ثورة مصر ليست كباقي الثورات, وهذا الحكم ليس انتقاصا من ثورة تونس, مع كل التقدير لثوار تونس الذين فتحوا الطريق أمام كل الشباب العرب للبدء بالثورة ضد الظلم وضد الفساد والتسلط وضد التخلف.
ثورة مصر لها تقييم أخر, نظرا لما لمصر من مكانة تاريخية وإستراتيجية وجغرافية وحضارية وبشرية. فقد كانت مصر على الدوام نقطة انطلاق لزحف الجيوش باتجاه الشرق , أو باتجاه الغرب ,لتحقيق الوحدة وتأمين مكانة الدولة , إزاء الدول الأخرى . الدولة العربية الإسلامية لم تستقر إلا بعد أن وحد عمرو بن العاص بلاد الشام مع مصر , كما أن طموح محمد علي باشا في الوحدة والنهضة لم يتحقق إلا بعد أن وحد مصر مع بلاد الشام 1830 ـ1840 ,كما أن الفاطميين لم يتمكنوا من الزحف على بلاد الشام لإسقاط الدولة العباسية إلا بعد أن احتلوا مصر .
مصر ذات تاريخ غائر في القدم يعود لآلاف السنين قبل الميلاد ,ومازالت قبور الفراعنة تشكل احد أسرار الحضارات القديمة , كما أن الأهرامات ما زالت تشكل آية في الفن المعماري حتى اليوم . والشعب المصري يعد من الشعوب الحية لديها قدرة فائقة على الصبر والتحمل , ومقابل ذلك فان ردة فعله على الاستعمار والظلم والاضطهاد كبيرة ومؤثرة , والتاريخ يشهد بذلك منذ ثورة احمد عرابي مرورا بثورة سعد زغلول , وأخيرا ثورة الشباب أو ثورة 25 كانون الثاني / يناير 2011 .
لقد اتسمت الثورات الأنف ذكرها بأنها ثورات الجماهير, وقد حققت طموحات أبناء الشعب في الحرية والاستقلال والسيادة. أما التاريخ الحديث فقد شهد ثورات للعسكر
حيث كان الجيش يقوم بالثورة ويؤيدها الشعب , أو بالأحرى يحميها الشعب . أما ثورة يناير الشبابية فقد قدمت الشهداء والجرحى, وحماها الجيش.
المهم أن ثورتي تونس ومصر قد نجحتا في إجبار حاكمين مستبدين على الرحيل , وكشف عورة حكمهما أمام الشعب , وأمام العالم كله , ومنحتا أبناء الأمة العربية قوة دافعة نحو الثورة والتمرد على الطغاة , حيث طافت مظاهرات مماثلة في عدد من الأقطار العربية التي تنتظر التغيير أيضا .
السؤال الذي يشغل بال السياسيين في الداخل والخارج هو, ما هو مصير الثورة بعد الإطاحة برئيسي تونس ومصر ؟ . ويأتي هذا السؤال بعد الذي حدث في تونس من حالات فوضى في بعض المؤسسات الحكومية والاقتصادية.
إن حالات الفوضى أمر طبيعي بعد كل ثورة في العالم, لان مضمون الثورة يعني تغيير النظام السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بالكامل. وحوادث الفوضى والاضطراب في تونس مصر وقعت لان أزلام النظام البائد ما زالوا في الحكم من خلال بقاء الحكومتين اللتين عينهما بن علي ومبارك . كما أن المؤسسات الحكومية والاقتصادية ما زال أزلام النظامين السابقين يشرفون عليها ويمسكون بمفاصل إدارتها .
ما تشهده المؤسسات الحكومية في مصر , هو جزء من الصراع بين أنصار النظام القديم وبين الموظفين الذين كانوا يشعرون بالظلم , ويعرفون معظم أنماط الفساد المالي والإداري والأخلاقي , وابرز مثال ما حدث دائرة الإذاعة والتلفزيون , فقد تظاهر حوالي 600 موظف وفني أمام مكتب النائب العام لمحاسبة مديرهم السابق وكذلك وزير الإعلام السابق الذي قيل انه قدم استقالته في حين انه اجبر على الرحيل من قبل موظفيه بالذات . وتكرر الأمر في بعض المصانع والدوائر الحكومية الأخرى, ووصل الأمر بأن عناصر الشرطة تظاهروا أيضا مطالبين بزيادة رواتبهم, رغم أنهم كانوا قبل أيام ينكلون بالمتظاهرين.
قد يحدث تسلق من بعض الرموز السياسية أو من بعض الأحزاب من خلال الثورة ومن خلال الثوار , لاسيما أن تجربتهم في الحكم والسياسة ضعيفة ,وقد يحدث ظلم لأشخاص كانوا في النظام السابق , ولكن منطق الثورة يقضي بضرورة محاكمة كل الفاسدين في النظام السابق وفق القانون .
القيادة العسكرية في مصر تحت الاختبار فإما أن تترجم مطالب الثوار وتنال ثقتهم, فتصدر البيانات التي تلبي مطالب الثوار مثل إلغاء الأحكام العرفية, وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين قبل قيام الثورة وبعدها. وبلا شك فان القيادة العسكرية قد استجابت لبعض مطالب الثوار مثل تعليق العمل بالدستور والعمل على تعديل بعض مواده, وحل مجلسي النواب والشورى. ما يقلق الثوار هو إبقاء الحكومة التي عينها مبارك لتسيير الأمور ريثما تتشكل حكومة وطنية جديدة, والخوف هو بقاء هذه الحكومة فترة ستة أشهر وتقوم بالإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ومهما حدث من تحايل على الثورة أو تسلق البعض على ظهر الثوار , فان عجلة الثورة سوف تسير نحو الأمام ولن تتراجع إلى الوراء , وكل التوقعات أن ينتشر لهيب الثورة إلى بقاع أخرى في الوطن العربي وفي بلدان العالم النامي أيضا .
التعليقات (0)