جتنا نيلة في حظنا الهباب
قالوا لنا ( يا ولاد ) ان مصر حتى يوم 22 يوليو/تموز عام 1952 كانت غابة .. كانت الناس بتموت من الجوع .. و الفساد بحر كبير وغرقت فيه البلد .. و ان كل المسئولين في مصر كانوا مجموعة من اللصوص (بيمصوا دم الغلابة ) .. و غياب العدالة الإجتماعية أدى إلى دمار الطبقة الوسطى و إختفائها تماماً..و ان من كان يفتح فمه بكلمة في مصر يذهب لما وراء الشمس ولا يظهر مره ثانية لأهل الأرض .. و المواطن ( ياعيني ) مش عارف يلاقيها منين ولا منين ..و أن مصر حتى فجر يوم 23 يوليو لم يكن بها لا تعليم ولا صحة ولا جيش ولا حرية ولا كرامة ولا طعام للمواطن المسكين .. و ان الملك الذي كان يحكم مصر ( فاروق ).. كان ظالم جبار عنتيد ( فاجر ) خائن .. متآمر على مصر و فلسطين و العروبة .. و انه أعطى الجنود المصريين أسلحة فاسدة في حرب 48 ( النكبة ) ليخدم اليهود ( عميل و خائن ) .. و ان المصريين في عهده لم يكن عندهم كرامة و لا عزة نفس و كانت فترة حكمه هي النقطة السوداء في تاريخ مصر الناصع .. الذي كانت تملأه الديمقراطية و الحرية و الحياة المية مية .
كل هذه المعلومات كانوا يطعموننا اياها مع كل وجبة أكل يومياً .. في الأغاني و الأفلام و المسلسلات و الكتب و المناهج و الصحف .. حتى التاريخ ( ياولاد ) حتى التاريخ قال لنا هذه المعلومات بالحرف الواحد .. و التاريخ كمان قال لنا ان الضباط الأحرار الأطهار الشرفاء بعد إنقلابهم في اليوم إياه 23 يوليو إتحد معهم الشعب و أيدهم فتحول الإنقلاب إلى ثورة .. و ان الضباط هم من قاموا بتنظيف البلد من الخونة و العملاء و بقايا النظام السابق وأذناب الإمبريالية و الإستعمار ( لم يكن عندهم فلول ) … و كمان قالو لنا انه قبل اليوم الموعود إياه ان البلد كان فيها كام حزب سياسي مالهمش لازمة لأنهم كانوا في خدمة الملك .. و كمان كان فيه كام رجل أعمال أصحاب مشروعات عملاقة كانوا حرامية و أكلين أموال الغلابة و بيتقاسموا مع الملك الحرامي اللي سرق الشعب .. و كمان في جماعة دينية تعمل في السياسة بإسم الدين وخربت الدنيا إسمها الإخوان المسلمين .. و كمان كان في مجموعة صحف تصدر في مصر كلها منافقة و كانت تنافق الملك الخسيس الزنديق .. و عليه قام الضباط الأحرار ( مشكورين) بحل كل الأحزاب في مصر .. و تأميم كل المشروعات العملاقة .. و تقسيم الأراضي الزراعية على الفلاحين المساكين .. و حظر جماعة الإخوان المسلمين .. و إغلاق كل الصحف و مصادرتها .. و كمان قالوا لنا إن الديمقراطية دي كلمة قبيحة ( ولا مؤاخذه ) و ان المصريين رفضوا هذه البدعة التي إسمها الديمقراطية بشدة .. لدرجة ان الشعب خرج في مظاهرات يقول لا للديمقراطية .. و ان رجال الدين قالوا عنها انها كفر و العياذ بالله .. و الأطباء وصفوها بأنها حاجه كده شبه الجدري أللهم ما احفظنا.. و هكذا تم مصادرة مصر بختم النسر لصالح الضباط .. و ركب الشعب المصري كله ( الحلزونة ) من وقتها حتى اليوم .
و بعد فترة كبيرة قوي كده .. إكتشفنا (ياولاد ) انه في تاريخ تاني غير التاريخ الأولاني .. تاريخ بيقول ان الملك ماكانش فاجر ولا خائن و لا ظالم ولا زنديق ولا حرامي .. تاريخ يقول ان الملك تنازل عن الحكم طواعية لكي يحمي مصر من حرب داخلية كانت تنتظرها بريطانيا لتعود لسدة الحكم بعد ما انحسر دورها في رعاية مصالحها في السويس ( القناة ) .. تاريخ يقول ان الملك كان يحب مصر بشدة و أنه كان وطني على حق .. تاريخ يقول ان الأحزاب في مصر ( الوطني – الأمة – الوفد - الشيوعي المصري – الإصلاح – النبلاء - الدستوري – الوطني الحر – المصري – الأحرار الدستوريين – السعديين - مصر الفتاة – العمال – الجمهوري – الإتحاد – الشعب – الحركة الديمقرطية للتحرر الوطني ( حدتو ) – الإشتراكي المبارك) كل هذه الأحزاب كانت تمثل حياة ديمقراطية قوية في مصر و كان لهم لازمة جداً .. و ان البلد كانت بها ديمقراطية أقوى من الديمقراطية الموجودة في بلدان كثيرة في الغرب .. و ان وجود حزب مثل حزب الوفد المعارض في سدة الحكم كان يمثل ظاهرة الليبرالية بقوة في الحياة السياسية في مصر قبل ثورتها .. خاصة في ظل وجود أحزاب تدعم الملك و القصر مثل حزب الإتحاد برئاسة يحيى باشا إبراهيم .. و كذلك حزب الشعب برئاسة إسماعيل صدقي باشا .. و كذلك الحزب الوطني الحر الذي كان يناصر الإنجليز و كانت جريدته ( المقطم ) خير شاهد على ذلك .
