جائزة نوبل للسّلام،جائزة النّوايا الطّيّبة
هنيئا للملامح الأوباماوية الوديعة بجائزة نوبل للسلام لسنة 2009...
إذا صحّ أنّ الرئيس الأمريكي الأسمر فوجئ وهو يغطّ في نومه بخبر مفاده أن الحسناء جائزة نوبل للسلام تسللت إلى فراشه في غفلة ،لا من الحسناء زوجته فحسب بل من كل قرّاء الكفّ والمنجّمين والضّالعين في فنون الرصد والتكهّن..إذا صحّ هذا،وهو ما يبدو أنه قد حدث فعلا،فإنّ "الخبر السعيد" يكون قد تناهى للرئيس "النائم" ليهبه حالة نادرة من المتعة امتزج فيها لديه الواقع بالحلم..إنه حظ الرجل ينعم بالبشرى في فراش "الأحلام الجميلة" ويجد من الوقت متسعا ليعيش الحلم والواقع دون أن يُفسد عليه أحد خلوته، والحال أنّ مجرّد تخيّل رئاسة أميركا في هذا الزمن "المنكود الحظ" يُعدّ من قبيل الأحلام المزعجة والمروّعة لدى الواعين بكبرياء التاريخ وصولته...
قد يكون من العبث الاسترسال في الإلهاء بالتفاصيل المُتخيّلة عن الغوص في جوهر القضية التي ينشغل بها المؤيدون والمنددون بإسناد جائزة نوبل للسلام لأوباما الرئيس الذي ليس في رصيد حكمه سوى أشهر معدودات مساوية لتلك التي تستغرقها فترة حمل طبيعية لولادة رضيع آدمي،وليس من أفعاله ما يحسم في جدارته بهذا التتويج من عدمه سوى فعل الكلمة الطيبة،والكلمة الطيبة،مطلقا،مثيرة للجدل بين مريدي "الحب العذري" و"الحب الإباحي"،وإن كان "البوح" في الحالتين حاصل لكن بمفاهيم مختلفة..
لا بأس،في البدء كلمة طيبة...وتراثنا الإسلامي يحث على الكلمة الطيبة ويمجّدها "والله يتولّى السرائر"...
في كل الحالات فإن الشاب"أوباما"-أقصد فخامة الرئيس المفدّى،كما تعوّدنا أن نُلقّب رؤسائنا-ليس من الإنصاف أن نحاسبه على ما لم يقله في أمر إسناده جائزة نوبل...ما قاله بدهاء ودون التورّط في النرجسة و الاستكبار أنه"فوجىء"وأنه "لا يستحق هذه الجائزة ويعتبرها دعوة للفعل" وأنه يدعو العالم كله إلى مؤازرته ليكون جديرا بهذه الجائزة،أي أنّ من لم يعمل من أجل ذلك أو يتخاذل أو يتقاعس في هذا المسعى النبيل هو المسؤول عن إفشال "نواياه الطيبة" والنيل من مصداقية جائزة نوبل للسلام،إن كانت لها مصداقية...
تلك هي الفصول الأولى من حكاية الرئيس الشاب لأعظم دولة في العالم-إلى أن يأتي ما يخالف ذلك-الفصل الأول منها فيه ما هو مشوق ولا فت من حيث أنه يروي ما هو أقرب للخيال: انّ زنجيا أصبح في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين رئيسا لأميركا التي سبق أن سجل عليها التاريخ اضطهادها للسود فحصل له شرف أول زنجي يرتقي لهذا المنصب بفضل "اللعينة" الديمقراطية التي تمرّدت على الأصول الأميركية بعشقها لأسود متزوج من زنجية...
"فخامته" من أصول إفريقية لم يسجّل على الرئيس تنكّره لأصوله بل تنويهه بها قدر اعتزازه بانتسابه لأميركا وإخلاصه لها...لكن الذي يلاحظ، -دون تحامل عليه وللأمانة التاريخية-أنه اختار،طوعا أو اضطرارا-لا أدري- الاستغناء عن جذوره الإسلامية باعتناقه المسيحية...ومع ذلك فإن جامعة القاهرة وقبلها منبر في تركيا شاهدان على أن هذا الرئيس الاستثناء في تاريخ أميركا كان استثناء في "غزله العذري" للمسلمين...ومهما كانت القراءات لهذا "الغزل الأوباماوي" فالنزاهة تقتضي الاعتراف بأنه أجمل كلام عذب سمعه المسلمون من رئيس أمريكي...
ثم تقول حكاية الرئيس ،ودائما في فصولها الأولى،أنه،وقبل أن تمضي أشهر تُعدّ بسهولة على أصابع اليدين،فاجأ العالم أو فاجأه العالم بنيله لجائزة نوبل للسلام...ولعله بسبب هذا الغزل الجميل والبراعة الخطابية التي كان سخيا بها على المسلمين نال هذه الجائزة "المرموقة" معنويا وماليا...ربما احتارت لجنة إسناد هذه الجائزة بين أن تمنحه جائزة الآداب أو جائزة السلام ثم حسمت أمرها بتغليب شخصية الرئيس على شخصية المبدع الأدبي (فنّ الخطابة) ذي النوايا الحسنة،وهو لعمري عين الصواب تقديرا لمكانة أميركا الخطرة وهي اللاعب الأساسي في عالم على كف عفريت و في فوهة بركان. على أنه كان من الصواب والدقة التنصيص على أنّ جائزة نوبل للسلام،هذه المرة،واستثناء،مخصصة للنوايا الطيبة...
نتوقف لحظة عند قيمة الجائزة المالية لنرى ماذا وعد أن يفعل بها الرئيس،وهو رئيس أميركا،أي الممنوع من التمتع بما يطيب للكثير من رؤساء العالم النامي أن يتمتعوا به من تصرف مطلق في ثروات بلدانهم وشعوبها لأغراضهم الشخصية دون حسيب ولا رقيب...لقد تعفف أوباما عن الاستمتاع بحقه الشخصي المشروع المتمثل في مبلغ مالي ُيسيل اللعاب وأعلن تبرّعه بهذا المبلغ لفائدة أعمال خيرية،ولا أخال أنّ تعفّف أوباما عن مال مسند له شخصيا يعود إلى زهده في الحياة أو إلى استغنائه عنه لثروة طائلة ورثها،بل فقط لأن الرّجل عقلانيّ،وأحسب أنه اهتدى سريعا إلى أنّ الجائزة أسندت لشخص أوباما رئيس أميركا،وأنه ما كان لينالها لو لم يختره شعبه رئيسا...فالجائزة لأميركا...
لو كان التقدير المرموق ينسحب على النوايا الطيبة للرؤساء لذهبت الجائزة لغير أوباما من قادة الدول الصادقين أو المنافقين الذين أقنعوا،أكثر منه،في كل الحالات،بنواياهم الطيبة لخدمة قضايا السلام في العالم...
الدنيا حظوظ...اللهم لا حسدا...وحظ هذا الرئيس الزنجي مشرق كما دوّنته فصول حكاية واقعه،والبون شاسع بين أن تكون الإشراقة واقعا تعيشه أو حلما تحلمه أو تتمنى أن تحلمه...
لكن لنتخيل الآن أنّ الرجل الزنجي المحظوظ- فخامته-ألقى بعصاه السحرية فعالجت الاحتباس الحراري الذي يهدد الكون بالفناء وبؤر التوتر في العالم ووضعت حدا للتسابق المجنون على تكديس الأسلحة النووية المروّعة واستطاعت أن تُلجم الجشع الصهيوني واستكباره وأن تنصف الإسلام من التحامل المتعمّد عليه...
لنتخيل في العتمة طيفا جميلا، ولنجعل هذا الخيال يستند إلى افتراض أنّ ذلك وغيره من الفضائل تحقق أو أخذ مساره للتحقيق،في عهد أوباما السعيد، بفضل إرادة شعوب العالم المحبّة للعدل والسلم والحرية ونضالاتهم الموفّقة لأنّ العالم استفاق على أنّ الأماني لا تتحقق بالتّمنّي وإنما بالانتصار للخير ومقاومة الشر بلا هوادة...
لنتخيل ذلك في عهد أوباما حتى بعد عشرين سنة،أي بعد التمديد له في الحكم،استثناءً،على الطريقة التي لا تعوزنا فيها مراجع...
لنتخيل ذلك ثم لنفترض أنه تحقق.ا..
آنذاك،كلّ رجائنا ألا يدّعي أوباما الألوهية أو النبوّة أو "يخرج من قشرته" بل يخرج من الحكم متواضعا كما دخل وذلك هو درس الأنبياء...
التعليقات (0)