جدة بين مطرقة الرذيلة وسندان الفساد !
تركي الأكلبي
بالإضافة لكونها المركز التجاري الهام للمملكة العربية السعودية أصبحت جدة المدينة العصرية وذات العراقة التاريخية مركزا سياحيا هاما لوجود أهم المقومات التجارية بها ، ولوقوعها بين مكة المكرمة والمدينة
المنورة ، ولاعتدال أجوائها شتاء .
لهذه العناصر الهامة كانت جدة مرشحة لتكون من أرقى وأجمل مدن العالم ، ولذلك أنفقت الدولة بسخاء لتكون جدة جديرة بهذا المطمح الذي تؤهلها له مميزاتها الأساسية .
فماذا حدث بعد ذلك ؟.
ما حدث هو أن تحولت نظرة الكثيرين إلى جدة إلى نظرة سلبية ومشوهة وغير واقعية من ناحية ، وتحولت جدة من ناحية أخرى إلى فريسة للنهب والفساد المالي والإداري .
فمن الناحية الأولى : كيف تكونت تلك النظرة السلبية في أذهان العامة ، وكيف تكوّن ذلك الاتجاه النفسي الذي ينطوي على الاعتقاد بأن الفساد الأخلاقي هو السائد في مدينة جدة ؟ ومن الذي عمل جاهدا على بناء هذه الصورة السلبية وبشكل مبالغ فيه لدرجة أن البعض يعتقد أن من يدخل جدة كأنما يدخل ملهى ليلي ومرقص للعري والرذيلة والفجور ؟ .
وبعد الكارثة أصبح البعض يتحدث ، تلميحا أو تصريحا ، عن الفساد الأخلاقي في جدة باعتباره سببا للكارثة ليتحول الربط بينه وبين الكارثة إلى أحاديث تتداولها العامة في مجالسهم وبعض منتدياتهم الالكترونية لتدعم بشكل قاطع ما كان قد رسخ في أذهانهم من قبل .
فإذا كان الفساد الأخلاقي والانحرافات السلوكية موجودة في كل مدن المملكة وكل مدن وشعوب العالم أجمع منذُ أن خلق الله البشر ولكن بنسب متفاوتة بغض النظر عن الثقافات والمعتقدات المختلفة لشعوب العالم فلماذا يحاول البعض صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية وراء كارثة جدة وما سيلحق بها من كوارث لا سمح الله في المدن الأخرى ؟ ، وهي أسباب باتت مشهودة للجميع تبدأ باحتكار الأراضي السكنية والاحتفاظ بها لدعم ارتفاع أسعار العقار أو تجزئتها – ولا أقول تخطيطها لأن التخطيط له مفهوم آخر لا يطبق فعلا في ما يسمى بالمخططات المعتمدة – ومن ثم بيعها بأسعار باهظة لمن يستطيع ومن لا يستطيع الشراء أو دفع الإيجارات المرتفعة يضطر للسكن في مواقع غير مصرح ( رسميا )
بالبناء فيها ومع ذلك تقام فيها العمائر والبيوت الشعبية ليل نهار على مرءا ومسمع من الجهات المسؤولة وبعضها لا خدمات بها ولا كهرباء ولا ماء ، وكثير منها تقام في بطون الأودية.. إذا الأسباب الحقيقة تبدأ بإشكالية العقار وأزمة السكن ولا تنتهي بسرقة عشرات المليارات المخصصة لإقامة البنى الأساسية .. فأين هذا الفساد المستشري وأبطاله من بعض المسؤولين عن المشروعات التنموية والبنى التحتية الضرورية والأساسية لنهضة وتقدم الوطن فضلا عن الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطنين ؟ وأين هذا من بعض السلوكيات المنحرفة التي لا تشكل ظاهرة اجتماعية مقارنة بظاهرة الفساد المالي والإداري ؟ وهل يعاقب الله تعالى البسطاء من أهل قويزة والكيلو 14 بما يمكن أن يفعله بعض أبناء الأحياء ( المرفهة ) مثل " بنطال سامحني يا بابا والذي رأى البعض أنه سببا في كارثة جدة ؟!!
هناك الكثير من التساؤلات ، ولكني اعتقد أن من أهمها :
لماذا يتجنب الكثيرون من الوعاظ والمحدثون والدعاة هموم الوطن والمواطن السعودي وإشكالاته التي تمس حياته ومصادر حاجاته الأساسية في الحياة وما يعانيه من تبعات وانعكاسات الفساد المالي والإداري ليس في جدة وحدها بل في كل مدن المملكة ؟
ولماذا لا يتمتع المواطن بتلك الحصانة التي يتمتع بها المسؤول ؟
فالمواطن أن أخطاء عوقب – كأن يضطر لدفع رشوة - وأن أخطأ المسؤول تحول المواطن إلى شماعة يعلق عليها خطأ المسؤول !! وأن وجد المسؤول نفسه ( مسؤولا ) عن خطأ ما بحث
عن كبش فداء يعصمه من الغرق ..
خلاصة القول .. اعتقد أنه لن يتغير شيء ما لم تتحقق مقومات العدالة الاجتماعية ومحاسبة ومعاقبة كل فاسد يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب الوطن والمواطنين ، وأن يتم " تجذير " ثقافة الفساد ومكوناتها الخفية التي لا يظهر لنا منها سوى :
- ضعف الرقابة والمحاسبة واقتصارها على صغار الموظفين .
- الأنظمة البيروقراطية الفاسدة والمنتهية الصلاحية منذُ أكثر من مئتي عام .
– نهب الأراضي وارتفاع أسعارها ، وانعدام التخطيط العمراني السليم .
- انحسار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء وهو ما دفع المواطنين للتكدس بالقرب من هذه الخدمات رغم فشلها وضعفها وانقطاعها بشكل مستمر .
- الشركات الوهمية ، والقيم المبالغ فيها وغير الحقيقية للمشاريع العامة - الشركات التي يملكها معظم المسؤلين الكبار والتي تحتكر لحسابها تنفيذ عقود العمل .
- عقود الباطن التي يجب أن تلغى نهائيا من النظام لأن المشروع العام يرسي على شركة ما بمئة مليون مثلا ولكن المنفذ دائما هم أصحاب عقود الباطن غير المؤهلين بأقل من ربع قيمة العقد وهي القيمة الحقيقية للمشروع ..
Turki2@yahoo.com
التعليقات (0)