و كذلك ( ياولاد ) قال لنا التاريخ التاني .. ان رجال الأعمال الذين كانوا قد أقاموا مشروعات عملاقة كانوا رجالاً و طنيين جداً .. و قد اقاموا هذه المشروعات لخدمة الإقتصاد المصري أمثال عبود باشا و عبد اللطيف ابو رجيلة و غيرهم كثيرين .. و كمان قال لنا التاريخ التاني ده ان مصر كان فيها رجال امن شرفاء أوفياء و كان فيها ضباط و افراد جيش وطنيين لأبعد الحدود .. وان الصحف أيامها كانت هي لسان حال المصريين و كانت أغلبها صادقة و تعبر عن الشارع السياسي بحق .. و انه كان في إستقرار كبير جداً في مصر .. و كانت باريس تحلم بأن تكون مثل القاهرة .. و كانت الثقافة المصرية تغزو كل العقول العربية و الغيرعربية .. و كان عميد الأدب العربي من مصر ( طه حسين ) و كانت افضل مطربة في الوطن العربي مصرية ( ام كلثوم ) و كان افضل مطرب و موسيقي في الوطن العربي من مصر ( محمد عبد الوهاب ) و كان أفضل فنان مسرحي في الشرق من مصر( يوسف وهبي ) و ان أفضل كُتاب و مؤلفين و شعراء في الوطن العربي كانوا من مصر ( أحمد شوقي ).. و ان افضل محاربين في الوطن العربي كانو من مصر ( البطل احمد عبد العزيز ) و افضل علماء في الوطن العربي كانوا في مصر ( مصطفى مشرفة ) و افضل صحافة في الوطن العربي كانت في مصر ( أخبار اليوم ) و ان افضل تعليم و جامعات في الوطن العربي كانت في مصر ( جامعة فؤاد/القاهرة ) و ان أفضل رجال دين في الوطن العربي كانوا من مصر ( محمد عبده ) و ان أكبر قبلة للتعليم الديني الراقي الوسطي المعتدل في العالم كانت في مصر ( الأزهر الشريف ) و أن أشهر رجل سياسي في الوطن العربي كان من مصر ( سعد زغلول ) و ان الشعب العربي الوحيد الذي قام بثورة كسر فيها يد الإحتلال كان هو الشعب المصري ( ثورة 1919 ) و إن و إن و إن و إن …….. و إن مصر كانت فعلاً أم الدنيا .
و الأن أنا مش عارف أصدق التاريخ الأولاني و لا التاني .. لأني لو صدقت التاريخ التاني ها اكتشف ان انا و غيري ملايين كنا بهائم لأننا سمحنا لأحد بأن يضللنا كل هذه السنين و وافقنا و إرتضينا .. و لو صدقت التاريخ الأولاني هاتأكد ان انا و غيري ملايين مازلنا بهائم و نصدق أي شئ حتى ولو كان غير منطقي لأن الأمر ببساطة أن الحياة بعد 23 يوليو أكملت ما قد بدأ قبل هذا اليوم و لم تبدأ من الصفر في أي شئ .. بل هناك أشياء كثيره وصلت فيها من القمة إلى الصفر .. مثل الديمقراطية التي إختزلت كل الأحزاب التي كانت موجوده في شئ هلامي إسمه الإتحاد الإشتراكي و هو عبارة عن مؤسسة إستخباراتيه شغلتها التجسس على النشطاء السياسيين .. و الأمن صار بيد قراقوش و ان من كان يحلم بأن يفتح فمه بكلمه كان عليه ان يودع اهله لأنه ذاهب فعلاً إلى بلاد ماوراء الشمس ..و الجيش الذي قام بالثورة تفتت و إنكسرت شوكته و إنحنت رأسه في أكثر من مكان أشهرهم سيناء في ما يعرف بالنكسة ( 67 ) .. و الفن و الأدب كله أصبح في خدمة الدولة ورئيس الدولة .. الصحف كلها تمت مصادرتها و توقفت عن العمل و لم يبقى منها إلى صحف النظام ( الصحف القومية ) .. رجال الدين اصبحوا رجال السلطان .. صحيح كانت هناك خبطات إعلامية خطابية كبيره كانت تعرف بإسم الإنجازات و لكن لم يشعر المواطن إلا بمزيد من الحزن و الأسى على أيام الملك .
و الأن هل سيعيد التاريخ نفسه معانا أم سيتغير .. يعني يارب إحنا كده المصريين في الحزن نبكي و في الفرح برضه نبكي .. يعني بعد الثورة و تغيير النظام و سجن أركانه و كل هذا الإنجاز العظيم نبقى مش عارفين نفرح ولا نبكي ؟؟
جاتنا نيله في حظنا الهباب.
التعليقات (0)