هل يمکن التصور أن دولة صغيرة مثل الکويت و لها سابقة مرة مع العراق ليس من السهولة نسيانها، أن تتجرأ عمدا او من دون أية قرائن و إثباتات الى التحرش بنظام سياسي مثير للجدل في العالم کله کالنظام الايراني؟ هل من الممکن أن تکون قضية شبکة التجسس الايرانية التي کشفت أمرها مؤخرا في الکويت و حکم على ثلاثة أعضاء منها بالاعدام، أن تکون مجرد قضية مفبرکة من نسج خيال اجهزة الامن الکويتية؟ وهل أن إقدام السلطات الکويتية على طرد ثلاثة من الدبلوماسيين الايرانيين بتهمة الاخلال بأمن الکويت، کان إجرائا إعتباطيا لايستند على أية مقومات؟ هل يعقل أن تغامر الکويت و تلقي بنفسها في آتون خلاف عميق مع نظام ترى العديد من الاوساط السياسية المتباينة انه يشکل خطرا جديا على الامنين الاقليمي و العالمي لمجرد مسألة واهية ليست لها جذور او أهمية خاصة من نوعها؟
ان التطورات الدراماتيکية التي باتت تشهدها العلاقات الکويتية ـ الايرانية، باتت تشکل مسألة ملفتة للنظر و تدفع للتمعن في خلفيات و أبعاد الجذور الاساسية للعلاقات المتباينة بين دولة الکويت و الجمهورية الاسلامية الايرانية و التي سبق وان جابهتها تحديات صعبة خصوصا في عقد الثمانينيات من الالفية الماضية، لکنها و بسبب من حساسية الاوضاع السياسية وقتئذ و المعادلات السياسية القائمة، ناهيك عن السعي المفرط لدول الخليج لتجنب أية مواجهة من شأنها أن توتر العلاقات مع طهران و تدفعها في سياق غير محمود العواقب، ولطالما فسرت العديد من المراقبين و الاوساط السياسية الصبر الخليجي بشکل عام، بأنه کان من باب الرهبة من النظام الايراني و عدم الاستعداد لمواجهته تحت أي طائل کان، لکن، وبعد التطورات و التغيرات السياسية التي مرت او استجدت على المنطقة، و بعد أن شهدت المنطقة نوعا ملفتا للنظر من التحولات غير المسبوقة و التي بسبب منها تغيرت العديد من المعادلات السياسية القائمة، وبعد أن بدأ المشهد الايراني نفسه يهتز من الداخل بعنف و تزداد التکهنات و التوقعات و التحليلات بشأن آفاق و تداعيات تلك الهزات الاجتماعية التي باتت تواجه نظاما طالما إدعى بأنه يمتلك قاعدة شعبية عريضة و تهکم على معظم الانظمة السياسية في المنطقة بإفتقادها للشرعية السياسية و الشعبية، بدأت جبال الرهبة تذوب کجليد أمام أشعة شمس ساطعة و طفقت دول الخليج رويدا رويدا تميط اللثام عن جانب من المستور بينها و بين هذا النظام ولعل المطالبة الصريحة لدولة الامارات العربية بإعادة الجزر الثلاثة إليها و من بعدها التوترات التي طرأت على العلاقات البحرينية الايرانية على خلفية الحراك الشعبي في البحرين و ثمة دور إيراني بهذا الصدد، إضافة الى الاعلان عن کشف شبکة تجسس إيرانية في الکويت و ماأعقبه من صدور أحکام الاعدام بحق ثلاثة أعضاء منها و طرد دبلوماسيين إيرانيين متورطين بأمور تلحق أضرارا بأمن الکويت، کل هذا کما يبدو کان أکبر من مجمل توقعات النظام الايراني، و لأجل ذلك بادر الى نوع من التصعيد الملفت للنظر ضد المملکة العربية السعودية في شخص الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وکأنها تريد ان تبعث من خلال ذلك برسائل للدول الخليجية الاخرى مفادها بأنها تراقب کل شئ و ستفتح کل ملف على حدة، غير ان طهران المثقلة اساسا بهموم و مشاکل و ازمات متباينة على مختلف الاصعدة بدأت تدرك جليا بژنها تواجه موقفا صعبا في الخليج وأنها ومن خلال الرد السريع و الحاسم لوزير الخارجية السعودي على التصعيد الايراني، والذي أکد للجميع من أن الامور باتت تجري في السياق الذي کان لابد لها أن تکون فيه منذ ثلاثة عقود من الزمن، وان طهران لم يعد بوسعها و في ظل الظروف الصعبة الحالية التي تعصف بها أن تتمکن من مسك العصا من أکثر من طرف"کسابق عهدها"، ولکن مشکلة النظام الايراني الان تکمن في أن العديد من الاوساط اليمينية الايرانية تنظر بتهم و إشمئزاز بالغين لما آلت إليه مسار العلاقات الايرانية مع العديد من الدول الخليجية، في الوقت الذي تصر المعارضة الايرانية من جانبها أن مايحدث هو حاصل تحصيل أخطاء کبيرة متتابعة من جانب النظام الايراني نفسه وانها لوحدها تتحمل وزر و عواقب أخطائها الاستراتيجية.
التعليقات (0)