغرب قطع بعض الأشجار يحرك القوانين الراكدة في مجلداتها منذ زمن والخاصة بحماية البيئة , فلهذا وضعت وهذا وقتها .. لقد وضعت لذلك الاحتمال الغادر من الإنسان للاعتداء على الطبيعة , وتجد ان المؤسسات المدنية قامت قيامتها , وجرت مظاهرات صاخبة , كل ذلك من اجل قطع بعض الأشجار , فما بالك بقتل الإنسان .. لقد أشرت لبحيرة المسك تجاوزا أعلاه بمفاعل نووي .. وهي اشد فتكا من المفاعل النووي , فعلى الأقل المفاعل النووي يستفاد منه , أما البحيرة فهي عنوان لمداراتنا للعيوب والمشكلات بشكل اقل ما يوصف به بأنه غبي !! .
أصدقكم القول أني حاولت ان أجد مبرر لاتخاذ قرار ببناء سد لبحيرة من المخلفات البشرية في الربع الخالي فلم أجد .. إلا إذا تغابينا على أنفسنا وقلنا انه خزن استراتيجي من البترول للأجيال القادمة .. فما بالك ببناء السد على مقربة من المدينة , انه ليس خطاء شخصي من رجل نافذ في مكان ما وزارة أو أمانه .. انه خطاء الجميع , فمشروع مثل بحيرة المسك وضعت له ميزانية وخطط له ومن المؤكد انه احتاج دراسات ! هذا الشيء المضحك المبكي ,دراسات! بودي من اللجنة التي شكلها خادم الحرمين رعاه الله ان تقوم بنبش تلك الدراسات وتسمح بنشرها , للفائدة لا لشيء أخر .. دعونا نتخيل أول سطور تلك الدراسات " بناء بحيرة لتجميع المخلفات البشرية و المجاري بسعة كذا مليون متر مكعب " ثم يأتي بعدها المواصفات و المقاييس طول السد , سمكه ..الخ ..ماذا بعد هل هناك بند لمخاطر هذه البحيرة على البيئة ! هل هناك بند يبين ماذا نفعل بعد ان تمتلئ هذه البحيرة !أين عقول من خططوا وأنجزوا هذه الكارثة ؟ .
أخواني ان الوظيفة عقد بين الدولة – أو أي مؤسسة – وبين شخص ما يقوم بعمل محدد , لقاء مرتب مقدور يصرف له , فالمناصب كبيرها وصغيرها ليست ترفع أو ترفيه للبعض ! أنها كيان دولة , وحاضر امة ومستقبلها , فمن ولى عملا وأهمل ولم يعمل عقله فيما يقوم به , فهو مثل السارقين والناهبين , وهو نكبة للدنيا والدين , وهو بتسكينه المشكلات لسنوات , ورمي همومها ومصائبها على الأجيال القادمة خاين للأمانة وناقض للعقد بينه وبين من ولاه , وقبل ذلك بينه وبين الله , يأكل سحتا , وكل لحم ينبت على سحت فالنار أولى به ,, والله من وراء القصد ,,
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)