جبران خليل جبران أسم لا يمكن أن تنساه الذاكرة وعندما تلمح عيناى مجرد أسمه تستريح نفسى من المشقة الكبيرة التى نعانيها فى سماع الأخبار وقراءة المقالات والدراسات التى أصبح الإرهاب ولغة الكراهية هى السمة الغالبة على عالمنا الثقافى والمعرفى.
طغت أسماء كثيرة بل أصبحت أسماء يومية تصافح الناس بوجوهها ولغة البغض والدمار الذى تصنعه على أسماء مثل جبران خليل جبران وهى أسماء أستحى من وضعها فى مقال عن جبران خليل جبران لأنها أسماء تشوه صورة النقاء والصفاء الذى تجلبه روح جبران الإنسانية التى تأخذك معها لتحلق فى سماء الملائكة بعيداً عن فضاء الشياطين الذى يحاصر وجودنا اليومى.
ليس غريباً أن يحتفل معهد أمريكى عربى بتوزيع جوائز جبران خليل جبران " روح الإنسانية لسنة 2006 " ، لكن الغريب أن تخلو بلادنا العربية من هذا النوع من التكريم والأحتفال والغريب أن يكون مثقفى العرب يعيشون على غذاء الدين والسياسة ولا وجود للثقافة الحقيقية الفاعلة مكان فى عالمنا العربى المعاصر.
رقى الفكر والمشاعر ورقة الفكرة والمعالجة الشاعرية الإنسانية التى تغمر كتابات جبران وغيره من أدباء المهجر ، تستوقفنا وتجذبنا إليها لما تحتويه من صدق وقتاعة بالفكرة التى يكتب من أجلها وبالحرية التى يعبر بها عما يجيش فى صدره وفى عقله دون الخوف من مصادرة كلمة أو عبارة أو كتاب ، دون الخوف من كلمة قد يفهمها البعض خطأ أو يسيئون فهمها عمداً لخدمة تجارتهم .
عندما كنت فى المرحلة الإعدادية وكنت أقرأ مجلات الهلال القديمة وكتاب النبى وحديقة النبى وغيرها من الكتب التى أقتناها أبى ، كنت أتتلمذ حقيقةً على يد تلك الكوكبة من الأسماء الكبيرة التى أنحسر بل وأنعدم فكرها ودورها وتأثيرها فى بنياننا التعليمى والفكرى والإنسانى حيث لا توجد ذكرى ولا يوجد ذاكر ، مازلت حتى الآن أشعر وأتنسم عبق تلك الكتابات الرائعة التى داعبت خيالى بروحها الإنسانية .
نحتاج إلى إحياء روح الإنسانية فى الإنسان العربى الذى يتغرب يومياً فى مجتمعاته بأسم الثقافة الدينية والتى تحاصره وتعمل على إلغاء ما " يزعجها " من ثقافة مصر الطبيعية ثقافة الإنسان وحضارته ، تلك الثقافة المصرية التى يراها المثقفون تغرب شمسها وهم لاهون عنها بألاعيب كثيرة ، نحتاج أن نستعيد تاريخ رواد النهضة والثقافة الإنسانية فى مصر وفى عالمنا العربى ، هؤلاء الرواد الذين بفضل إنجازاتهم الأبداعية يمكننا الآن أن نستعيد جزءاً من تلك الأبداعات نستلهم منها روح الإنسانية المفقودة فى مجتمعنا العربى وكيف لنا أن نجد فى سيرة وأعمال هؤلاء المفكرين الكبار طريقاً للرقى بفكر الإنسان للخروج من الهاوية التى تحاصر روح الإنسانية.
أتذكر قولاً قاله المفكر الفرنسى روجيه جارودى " إذا لم يتحمل المثقفون مسئوليتهم ، فليلقوا بأنفسهم فى النيل "، ومضت سنوات على مقولته ولم أجد أحداً يلقى بنفسه فى النيل ، لكن الذى نراه بأن الذين يلقى بهم فى النيل وفى البحر الاحمر والمتوسط وفى كل بلاد العالم هم نتاج ثقافة الظلام التى ترفض أن يكون للإنسان قيمة ، بل تصر أن يكون الإنسان شيئاً يباع ويشترى فى تجارة الرابح الأول والأخير هو الموت والعدم.
مرور أسم جبران خليل جبران فى مخيلتى يثير شجون كثيرة ، تشعر بالغبطة والسرور لفكر جبران وكلماته السلسة وتنظر للواقع فتصاب بالكآبة لما تراه من غيبوبة يعيشها الوطن والمواطن معاً ، لن أسترسل أكثر فى هذه الخاطرة لأظل فى حديقة جبران ببعض الأجنحة حتى لو كانت متكسرة.
تحية تقدير لإنسان كبير أسهم بشاعرية فياضة فى تكوين ثقافتنا الإنسانية وأعطى للحياة قيمتها الحقيقية وكيف لنا بالسباحة فى أغوار نفوسنا لنستخرج منها الدرر وكل ما هو جميل للرقى بالإنسانية نحو عالم أفضل ، تحية لجبران خليل جبران.
2006 / 5 / 8
التعليقات (0)