مواضيع اليوم

ثورة مصر فى أخبارها العاجلة

هشام صالح

2011-09-23 22:03:24

0


لو سألنى أحد ما أصعب فترة عشتها سأقول إنها فترة الثمانية عشر يوماً للثورة المصرية حتى تنحى مبارك ، وها أنا أجلس أمام جهاز التليفزيون والملايين معى تُتابع وهناك ملايين أخرى تقف فى ميادين عواصم المحافظات ، ومن وجهة نظرى فإن من جلس أمام شاشات التليفزيون ـ سواء كان مع الثورة أو ضدها ـ عاش أوقات عصيبة جداً أصعب بكثير ممن عاش أحداث الثورة فى الميادين ، والآن وبعد أن تم خلع النظام الفاسد الذى كان يردد ويرد دائماً على كل المحذرين له بأن أوضاع البلد والناس صعبة فكانوا يطالبوا كل وطنى مُحذِر بأن ينام قرير العين ويطلقون جملتهم الشهيرة ( البلد ممسوكة كويس ) ! .
وسوف أكتب ذكرياتى مع تلك الأيام الصعبة التى كانت تنهال علينا أخبارها العاجلة كسيول هادرة وأنا "مُتمسمر" أمام شاشات القنوات الفضائية والتى كنت أقلب مؤشرها كل لحظة والأخرى ومن شدة إهتمامى فقد كتبت بعضا من تلك الأخبار العاجلة وإنطباعاتى نحوها ـ مثلما فعلت قبلها مع ثورة تونس ـ فكان كل لحظة تأتى بخبر جديد وهذا الخبر إما أن يجعلنى مرعوباً من القادم وإما مذهولاً من الفرحة ، وكتبت بعضاً مما قاله بعض المُفكرين والكتاب على شاشات الفضائيات المختلفة وهؤلاء المفكرين والكتاب نوعين إما مع الثورة وإما ضدها والأخيرين إختفوا من على الشاشات قبل خلع مبارك بأيام قليلة وظلوا فى مكامنهم حتى جاء شهر رمضان وإستضافتهم بعض القنوات المشكوك فيها والتى تعمل ضد ثورة الشعب المصرى .

ما قبل جمعة الغضب

( 1 )

مازال عبد الله كمال رئيس تحرير جريدة "روزاليوسف" على قناة الحياة ويطلق على ثورة تونس ( بأنها حركات شعبية وليس ثورة ، والإنقلاب كان على عائلة الطرابلسى أكثر منه إنقلاباً على نظام الحكم ، ويهاجم وزير الصحة لأنه ذهب لمن حاول الإنتحار أمام مجلس الشعب وقال أنه موقف مُبالغ فيه، وها هو يشن بلسانه هجوماً ـ كعادته ـ على ضحيه آخر وهو المذيع محمود سعد ويقول عنه أنه مذيع لا يعرف الفرق بين "بوعزيزى" ـ مُفجر ثورة تونس ـ و"شيكابالا" لاعب نادى الزمالك ) ! .
ونحن الآن وصلنا لمساء يوم 25 يناير وقبل التاسعة مساءاً بخمس دقائق وفى خبر عاجل بُثَّ على قناتى العربية والحرة ( وفاة شخصين فى مدينة السويس ) وهما أول شهيدين فى المظاهرات قبل أن تتطور لتصبح ثورة ، وبعدها بعشر دقائق أعلنت الجزيرة عن وفاة شخص واحد فى السويس ، ومازالت قناة النيل للأخبار تذيع برنامج " السيناريو القادم " ! . ويتوقف بث شريط الأنباء على شاشتها لمدد طويلة ، وتعلن قناة الحرة قبل العاشرة بعشر دقائق عن وفاة عنصر من الشرطة المصرية فى تظاهرة وسط القاهرة ، فى حين تقول العربية أن المتوفى هو ضابط .
وما زال أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام وهو من أعوان ومُنظرى ـ ومن الممكن أن تقول من مضللى ـ النظام السابق يتحدث فى قناة الحياة وتم الإتصال بوكيل وزارة الصحة بالسويس والذى أكد أن هناك شخصين إستشهدا بالرصاص الحى فى السويس وهما " سليمان صابر على " 31 سنة و " مصطفى رجب عبدالفتاح " 20 سنة وقال سرايا " إن الحاصل اليوم هو إبتزاز سياسى وأن الأمريكان هم أصحاب فكرة الفوضى الخلاقة " ! .
وها هو المحامى سمير الششتاوى يظهر فى الكادر على قناة ـ لم أُسجل إسمها ـ بصفته رئيس "منظمة الشرطة والمواطن" وهو المحامى الذى رفع قضية على الصحفى الشهير إبراهيم عيسى لأنه أبدى تساؤلاً عن صحة الرئيس ومدى صحة الإشاعات التى تتكلم عن تدهورها ، وفوجئت أيامها بقولة فى إحدى القنوات " إبنى الطفل جالى يبكى من المدرسة وقالى ـ فيما معناه ـ " أنا خايف على جدو مبارك لإن العيال فى المدرسة بيقولوا هو عيان " ويشتهر هذا المحامى بمسك السبحة فى يديه ! .
وتظهر على شاشة قناة CNN جملة ( ) وما زال السيد أسامة سرايا يتحدث ويقول ( حكام مصر هم التعبير الحقيقى عن الشعب المصرى ) .. يعنى إحنا نستاهلهم ، ومازال المذيع الشهير مفيد فوزى يتحدث فى لقاءه السنوى المُعتاد بوزير الداخلية حبيب العادلى على قناة " المصرية " وهو لقاء مًسجل ، ومُفيد فوزى مُذيع شهير وإن كان يُحوِّر ويُحوِل البعض إسمه إلى " مُستفيد فوزى " وكان قد تعرض من قبل لهجوم شديد بسبب لقاء تليفزيونى أجراه مع الهارب للندن ممدوح إسماعيل صاحب عبَّارة الموت والتى غرقت وعلى متنها أكثر من ألف مواطن مصرى قادمين من السعودية فى أثناء بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم والتى ذهب الرئيس المخلوع مبارك للإحتفال بها فى إستاد القاهرة فى الوقت الذى تطفو جثث رعاياه فى مياه البحر الأحمر شديدة البرودة فى ذلك الوقت وقيل أن المذيع مفيد فوزى حاول تبييض وتبرئه هذا المتهم .
ونحن الآن بعد الحادية عشر والنصف مساءاً ويتحدث الآن السيد "محمد عبدالسلام " وهو عضو للجنة سياسات الحزب الوطنى ويقول ـ كما كرر قبله كثيرون ـ ( مفيش مقارنة بين وضع تونس ومصر ) فهو بالتأكيد يقصد أن مصر أفضل من تونس ولو رجعنا لكافة الإحصائيات سنجد أن تونس بعدد سكانها القليل تتفوق على مصر فى تلك المؤشرات أى أنها أفضل من مصر ومصر تزيد عليها فقط فى بعض الحرية فى التعبير أو ما نُطلق عليه التنفيس فى وسائل الإعلام .
ووصلنا لمُنتصف الليل وما زالت قناة CNN بنفس العناوين وأظهرت أول لقطة عبقرية للثورة المصرية ولأول مرة آراها حيث جاءت بصورة من كادر مرتفع ومن فوق مبنى عالى وأظهرت ذلك الشاب الجرىء الذى رجع وقابل سيارة الشرطة التى ترش المياة فوق المتظاهرين الفارين ووقف أمامها فى تحدى واضح وصريح وأجبر السيارة على التوقف وجاءت مُؤازرة لهذا الشاب من أقرانه فتذكرت تلك اللقطة العبقرية لأحد الشباب التونسيين وهو يفتح قميصة لعسكرى لكى يضربه بالنار فى تحد واضح لا يلين ، ثم يظهر لنا المذيع تامر أمين وهو من الوجوه المُحببه لدى أصحاب القرار ويقرأ لنا بيان وزارة الداخلية وبجانبه المذيع السنيد خيرى رمضان .
وبعد منتصف الليل بدقائق قليلة وفى برنامج العاشرة مساءاً وكان ضيوفه هم الأستاذ علاء عبدالمنعم وهو معارض وعضو مجلس شعب سابق ومعه اللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق والدكتور مصطفى علوى وهو من أقطاب الحزب الوطنى المُنحل وقالت مذيعة البرنامج منى الشاذلى فى نهايته أن هناك إشاعة رائجة فى ميدان التحرير بين المعتصمين مفادها أنه سيتم تفريق المُعتصمين بالقوة بعد منتصف الليل وقالت " إحنا عدينا منتصف الليل لينا دقائق ومفيش أى حاجة " وأنهت البرنامج " بدرى شوية " ! .
وفى الثانية عشرة والنصف تذكر قناة العربية أخبارها وفى شريط أنباءها أن هناك مظاهرات فى مصر تضم المئات (!) للمطالبة بالحريات ، وفى ظهورها الأول تطالب هيلارى كلينتون " كافة الأطراف فى مصر بضبط النفس" ، وقبل الواحدة ليلاً بربع ساعة يبدأ فض الإعتصام فى ميدان التحرير وتنهال القنابل بصورة رهيبة على المعتصمين ، ويُخبرنا السيد عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام فى برنامج مصر النهاردة ( أن المتظاهرين 200 وشوية لغاية ما وصلت المظاهرات 600 فرد وشوية ... والمفاجأة إن المظاهرات بدأت فى أكثر من مدينة .. الإخوان تحينوا الفرصة للرد على اللى حصل معهم فى الإنتخابات .. علينا أن نأخذ نفس عميق ولا ننخض .. الأمن عنده معلومات حتطلع فى الوقت المناسب .. جايز إحنا غلطنا ولم نقول للأعور إنت أعور فى عينه .. أنا عضو فى الحزب الوطنى وأتشرف إنى عضو فيه ) ، وفى الواحدة مساءاً يظهر مذيع الجزيرة من ميدان التحرير وعلى عينيه آثار القنابل المسيلة للدموع وقبل الثانية فجراً بعشرين دقيقة تبث الجزيرة صور ولقطات تفريق المعتصمين ويظهر ضرب النار والغازات المسيلة والمياة ، وفى إعادة لبرنامج مصر النهاردة يظهر تامر بك أمين ومعه د. محمد عبداللاه وعبدالعاطى محمد ومعه تليفونياً طارق حسن رئيس تحرير الأهرام المسائى وتحدث الأخير عن ركوب الإخوان لموجة المظاهرات ثم تحدث لا فُض فوه عن خطاب زعيم حزب الله اللبنانى حسن نصرالله وآهو جاب ـ طارق حسن ـ من كل فيلم أغنية ! .
ويتحدث حسام ذكى المتحدث بإسم الخارجية المصرية بالتليفون لقناة CNN ، وما زال التليفزيون المصرى يُذيع فى شريط أنباءه " خروج عدد من المصريين فى مظاهرة للمطالبة بإصلاحات إقتصادية وإجتماعية " .. طبعاً مفيش مطالب بإصلاحات سياسية لإن السياسة قباحة ! .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !