جاهلية تقديس الجسد
نزل القرآن الكريم في شبه الجزيرة العربية ليطهرها من كل دنس ، ثم وضع قواعد خلقية تنظم العلاقات وتحفظ الأنساب والحقوق والواجبات، كما جاء القرآن ليمحو الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع الواحد ويضع سنة الله في خلقه التي يتساوى فيها الجميع أمام الله جل وعلا ، فتساوى العبد بالسيد ، الغني بالفقير ، القوي بالضعيف ، وجعل التمييز والأفضلية لا يكون إلا بالتقوى التي مرجعها و علمها عند الله وحده ، ولا دخل للبشر فيها.
وخلال جميع مراحل التاريخ الإسلامي تفشت ظاهرة غريبة جدا هي ظاهرة تقديس الجسد ، ويظهر هذا جليا فيما قرأناه في كتب السيرة عن رغبة كثير من المسلمين في أن يدخل عمر بن الخطاب في الإسلام ، معللين هذه الرغبة في قوة عمر البدينة ومهاراته في الحرب والقتال ، وأفرطوا في هذه الأمنية حتى وصفوا الإسلام بأنه في حاجة لمن يـُعزه وكأن الإسلام دين الله ليس عزيزاً ، (وذلك حين قالوا اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين).
وكتب السيرة مليئة بقصص كهذه تبين قوة س أو ص من الصحابة في معارك الرسول أو غزوات المسلمين من بعده.
وانتقل هذا التقديس من جيل إلى جيل حتى وصل بنا المطاف لتقديس اللحية وعلامة الصلاة (الزبيبة) واعتبار النقاب جزء من الدين لأنه يستر الوجه الذي هو جزء من الجسد ، ومحاربة وتكفير كل من تسول له نفسه اعتبار النقاب عادة وليس عبادة لأنه يستر جسد المرأة المقدس ، ويعد النقاب من أكثر الأمور التي تظهر تقديس معظم المسلمين للجسد ، فمعظم من يمولون وينشرون ويدافعون عن الوهابية وما يقومون به تجاه النقاب تحديدا وما يفعله دعاتهم في كل الفضائيات يتناقض تماما مع نهمهم وعشقهم للنساء والجنس وأكبر دليل على هذا تجد معظم هؤلاء متزوجا من ثلاث أو أربع نسوة ، وهو بهذا يظهر ويؤكد مدى حبه وعشقه للنساء أي للجسد ، على الرغم أنه يدعو فقراء المسلمين أن يتحلوا بالصبر والتقشف والجلد أو الصيام لكل من لم يجد نفقة الزواج ، ويحللون لأنفسهم حرية الزواج الثاني بدون علم الزوجة.
كانت هذه مقدمة واجبة للموضوع الأهم والأكبر وهو أن معظم علماء المسلمين يرفضون ظهور شخصيات الأنبياء في الأعمال الدرامية وخصوصا خاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام ، ليس هذا فحسب بل يرفضون ظهور شخصيات الصحابة وزوجات خاتم النبيين ومن يطلقون عليهم العشرة المبشرين بالجنة في نفس الأعمال الدرامية ، و يفضلون ظهور هذه الشخصيات على الشاشة في صورة نور أو ضوء أو شعاع يتحرك ، ويعتبرون هذا الظهور محرم ، والسبب هو تقديسهم للجسد ، الذي فني وتحلل وتحول لتراب بعد أن أكله الدود.
ومن بعض الأمور التي يظهر فيها المسلمون تقديسهم للجسد أيضا أنهم يظنون أن عبادة الله جل وعلا فيها أعمال بدنية ، ويجعلون العمل البدني جزء من العبادة بل ويجعلوه هو الأفضل ، كيف هذا::
ــ (( يقولون أن خاتم النبيين عليهم السلام كان يظل ساجداً حتى تتورم قدماه))
ــ (( يقولون أنه كلما كان المسجد الذي تصلي فيه بعيدا كلما كان الثواب أكبر ، وجعلوا الخطوات والمجهود البدني من الدين))
ــ ((يعتبرون تحريك سبابة اليد اليمنى في التشهد جزء أساسي من الصلاة))
ــ ((يجعلون من الدعاء ومن الصلاة تظاهرات صوتية عالية الصوت تخالف أوامر الله جل وعلا حيث يستخدمون مكبرات الصوت في الصلاة والدعاء لله))
ــ ((يدَّعون أن المؤذين أطول أعناقا يوم القيامة))
ــ ((حين يستمعون للقرآن يركزون كل اهتمامهم بجودة وحلاوة صوت القارئ ولا شأن لهم بمعان القرآن الكريم))
ــ (( يتناقضون مع أنفسهم في ترك الفتاة بلا نقاب حتى تتزوج))
ــ ((النساء يرفعن النقاب عن وجوههن أثناء ركوبهن السيارات))
ــ ((حتى بعد الموت لم يسلم الجسد من التقديس ، فلون الوجه وشكله وملامحه يعتبرها معظم المسلمين مؤشرا هاما وحقيقا على نجاة الإنسان واصفين إياه بحسن الخاتمة بأن وجهه أحمر أو أبيض يشع منه النور وأن جسده لم ييبس قط))..
ولو رجعنا نبين لهؤلاء ما قاله القرآن الكريم وقرأنا آياته بتدبر وتعقل ووعيِ لتبين لنا جميعا أن المولى عز وجل حذر خاتم النبيين نفسه وهو معلمنا بألا ينخدع بالأجسام والمناظر والأشكال والمظهر الخارجي كما قال له ولنا ربنا جل وعلا عن المنافقين يقول تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون:4، وحذره ربنا جل وعلا بأنهم هم العدو ويجب عليه الحذر منهم ، على الرغم من جمال أجسامهم وحلاوة كلامهم وقولهم ، هذا ويجب أن نعلم جميعا أنه لن يحاسب الإنسان إلا بعمله الصالح وقوله الطيب كما قال ربنا جل وعلا ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ )) فاطر:10 ، أما الجسد فمكانه الطبيعي التراب الذي خـُلِـقَ منه فيعود إليه..
فأين نحن من هذا الكلام.
التعليقات (0)