لأن التيارات الدينية في مصر تقوم في حقيقتها على دعامتين لا تحيا ولا تقوم لها قائمة دونهما (السمع .. والطاعة) والتي تعني السمع بلا نقاش .. والطاعة العمياء ..
ركيزتان تأسست عليهما وترسخت واتسعت قواعد الجماعات "المتأسلمة" الأم .. وما تفرخت عنها من تنظيمات متباينة التطرف ..
ولأن هاتين الدعامتين "السمع ..والطاعة" هما – بشكل أو بآخر – ذات القاعدة التي تستمد منها الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والإستبدادية حياتها واستمراريتها في إحكام قبضتها على شعوبها المغلوبة على أمرها وظهور ساحتها السياسية بلون واحد فقط "لون الأنظمة" مع اختفاء ثمة لون للمعارضة أو لتنوع ، أو لتلاقح عقول ، أو أفكار بعيداً عن نفق السمع والطاعة المصمت فاقد الحياة ..
ولأن الشعوب قد انتفضت انتفاضة المذبوح تحت المقصلة وقد وصلت في صرختها إلى حافة تساوى فيها الموت مع الحياة فظهرت الأنظمة الخائرة على حقيقتها وبوزنها شديد الضعف وبحجمها شديد الهزال .. فانكشفت وطارت مع الريح ..
ودون أن تدري .. ودون أن تتوقع .. فإن الشعوب "الغلبانة" حينما التفتت إلى ذاتها وقد ألفت التيارات الدينية تسحبها وتسوقها سوقاً إلى السير في طريق زعمت التيارات أنه الطريق الوحيد إلى الديمقراطية وإلى الحرية وإلى العدالة الاجتماعية بل هو الطريق الوحيد إلى الله ..
وقد وضع الشعب قدمه ليبدأ مسيره على طريق "الجماعات " الذي تحفه علامات إرشادية على جانبيه تعده وتمنيه بالجنة ونعيمها في حال "سمع الكلام" .. وتتوعده بالنار وسعيرها في حال "فتح بقه" .. وهنا استشعر الناس شيئاً مألوفاً لديهم على مدار عشرات السنين في ظل الأنظمة الشمولية المستبدة .. وترددت على أسماعهم - وإن بلحن مغاير- أبواق السمع والطاعة .. ولكن هذه المرة بأبواق نحاسية ضخمة مرعبة مروعة تصم الآذان وتهز الأبدان ..
خرج الشعب من ربقة الأنظمة الشمولية ليقع في أسر الجماعات الدينية الأشد شمولية وديكتاتورية وتسلطاً ..
والمتابع للمسرح السياسي المصري هذه الأيام يشهد بغصة من الألم ذلك المشهد العبثي المرتبك شديد الضحالة شديد الأسف الذي تبد فيه جماعة الأخوان والجماعة السلفية بما يشعرك أن "مصر" العظيمة بتاريخها وحضارتها وحجمها وثقلها وتراثها هي الآن بين براثن وأيدي جماعات ظهر ارتباكها وإضطرابها وتناقضها وضعف مفاهيمها ..
إلا أنها في ذات الوقت ملتصقة بنفسها وببعضها بلاصق يرسخ قواعدها على أسس السمع بلا نقاش والطاعة العمياء .. يشد وجوهها شداً نحو أصبع السبابة لليد اليمنى الخارجة من نافذة مكتب الإرشاد لتقرر ليس مصير أفراد الجماعة .. بل مصير شعب مصر بأكمله ..
مما يؤكد أن ما كان في 25 يناير هو مجرد "إرهاصة" أو "انتفاضة" ستعقبها حتماً ثورة الشعب المصري الكبرى وإنطلاقته نحو شمس الحرية والتحرر من ربقة الاستبداد والشمولية التي ذاقها "الأمس" على يد "الأنظمة " ، و يتجرعها اليوم على يد "الجماعات" ..
التعليقات (0)