مواضيع اليوم

ثورة لا اصلاح

د.هايل نصر

2011-02-18 19:09:14

0

ما جرى في تونس ثم في مصر من طرد لرأس السلطة في كل من البلدين بثورة شعبية تلقائية عمادها وعصبها الشباب, أدهش العالم أجمع ووضع علم السياسة ورجال الفكر السياسي في حيرة وعجز عن التفسير الصحيح والتحليل السليم. كما فاجأ الساسة الغربيين الذين أقاموا الدكتاتوريات العربية وساندوها عقودا, فالسرعة النسبية التي جرى فيها التنحي/الطرد, رغم ترسخ تلك الدكتاتورية, ورغم ما بنته من أجهزة ووسائل قمع: جيوش مجيشة. حرس جمهوري. حرس خاص. رجال أمن. بوليس سري بأنواعه. مخابرات بفروعها... ليست مهام أي منها حماية الشعب وخدمته وحماية الوطن, وإنما خدمة النظام القائم وحماية رموزه ومصالحه. رغم أساليب الاستبداد والاضطهاد والقمع التي يتورع الإنسان أن كان فيه ذرة من ضمير أو قدر ضئيل من الأخلاق أو أية صفة من الصفات التي يتميز بها الإنسان, أن يأمر باستعمالها واستخدام في ذلك جلادين لا صلة لهم بالمخلوقات البشرية من قريب أو بعيد. رغم كل هذا قامت الاحتجاجات الهادرة لتتحول لثورة شعبية عارمة.
ثورة التف شعب كامل حولها, وساهم فيها رجال ونساء من كل الأعمار, فكانت كثورة بركان غير متوقع تفجره. بركان مختلف عن البراكين الطبيعية لأنه لم يخلف دمارا. بركان من غضب منضبط, حضاري الفعل ورد الفعل, أحدث فقط, إلى الآن على الأقل, بداية دمار الاستبداد والفساد, وعلى فعله تترتب إعادة تهيئة الأرض لبناء حريات وعدالة ومساواة.
كان الثمن الذي دفعه الثوار من دمائهم فادحا, وكان يمكن أن يكون أكثر فداحة لو لجأ الثوار لأساليب السلطات الحاقدة التي لا تربطها بالشعب أي رابط. ولولا موقف الجيش في البلدين المذكورين من المواطنين موقفا فيه روح الوطنية والمسؤولية. وليس هنا مجال الدخول في الأسباب التي دفعته لذلك.
قبيل وخلال وبعد طرد الطاغيتين انقلب ظاهريا الكثير من اتبعاهما عليهما وأخذوا, ــ في محاولات مكشوفة أو خفية خبيثة, وهم المتمرسون بفنون الكذب والخداع والنفاق والانتهازــ يروجون لضرورة بعض الإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية, مع بقاء الخبرات, التي هي هم أنفسهم !!, لبقاء الاستقرار والاستمرارية بأساليب سلمية, وتحويل سلس للسلطة بروحية عفا الله عما مضى ولنبدأ معا نحن الرجال "نظيفو اليد " من رجال السلطة السابقة متكاتفين معكم أنتم الثوار من الشباب, نتشارك في المسؤولية على الأقل إلى الوقت الذي يقوى فيه عودكم وتتعمق خبرتكم وتبلغوا سن الرشد القانوني والسياسي !!!. تزاوج خبرة حكماء وحماس شباب!!!.
جارى رجال السلطة مبتورة الرأس فقط, مع بقاء الرؤوس االحاملة لكل صفات الرأس الأساسي المبتور ووريثته الطبيعية ," جاراهم في طروحاتهم "الحكيمة" رجال الأحزاب السياسية التقليدية والمستحدثة , التي لا تختلف في تكوينها وعقليتها وممارساتها عن السلطة التي كانت "تناضل" ضدها عن طريق المطالبة الخجولة بإصلاحات خجولة بدورها, تأخذ مصالحها الحزبية بعين الاعتبار, وليس المصالح العميقة والأساسية للشعب, وخاصة للطبقات الفقيرة والمعدومة فيه. لم تكن يوما تلك المطالب حقيقية وجادة وصادقة تلامس طبيعة النظام وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية, لان هذه الأحزاب نفسها المتحالف منها مع السلطة أو "المعارض" لم يكن في ثقافتها احترام هذه الحقوق والحريات, ولا مبادئ الديمقراطية والعلمانية, ودليل ذلك أنها لا تتعامل مع أعضائها ومنتسبيها بالأساليب الديمقراطية واحترام حقوقهم وحرياتهم, ومنها بشكل خاص حرية التعبير, فما بالنا بالتعامل مع المواطنين إن قُدّر لها الوصول يوما, كما تحلم, إلى السلطة, فهل ستختلف عندها عما كان قائما قبل رحيل الطغاة؟. أليس من الطبيعي أنها ستفرز ــ بحكم عقليتها وتكوينها والمدارس السياسية والأخلاقية التي نشأت عليها مثلها مثل النظام نفسه ــ طغاة بأسماء أخرى ولكنهم يشبهون, حتى في أدق التفاصيل, الطغاة المدحورين؟.
في نظام سياسي استبدادي فاسد في أصوله وفروعه, ترفده وتدعمه أحيانا وتعارضه أحيانا أخرى أحزاب وقوى من طبيعته ومن مادته, هل يمكن إن تحدث إصلاحات؟ وأية إصلاحات وفي أية مجالات؟ وعلى أية أسس؟ كيف يمكن تشييد بناء سليم على أسس فاسدة معيبة منذ عقود؟.
هل يكون الإصلاح بتعديل بعض نصوص الدستور وبعض القوانين في بعض المجالات, وبأيد رجال العهد المفترض انه أصبح بائدا, كاف لبناء مؤسسات سليمة حديثة على أنقاض مؤسسات ينخرها الفساد؟ هل يكفي, على سبيل المثال لا الحصر:
ـ لإصلاح التعليم ومنهاجه التي قادت إلى التربية على الخنوع والتدريب على عبادة الشخصية وقتل روح التنافس والقبول بالآخر, والى الأمية المقنعة والبطالة المقنعة, القيام إجراءات إصلاحية غير متفق أصلا على مفهومها؟.
ـ وهل تكفي الطريقة نفسها لإصلاح الجامعات, ورفع مستواها المتدني المخجل, بأيدي رؤساء الجامعات وعمدائها وإدارييها المعينين ليس على أساس الكفاءات العلمية وإنما على أسس الولاء؟ .
ـ هل يكفي تعديل بعض مواد الدستور والقوانين لإصلاح عميق للقضاء ورد الاستقلال للسلطة القضائية والنزاهة للقضاة مع بقاء النواب العامون المعينون على أسس الولاء وخارج كل معايير النزاهة؟.
ـ هل يكفي تعديل بعض مواد الدستور وبعض القوانين لبناء اقتصاد سليم لا يخضع لنظريات بالية أو اجتهادات فردية لا تراعي المصلحة الوطنية واحتياجات المجتمع والأفراد ولا تحارب الفساد بقطع الطرق عليه والتصدي لدعائمه؟.
ـ هل يمكن لتعديلات دستورية وقانونية أن تساهم في بناء دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات بمفهوم القرن الواحد والعشرين, والقائمون على هذه التعديلات والإصلاحات أنفسهم خارج مفاهيم الديمقراطية والعلمانية وخارج العصر وروحه؟.
يجادل من يحاول الالتفاف على الثورة ومطالبها في مسالة الشرعية الثورية, وفي عدم إمكانية صياغة دستور جديد على أساس الشرعية الشعبية وكانّ الشعب ــ الذي لم تر فيه الأنظمة الاستبدادية إلاّ مجموعة رعايا لا سيادة لها ولا تقوم فيها أية سيادة ــ ليس هو وحده صاحب السيادة وأساس الشرعية ومصدر السلطات وصاحبها. ما ذا يعني الاعتراف الحالي غير الصريح وغير المباشر من قبل هؤلاء بسيادة الشعب بالقول نعم متبوعا بالقول ولكن, ومشروط بشروط منها شرط المرور بفترة انتقالية لنقل السيادة من الزعيم إلى الشعب. ألا يكشف هذا عن نويا القوى المعادية للتغيرات الجذرية والإرادة الشعبية, وعن محاولات لإعادة التقاط أنفاسها ورسم خططها التآمرية مراهنة على الفترة الانتقالية المفتعلة, خاصة وان رموزا أساسية منها لا تزال في السلطة معينة من رأس النظام قبل رحيله مباشرة, متشبثة بمواقعها وكان شيئا لم يحدث؟. قوى ورموز لم تكف عن المراهنة على تغيرات في موقف القوة الأساسية, الجيش, وتلزيمه وجهات نظرها .
هل كانت الدولة في تونس أو في مصر دولة القانون والمؤسسات حتى لا يُضحى فورا بهياكلها؟. هل تُصدّق مقولة إن التخلي عنها و عن فسادها يجلب الفوضى ويؤدي لضياع الدولة؟ أية دولة؟. هل قامت أساسا دولة القانون والمؤسسات والنظام الديمقراطي أو ترسخ مفهومها طيلة تاريخ هذين البلدين والبلدان العربية كافة للإبقاء على بعض المكاسب التي حققتها وعدم التضحية بها؟ هل شهد أي من هذين البلدين أو أي بلد عربي طيلة تاريخه ثورات شعبية خالصة مثل الثورة التونسية والثورة المصرية؟.
وعليه :
ـ أليس للثورة الجديدة غير المسبوقة في تاريخنا أن تضع نظامها السياسي الجديد ومبادئها فورا وبنفسها, وان لا تتوقف مسيرتها حتى تضع ذلك موضع التنفيذ؟.
ـ أليس لها أن تبني الدولة الحديثة التي لم تعرفها منطقتنا طيلة تاريخها القديم والحديث؟.
ـ هل يمكن بناء هذه الدولة على دساتير من وضع عسكريين انقلابيين فصلوها على مقاسهم, وعدلوها كل مرة تتضخم فيها كروشهم فتضيق هي وتعديلاتها عن اتساع أطماعهم وصلاحياتهم و تعيق حرية حركة ممارساتهم الشمولية؟.
ـ هل مثل هذه الدساتير القائمة, وغير المحترمة من واضعيها أنفسهم, هي تراث قومي لا يجب التضحية الفورية به وإنما البناء عليه؟
على شباب الثورة ومسانديها أن يشرحوا بعفويتهم المبنية على عدالة مطالبهم في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية .., للسياسيين والقانونين وكل الانتهازيين, بان الشعب وحده صاحب السيادة, وعلى أن للثورة الشعبية شرعيتها, وعليها تقام الدساتير والسلطات وتوزع وتحدد الاختصاصات. وان يبينوا للدول العربية الاستبدادية ـ التي ترفض, على طريقة النعامة, اخذ العبر, وتعتبر نفسها غير معنية لان أوضاعها مختلفة عن أوضاع تونس ومصر, وان قادتها معبودة الجماهير المستعدة دائما لان تفتديها بالروح والدم ـ بان الثورة التي انطلقت من تونس ومصر, لن تتوقف وتنتهي في تونس ومصر. وبان المستقبل للشباب. وان الاستبداد مهما طال مصيره الزوال.
د. هايل نصر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات