من أحياء سلا الفقيرة والمتواضعة إلى جامعات ومعاهد الرباط المتناثرة بين فضائتها المتباعدة، نفس المسافة التي يقطعها آلاف السلاويين كل يوم، بنفس المعاناة والأزمات. المتواصلة الرابطة بين محطات الحافلات من العاصمة الإدارية وعدوتها سلا. طوابير طويلة من الطلبة الذين يُفرض عليهم انتظار هذه الحافلة أو تلك لساعات قاسية، ولا يهم إن كانت تسير في نفس الخط المأمول، الذي يربط هذه الجامعة أو ذلك المعهد بهذا الحي السلاوي أو ذاك، فالمهم أن يغادر الآلاف من الطلبة شوارع الرباط الباردة، قبل أن يسدل الظلام ستاره فينقطع حبل الوصل إلى أقرب نقطة في سلا. يعيش الطلبة الذين يقطنون بمدينة سلا مأساة حقيقية ومسلسل معاناة لا تنتهي مع وسائل النقل العمومية التي تربط بين سلا والرباط، وتتسبب هذه المعاناة في غالب الأحيان إما في انقطاع عدد من الطلبة عن الدراسة الجامعية، وفي أحسن الحالات في غيابهم المستمر عن مدرجات التحصيل، وهو ما يعيق مسارهم الدراسي، ويؤثر في نهاية المطاف على نتائجهم الدراسية.. متاعب وسائل النقل تدفع الطلبة السلاويين بجامعات الرباط إلى الاستيقاظ باكرا، وهذه واحدة من الحقائق التي وقف عليها ، بل يضطر الآلاف من الطلبة القادمين من سلا مغادرة نعومة فراش النوم الهادئ قبل الساعة السادسة صباحا، ولاحظوا كيف تبدأ معاناة الدراسة ساعتين ونصف قبل موعد بداية الدرس، وكيف أن طلبة المدارس والمعاهد العليا يعانون أكثر من طلبة الجامعات، لأنهم يضطرون لقضاء يوم كامل في برنامج دراسة مكثف، عكس طلبة الجامعات، الذين لا يدرسون سوى أربع ساعات في اليوم، ويضطر طلاب المعاهد إلى البقاء في مدينة الرباط لأكثر من عشر ساعات، بالإضافة إلى مدة التنقل التي قد تصل إلى أربع ساعات ذهابا وإيابا، مما يرهق كاهل الطلبة ويؤثر على مردودهم الدراسي. وعلى الرغم من أن سكان مدينة سلا استبشروا خيرا في تولي شركة أجنبية ـ سطاريو ـ الإشراف على خطوط حافلات النقل الرابطة بين المدينتين بعد سنين طويلة من المعاناة مع الشركات الخاصة المغربية التي لم تحسن تدبير هذا القطاع الهام والحيوي بالمدينة، إلا أن الآمال خابت والمعاناة زادت، إذ لم تضف هذه الشركة الأجنبية أي شي يذكر، وظل الوضع على ما كان عليه، اللهم إضافة بعض الحافلات الجديدة إلى الأسطول الموجود دون أن تستجب بدورها إلى مستوى الطلب المتزايد. وما زاد في قساوة هذا الوضع هو دخول مستخدمي هذه الشركة في إضرابات مستمرة بعد تسريح مجموعة منهم وعدم استجابة الشركة إلى مطالبهم، الشيء الذي يشل حركة النقل بين المدينتين ويضاعف متاعب المواطنين، خاصة الطلبة الذين يضطرون إلى التنقل عبر النقل المزدوج أو في سيارات النقل غير الشرعي التي تعرف في القاموس الشعبي بـ"الخطافة". محمد، طالب بجامعة محمد الخامس للآداب والعلوم الإنسانية بالرباط شعبة الأدب الانجليزي، ويقيم بقرية أولاد موسى بسلا، يتحدث بمرارة عن معاناته المستمرة مع وسائل النقل العمومية، التي أجبرته الموسم الفارط على الانقطاع عن الدراسة في منتصف الموسم:" إن "الطوبيسات" مشكل كبير للطلبة، حيث نضطر إلى الاستيقاظ باكرا، وإذا تأخرنا، يصعب علينا الوصول في الوقت المناسب إلى مدرجات الجامعة، لأن الحافلة تكون مكتظة بالركاب، وغالبا ما لا يتوقف السائق في كل المحطات"، ويضيف محمد الذي كان متعبا:" الازدحام والمشاجرات والكلام الساقط كلها مظاهر نواجهها في كل رحلة، الشيء الذي يؤثر على أعصاب الطلبة، فيصلون إلى مدرج الجامعة بمزاج سيء، وهذا ما يؤثر بدوره على مستوى تركيزهم وانتباههم للمحاضرة". كوثر، وهي طالبة في كلية العلوم بالعاصمة الإدارية للبلاد، تكشف عن وجه آخر من معاناة الطالبات مع الحافلات الرابطة بين سلا حيث يقطن والرباط حيث يدرسن، وذلك حينما تشهر أمامنا ويلات التحرش الجنسي الذي تقاسين مصائبه النفسية والمعنوية كل يوم:"إننا نتجرد من أنوثتنا، ونضطر إلى الازدحام مع الذكور، وهي الوضعية التي يستغلها البعض ليتحرش بنا بتصرفات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قبيحة". ليس هذا سوى نصف الكأس المملوء لمعاناة كوثر، وهي نموذج ليس إلا للمئات من زميلاتها مع مآسي النقل وما يرافقه من معاناة التحرش، أما النصف الآخر فإنه عبارة عن صورة قاتمة رسمتها لموقعنا حينما أخبرتنا أن العشرات من زميلاتها اضررن للتوقف عن الدراسة، فهل من حل؟ تصرخ كوثر وهي تصر على أن تشرح أن مشكل النقل ليس سوى نقطة في واد من القضايا الاجتماعية، التي تقض مضجع زميلاتها في مدينة سلا:"هل تعرفون أن مدينة سلا تفوق العاصمة الرباط من حيث عدد السكان؟ طيب، هل تعرفون أنها لا تتوفر إلا على ملحقة تابعة لجامعة محمد الخامس للعلوم القانونية والاقتصادية؟ وهل تعلمون أيضا أن جل طلاب هذه الملحقة بما في ذلك أطرها التعليمية يعانون من رداءة تجهيزاتها ومعداتها البيداغوجية، بالإضافة إلى ارتفاع حالة الإكتضاض بسبب قلة القاعات والمدرجات، ناهيكم عن أنها تبعد عن التجمعات السكانية بكثير؟"
التعليقات (0)