جدار الحصار المصري لشعب غزة المسلم ... لماذا؟
مصعب المشرّف:
ماكان أحد عاقل أو مجنون وفي أسوأ الظروف والأحوال يتخيل أو يتوقع أن تعمد سلطات مصرية إلى إقامة جدار حصار وتجويع فولاذي أسمنتي بينها وبين دولة وشعب مسلم عربي آخر ..... لا بل وليس أي شعب وإنما الشعب الفلسطيني الأعزل المظلوم المغتصبة أراضيه والمغلوب على أمره جملة وتفصيلا . بل ووصل الأمر إلى المتاجرة بأعضاء أبنائه البشرية وبيعها في مزادات علنية لأعلى الأسعار داخل وخارج إسرائيل. وهو ما لم يتجرأ حتى النازي في ظلام الثلث الأول من القرن الماضي على إتيانه أو فعله من جرم إنساني مخجل يندى له جبين التاريخ على مدى العصور القادمة. .....
وللتذكير بتاريخ لم يمضي عليه الكثير ، فقد كان قطاع غزة قبل نكسة يونيو 1967م تحت الانتداب والحماية المصرية إثر الإنسحاب الإسرائيلي منه ومن شبه جزيرة سيناء في مارس 1957م ... وفي 16 مايو 1967م طالبت الحكومة المصرية على لسان جمال عبد الناصر بإخلاء قوات الأمم المتحدة (UNEE) لقطاع غزة ... ولكن سرعان ما إكتسحت إسرائيل القطاع في حرب يونيو 1967م وإحتلته من أيدي القوات المصرية ... وبالتالي فإنه تقع على الحكومة المصرية مسئولية أخلاقية وتاريخية خاصة تجاه قطاع غزة وأهله وبما يستلزم إلتزامها بالحفاظ على حقوقهم وصيانتها لأمنهم وإستقرارهم بدلا من المساعدة على حصارهم وتجويهم لمصلحة الصهاينة.
والمؤسف أن الرئيس المصري السابق أنور السادات وعند مفاوضاته مع الصهيوني رجل العصابات مناحيم بيجين في كامب ديفيد من أجل إستعادة سيناء. لم يفكر أو يرغب في إجهاد نفسه للمطالبة بإعادة القطاع من فوره إلى أهل فلسطين أو تحت الحماية المصرية وفق ما كان عليه الحال عشية النكسة . وذلك على الرغم من المسئولية التاريخية والأخلاقية التي تستوجب ولا تزال مسئولية مصر الكاملة عن هذا القطاع منذ أن وضعت عليه يدها خلال حرب 1948م.
والآن تتخلى الحكومة المصرية بشكل مثير للتساؤل والاستغراب عن أهل غزة من الفلسطينيين أجمعين. وهي تحسب أنها بذلك تعاقب السلطة الحمساوية وتجبرها على الخنوع وتقديم تنازلات مجانية على الطريقة العباسية لإسرائيل نتنياهو وليبرمان. أو أن يؤدي في حال إصرارها على الصمود في وجه الصهاينة إلى إسقاطها خاوية على عروشها .....
ولا غرو أن كثير من العرب قد تناسى أن مثل هذه الأساليب التي إتبعتها الإمبريالية العالمية سابقا ضد شعوبهم لم تفلح ولم تأتي بأكلها ولم تسقط أنظمة بقدر ما ساهمت في إتقاد شعلة الوطنية والعروبة وكرست زعامات نضالية تاريخية بوزن عبد الناصر وحسن نصر الله وحافظ الأسد وصدام حسين .... وأما في بلدان وظروف أخرى ومنها حالتي ليبيا والعراق على سبيل المثال فإنها لم تساهم سوى في قتل الأطفال وتجويع النساء وكبار السن.
..... ربما يكون شيمون بيريز ونتنياهو وشارون وشاؤول مفاز ومن خلفهما الصهيونية ، ثم بوش الإبن ودونالد رامسفيلد ومن ورائهما المحافظين الجدد .... ربما يكون هؤلاء لهم دينهم وديدنهم وأصولهم العرقية البعيدة كل البعد عن أية مسئوليات أخلاقية وتاريخية ودنيوية تجاه العرب والمسلمين من أعدائهم وفق تصنيفهم لنا ....... والجدار الفولاذي في حد ذاته ومفهومه ومقصده واضح أنه فكرة أمريكية إسرائيلية سبق بناؤه من قبل في فلسطين المحتلة على يد شارون ثم تكرر بناؤه في بغداد على يد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد.
ولكن ماذا عن عرب ومسلمين ساسة ومشايخ في مصر يذهبون هذا المذهب الغريب العجيب المريب في مواجهة شعب عربي مسلم جار . دون أن تطرف لهم عين أو خوف من الله. ودون إعتبار لوصايا رسوله صلى الله عليه وسلم . وتناسيا عن عمد لحقيقة أن دم المسلم على المسلم حرام وعرضه وماله وأمنه .... وأن قتل مسلم واحد ظلما أشد على الله من هدم الكعبة المشرفة؟
حسنا .... قد يدفع البعض أنه يجب عدم الخلط بين الدين والسياسة ... ولكن هل يعني ذلك إنتفاء المسئولية الفردية والجماعية أمام الله عز وجل عند إتخاذ القرارات المتعلقة بحياة الشعوب أو جزءا منهم؟؟ وهل تبرر السياسة تجويع الخلق وإهلاك الحرث والنسل؟؟؟ وهل تكفي فتوى خوف على المنصب صادرة من موظف حكومي بدرجة شيخ الجامع الأزهر لإخلاء المسئولية أمام الله؟؟؟
هل تعتقد الحكومة المصرية أن حصار الجدار الفولاذي لغزة سيجوع من جرائه إسماعيل هنية وخالد مشعل أو حتى الجندي العادي من فصائل المقاومة في حماس؟؟؟
وحيث أن إقامة هذا الجدار لا يشكل سوى حماية ودفاع عن الطفلة المدللة إسرائيل. فإنه لا يوجد على الأرجح سبب مقنع من بناء هذا الجدار المكلف والمرهق لخزائن الحكومة المصرية الخاوية بل وإقتصادها المتباطيء النمو وميزانيتها التي تعاني الأمرين من العجز حاليا؛ سوى أنه خضوع لتعليمات أمريكية أوروبية حازمة مشددة وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور هذه المرة ليس أقلها قطع شرايين المعونات السنوية والإسعافية والإنعاشية . وبما يعني إثارة الشارع المصري وتكرار إنتفاضة الخبز التي واجهها السادات من قبل وأطلق عليها مسمى "إنتفاضة الحرامية"....
وقطعا ستتحمل الولايات المتحدة التكاليف المباشرة وغير المباشرة . ثم وأضعاف ذلك سواء عبر زيادة الرقم الحالي للمعونة السنوية ، والإعانات الغذائية المتمثلة بشكل أساسي في القمح الذي يمثل منه الرغيف أو (العيش) والمعكرونة عصب المائدة المصرية .....
يتبقى بعد ذلك مسخرة ومسلسل الفتاوي إياها التي تصدر من الجامع الأزهر الذي أصبح ركوبة وشخشيخة وألعوبة ليس في أيدي الحكومة المصرية وحدها ، بل والإسرائيلية والبيت الأبيض والإتحاد الأوروبي والقوى العلمانية على حد سواء . وهو الأمر الذي أدى به إلى فقدانه كل معناه وإحترامه وهيبته في العصر الراهن بل ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي المواكبة لإتفاقيات كامب ديفيد.
ومن ثم فقد نشأت بدلا عنه مراكز فتوى في قطر وباكستان والعراق بل وفي داخل الأزهر تشكلت هيئة فتوى موازية تحت مسمى "جبهة علماء الأهر" بنت مصداقيتها من خلال العمل بعيدا عن قواعد وروتين الوظيفة الحكومية ومسئوليتها التي بات يعمل بها شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية المثير للجدل حاليا.....
وقد أكد الشيخ القرضاوي بحرمة بناء هذا الجدار . كما أفتت "جبهة علماء الأزهر" بحرمته بل وذهبت إلى أن الفتوى التي صدرت من "مجمع البحوث الإسلامية الحكومي" غير شرعية لأنها تتناقض مع قرارات سابقة لمجمع البحوث الإسلامية الحكومي نفسه صدرت في العامين 1965م و 1970م حث فيها على الدفاع عن فلسطين وتقديم المساعدات لهم.
ثم وأنه إذا كانت مشيخة الأزهر تحلل بناء الجدار الفولاذي بزعم أنه يحمي حدود مصر الشرقية من الأعداء ، فإن السؤال المطروح هو هل الشعب الفلسطيني العربي المسلم هو عدو مصر؟ أم أن إسرائيل هي العدو الإستراتيجي التاريخي لها منذ إنشائها أواخر الأربعينيات من القرن الماضي وحتى يوم زوالها المحتوم قريبا بإذن الله تعالى ؟ .... وطالما كان الأمر كذلك فلماذا لا تقيم مصر جدار فولاذي على الحدود الشرقية بينها وبين إسرائيل (حسب الموضح في الخريطة المرفقة) من رفح مرورا بصحراء النقب وحتى طابا ؟؟؟ .......... وهل نحن في عصر الجيوش التي تحارب بالخيول والسيوف السهام والرماح حتى تكون الجدران هي الواقي من الأعداء المسلمين (الفلسطينيين) وهجومهم؟؟؟ ...... اي منطق وأي ضحك على الدقون وإستهتار بالعقل تذهب بنا إليه مشيخة الأزهر الحكومية هذا ؟؟
ولكن الذي يجب أن لا يغيب عن الأذهان أن الجامع الأزهر وموظفيه الحكوميين لايمتلكون صكوك غفران أو حق إلهي يقفزون به فوق كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .... وبالتالي فإن فتوى هذا الجامع لا تعني بأية حال من الأحوال تحليل حرام حرمه الله ورسوله . أو تحريم حلال حلله الله تعالى ورسوله ..... ومن ثم فهي لا تعفي متخذ القرار من مسئولياته أمام الله عز وجل قبل الخلق والنفس اللوامة أو الأمارة بالسوء على حد سواء.
بل أنني على قناعة يقينية بأنه لو إستفتت الحكومة المصرية البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريارك الكرازة المرقسية في إقامة هذا الجدار لحصار المسلمين في غزة لمصلحة اليهود ، لأفتى لهم من فوره بحرمته تماما كما أفتى لهم قبل ذلك بحرمة السفر إلى إسرائيل ...... والسبب يعود بالطبع إلى أن منصب البابا في الأسكندرية لا يتم الوصول إليه بالتعيين الحكومي وإنما بإنتخاب الكرادلة فقط . كما لا يمكن عزل البابا بأي حال من الأحوال . وهو ما يختلف عن حال شيخ المشيخة وكبار هيئة علماء الجامع الأزهر الذين يخضعون جميعا بمن فيهم شيخ المشيخة للتعيين والإقالة معا من جانب رئيس الوزراء بمجرد التوقيع على القرار .... ولأجل ذلك عادة ما يضع هؤلاء أياديهم في جيوبهم وفوق أمعائهم وتـجـحـظ عيونهم نحو مصالحهم الدنيوية الشخصية عند الطلب منهم إصدار الفتاوى لمصلحة الحكومة أو ضد المعارضة السياسية.
إن الفتوى التي أصدرتها مشيخة الأزهر إنما تعني بكل وضوح أنه يحل للمسلم حصار المسلم وتجويعه وإرهاقة وقتل أفراد وجماعات منه نتيجة لهذا الحصار بهدف إجباره على الإستسلام (بنحو خاص هنا) لمشيئة اليهود أعداء الله وقتلة الأنبياء والرسل والذين لا يزال جنودهم يسيئون للمصحف الشريف بوضعه تحت أرجلهم وفي مراحيضهم ...
ومن ثم فلاشك أن مخرج هذه الفتوى ومن وقع عليها سيسأله الله عنها في قبره صباح مساء قبل مبعثه ثم يوم الحساب والموقف العظيم لأن كثير من أرواح المسلمين الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن من أبناء فلسطين ستزهق من جرائها ويذهبون ضحايا لها.
التعليقات (0)