مواضيع اليوم

جدار حماية

محمد قاسمي

2010-10-28 04:19:54

0

أقترح أن تؤسس الدول العربية هيئة قومية للمنع، لمواجهة الفضائيات العابرة للجدران ، والتقنية التي كشفت المستور، والإنترنت الذي أسقط ورقة التوت الأخيرة، .. ، والمدونات التي جعلت لكل مواطن مؤسسة إعلامية خاصة يكتب فيها ما يشاء، وبرامج التوك شو التي أصبحت تناقش كل شيء بدءا من طريقة إعداد السلطة، ومرورا بالفساد الحكومي ، وانتهاء بالتوريث، ونعيد مرة أخرى الرقيب بوجهه المكفهر العبوس ليمارس دوره في المؤسسات الإعلامية، وبذلك نضمن أن يضحك علينا العالم شرقه وغربه، لتنطبق علينا مقولة المتنبي التي أطلقها من 1100 عاما "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".

 

أنا في الحقيقة أشفق على الأنظمة العربية، لقد أصبحت التقنية مسمارا يؤرق الحكومات، ويعيق الجلوس المريح، لقد أعيت الأنظمة الحيلة، فكلما نجحوا في منع صوت، طلعت كالنبت الشيطاني بدلا منه .. آلاف الأصوات، وكلما اجتثت صحيفة، طلعت مئات الصحف، وكلما منعت قناة، ظهرت بدلا منها ألف قناة.

 

وبعد أن كانت القناة الحكومية الواحدة في السبعينيات المصدر الوحيد للأخبار، وكان يسهل من خلالها غسل الأدمعة وتوجيه الأمخاج، وتقنين الجهل ، أصبحت آلاف الفضائيات متاحة بضغطة زر، وأصبح الإنترنت يقدم ملايين الآراء والمعلومات ووجهات النظر، وأصبح الإعلام المفتوح ينقل الحدث في غمضة عين بكاميرا الجوال.

 

الوضع الآن في خطر، والتقارير تؤكد أن صورة النظام في العالم أصبحت "مش ولابد"، أحدهم اقترح منع الصحف، وآخر اقترح منع الفضائيات، وثالث طالب بعمل قانون للمدونات، وطالب رابع بمنع الفيس بوك،، معللا بما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه عند الأزمات يمكن منع مواقع التواصل الاجتماعي، وقال خامس " هذا لن ينهي المشكلة .. الحل في اختراع جديد يمنع التقنية، فالتقنية هي "أساس الفساد" .."، وطالب سادس باختراع جهاز جديد يحاكي أجهزة الكشف الحديثة في المطارات والتي تظهر الإنسان كما ولدته أمه، على أن تكشف هذه الأجهزة ما يدور في العقول..

 

هناك عدة نقاط تنسف حجج المنع من أساسها ، النقطة الأولى أن المنع قد ينجح في منع الرأي من الوصول إلى الناس عن طريق الإعلام ، ولكنه أبدا لا يقضى على الرأي ، لأنه يظل ثابتا لدى معتنقيه، وينتقل من شخص لآخر، فإذا افترضنا أن المنع استهدف رأيا خاطئا، ولو صح هذا الهدف، وافترضنا فعلا أن المنع يستهدف فكرة خاطئة مضللة، فإن المنع هنا لن يهزم الفكرة الخاطئة، ولكنه سيمنعها مؤقتا، لتعود مرة أخرى بشكل أكثر ضراوة.

 

النقطة الثانية هي : من يقرر أن الشيء الممنوع خاطيء، وماهو المعيار الأخلاقي الذي سيضعه؟، هناك من لديه معيار أخلاقي فضفاض جدا، لدرجة أنه لا يرى في ارتداء المرأة المايوه خروجا على الأخلاق، وعلى النقيض هناك من يؤمن بمعيار أخلاقي ضيق جدا، حيث يعتبر أن المرأة يجب أن لا يظهر منها إلا عيناها.

 

النقطة الثالثة هي أن المنع إذا أجزناه من حيث المبدأ ، سيكون ذلك بوابة لكي يمارس النظام السياسي المنع في جميع القضايا التي تسيء إليه، أي أن المنع هنا سيكون وسيلة للقمع السياسي، وربما يكون ذلك الهدف الأساسي غير المعلن للمنع.

 

النقطة الرابعة هي أن حرية الرأي مهمة وضرورية لإنشاء مجتمع سليم، ومن حق كل انسان أن يدلي برأيه مهما كان هذا الرأي، ومنع الانسان من هذ الحق اعتداء على حرية الانسان.

 

النقطة الخامسة هي أن الرأي من الأفضل أن يكون ظاهرا ومعروفا، من أن يظل مجهولا يعمل ويتحرك ، ويستقطب ، ويدمر في الخفاء؟، فالمرض إذا تم معرفته أو تحديد أعراضه ، سيكون ذلك بداية لعلاجه. أما المرض غير الظاهر، يظل مخفيا على الجميع ، ثم يظهر فجأة في مراحله الأخيرة، وعندها يستعصي العلاج.

 

النقطة السادسة أن التقنية تتطور كل يوم بل كل ثانية، ومن المؤكد أنه سيأتي يوم يصبح فيه البث الفضائي ترددات تتحرك في الهواء، دون أقمار صناعية أو أسلاك، ستظهر أجهزة تلفاز داخلها قطعة صغيرة تقوم بعمل القمر الفضائي، وبذلك تصبح عملية المنع مستحيلة.

 

النقطة السابعة أن من يريد أن يخطأ سيفعل ذلك بسهولة، لأن مصادر الخطأ كثيرة، والقنوات الإباحية متاحة بالمئات على الأقمار الصناعية الأجنبية، يشاهدها ضعاف النفوس، ويتجنبها الصالحون.

 

التقنية تقدم كل يوما اختراعا جديدا يجعل العالم أقرب، وأقرب، حتى أصبح العالم "شاشة جوال"، وهاهو موقع ألكتروني واحد مثل موقع "ويكيليكس" يحرج أكبر دولة في العالم بنشر آلاف الوثائق السرية حول غزو العراق وأفغانستان، ولاشك أن القادم لايمكن تصوره، ومن المستحيل أن نقف أمام سيل التطور ، وندفن رؤوسنا كالنعامة في الرمال.

 

المنع أسلوب عقيم ثبت فشله الذريع على مر السنوات، كان يجدي سابقا في عصر الصوت الإعلامي الواحد، عندما كان في كل بلد قناة تلفزيونية واحدة بالأبيض والأسود تملكها الدولة، ولكنه لا يصلح في عصر الفضاء المفتوح، والأخبار التي تنتشر كالفيروسات في الهواء.

 

الحل هو تحصين الأبناء ، وتعليمهم كيفية التفرقة بين الصواب والخطأ، وإحياء أداة منع داخلية مهمة وفعالة هي الضمير، .والضمير ـ بلغة التقنية ـ هو برنامج الحماية الفعال الذي يوضع داخل العقل فيمنع الفيروسات الضارة، عن طريقه يستطيع الانسان غربلة المعلومات ، ومعرفة الجيد من الرديء. النافع من الضار، .. وبذلك تتحقق الحماية الكاملة للفرد والأسرة والمجتمع.

الأمير كمال فرج




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !