ثورة مصر لم تقم لهدم نظام حكم فاسد فقط ولكنها قامت أيضاً لتهدم أشياء كثيرة منها بعض الأمثال الشعبية والمقولات المتواترة والتى تتسم بالسلبية وحفظها الشعب المصرى عن ظهر قلب وآمن بها من كثرة ترديدها ، وكأن تلك الأمثال والمقولات مصنوعة خصيصاً لحماية الحاكم الفرعون وترسيخ نظرية جديدة عنوانها "مفيش فايدة" وهى مقولة منسوبة للزعيم سعد زغلول ، وهذه الأمثال والمقولات أصابت المصريين بأمراض لم تكن موجودة فيه من قبل ومنها اللامبالاة والأناماليه والأنانية ، فبعد أن كان يبذل روحه فداءً لمبدأ آمن به بدأ يؤمن بمقولات "أنا مالى" و "أنا ومن بعدى الطوفان" .
فأصبح المصرى الذى يؤِثر السلامة يؤمن بمقولة "إمشى جنب الحيط" ومع مرور الأيام أصبحت تلك المقولة وفى أحيان كثيرة لا تؤدى إلى السلامة التى يرجوها فتحول إلى المشى داخل الحيط .
ولأن الشعب المصرى صبور آمن بمقولة "أصبر على جارك السوء ليرحل يا تيجى له داهية تاخده" والجار وُضِع كمثال وينطبق المثل أيضاً على أى رئيس سواء كان رئيس فى العمل أو رئيس للحمهورية ، وآمن الشعب المصرى بمقولة "إبعد عن الشر وغنى له" ورغم هذا البعد وهذا الغناء لم يتركه الشر فى حاله مما جعل حفنة من المُستفيدين لا يكتفون بالغناء فقط بل زادوا عليه بالرقص كالقرود أمام أهل الحل والعقد والأرض .
ومع أن المصريين يؤمنون بالمثل "إمشى سنة ولا تعدى قنا" وبعد أن فاض بالمصريين لأسباب يطول شرحها ووجدوا أن مخاطر تعدية "قنا" صغيرة أقل كثيراً من المشى سنة حيث أننا نجد أعلى معدلات حوادث الطرق على مستوى العالم موجودة بمصر ولذلك فلن يفلت ماشى جنب أو داخل الحيط فى مصر من الحوادث ، فبدأ المصرى يُخاطر بحياته وبدأ فى التعامل مع الأمثال التى تدعوه إلى الوقوف ضد الظلم والمطالبة بحقوقه فقال "ضربوا الأعور على عينه قال خربانة خربانة" و"هى موته واللا إتنين " ، وبدأت تباشير الثورة المصرية بنزع الخوف من قلوب عشرات الآلاف ، وبدأت المطالبة بالحقوق وقابل النظام السابق تلك المطالب بإستخفاف فالبلد كما كانوا يقولون "ممسوكه كويس" ، ولم يستمع حكام الزمن البائد لمقولة ( إن كِبر إبنك ـ أو شعبك ـ خاويه ) ولكنهم تعودوا على الإستخفاف بمطالب الشعب الذى أصبح أمامه مثل واحد يريد تحقيقه بعد أن فاض به الكيل وهو "إقطع عرق وسيح دمه" فلم يكن أمامه إلا تسييح دم نظام الحكم بثورة سلمية سيحفظها التاريخ حتى وإن أضاعها البعض سواء من النُخبة الفكرية أو من الحاملين الآن للمسئولية الوطنية .
ولن يشعر الشعب المصرى بالثورة إلا بالقضاء على مقولات كثيرة منها "اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش" لأنه دائماً ما يأتى اللى منعرفوش ليكون أسوأ ممن نعرفه .
لقد قامت الثورة للقضاء نظام قنن وأسس وحوَّل سلطات ومؤسسات الدولة إلى سلطات ومؤسسات عائلية تخضع لسلطة العائلة وليست لسلطة الشعب .
التعليقات (0)