ثورة على الفراغ القاتل
اعتمدت بعض الصحف الصفراء و بعض البرامج التلفزيونية المبرمجة بسيناريو محدد مسبقاً على ترويج الإشاعات و تزييف الحقائق بما يحلو لها دون أي رقيب أو حسيب معتمدة بذلك على قوة وجودها في الساحة الإعلامية العربية و أن تمتلك التأثير على شريحة كبيرة من الجمهور المتابع و المهتم بالقضايا التي تشغل فكره و التي تؤثر على رزقه و معيشته بشكل عام .
اعتمدت هذه الوسائل الإعلامية المختلفة على أن تتخذ من أي قضية أو حدث بحيث يكون له تأثيره على الساحة الشعبية بوابة لها لتبحر في ميدان صناعة القصص و الروايات و بأسلوب مبهر و جذاب تستطيع من خلال هذا الإسلوب أن تجذب القراء و الجمهور إليها متناسية أية مبادئ إعلامية مهنية و متجاهلة الميثاق الإعلامي الذي يؤكد أولاً على مصداقية نقل المعلومة و عدم تزويرها و يؤكد أيضاً على نقل المعلومة بمهنية عالية تضمن للقارئ فيها أن تضعه بصميم الحقيقة و له القرار بالتفسير و التحليل لهذه المعلومة .
هذا ما حدث في تفسير بعض الوسائل الإعلامية لكتاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الذي يحمل عنوان " الخيارات الصعبة " و خاصة الفقرات التي تتعلق بكتابتها عن الأوضاع في مصر و سوريا و العراق و عن صناعة الإدارة الأمريكية لتنظيم داعش الارهابي و غيرها من النقاط التي صنعوا منها قصة و رواية نشروها للجمهور على أنها تسريبات حقيقية من هذا الكتاب و كتب البعض " و شهد شاهد من أهلهم " و كتب أخر " كلينتون تفضح الإدارة الأمريكية " و غيرهم الكثيرين من الكتاب الذي نقلوا ذات المعلومة من ذات المصدر و نشروها على أنها تسريبات وصلت إليهم من داخل غرفة اجتماعات الكونغرس الأمريكي أو من داخل غرفة هيلاري نفسها على أنها تسريبات من الكتاب المذكور و طبعاً لم يستطيع أحد أن ينسب هذا الكلام لقرائته الكتاب لأن الكتاب في حينها لم ينشر بالأسواق بعد ، بل اعتمدوا على خيالهم الواسع في تسريب ما سيحمله هذا الكتاب بين صفحاته و كأنهم عاشوا داخل أفكار الكاتبة و سربوا هذه المعلومات منها ، المشكلة لا تكمن هنا أي بالتسريبات فقط بل المشكلة أن الكتاب نشر و قمنا بالإطلاع عليه لنتابع فضائح الإدارة الأمريكية التي سربتها كلينتون و أيضاً لنتابع قصة صناعة التنظيم الارهابي داعش و غيرها من الروايات التي سمعنا عنها مسبقاً و المفاجأة أن الكتاب لم يحمل أي من هذه السخافات
و الأكاذيب التي نشرت بل و لم تقترب أي قصة من القصص التي نشرت عن مضمون الكتاب ، هنا يجب أن نقف للحظة لمراجعة ما حدث و نضع علامات استفهام كثيرة حتى ندرك حقيقة ما حدث و خلصت أنا ببعض علامات الاستفهام و منها :
- أن الوسائل الإعلامية التي نشرت و زيفت الحقائق عن الكتاب هي شريك بنسبة في التوزيع
و الغاية هي الربح المادي .
- أن الصحفيين الذين نشروا هذه الأكاذيب كانوا يعتمدون على مصدر غير موثوق فوضعوا أنفسهم تحت رحمة مصدر كاذب .
- أن يكون هذا المصدر الخفي يقوم بنشر هذه الأكاذيب حتى يشعل الفتنة بين مصر و أمريكا .
و غيرها الكثير من علامات الاستفهام التي سوف تأتي لخاطر كل من سيقرأ الكتاب لأن أول سؤال سوف يسأله أين تلك الفقرات التي قرأت عنها في الوسائل الإعلامية و التي تحمل روايات كثيرة تهم القارئ العربي و السؤال الثاني سيكون لماذا لم تنقل تلك الوسائل الإعلامية الحقيقة عن مضمون الكتاب ، و أسئلة كثيرة سوف تطرح بفكر القراء المتابعين لأخر الأحداث و تطوراتها .
و لكن السؤال الأهم هنا .. متى يحصل القارئ على الحقيقة ؟
الحقيقة هي أننا لم نتعلم من درسنا أبداً و جزء من الحقيقة أنه حتى لو كانت أمريكا وراء صناعة تنظيم داعش الارهابي و حتى لو كانت أمريكا تدعم جماعة الاخوان المسلمين المحظورة فنحن لن نستطيع أن نفعل شيئاً و ذلك لأننا نصل إلى نقطة اللاعودة بمجرد الحديث عن هذه الأمور فكل شيء واضح أمامنا
و ليس بحاجة إلى هذه التفسيرات الكثيرة التي تتوه القارئ و تشوه الصورة الحقيقية أمامه ، نحن بحاجة إلى قدرة على استيعاب الحقيقة نفسها و على اساس ذلك ندرس خطوتنا المقبلة ، نحن بحاجة إلى الارتقاء لمستوى تفكير من يقابلنا و يقف أمامنا حتى نعرف كيف نتعامل معه .
الحقيقة أننا خرجنا من تسمية دول العالم الثالث و التي تعني الدول النامية التي تحتاج للدعم و الرعاية لأنها فقيرة و مريضة و إلى أخره من صفات وسمتنا فيها الدول الغربية .
الحقيقة أننا نملك جميع الموارد التي تؤهلنا لقيادة ديمقراطيتنا الذاتية و حريتنا الشخصية التي ليس من الضروري أن تتلائم مع حرية الغرب و فضائحه .
الحقيقة أننا أقوياء باتحدنا و ضعفاء بتفككنا .
و الدليل على هذه الحقيقة و مصدر الدليل من قلب الكتاب كلينتون نفسها و أقتبس " أمريكا لا تستيطع أن تجعل مصر عدوة لها و لا تستطيع محاربة مصر " .
و هذا أكبر دليل على مدى معرفتهم و ثقتهم بأننا لسنا ضعفاء و هناك الكثير من الأمور التي يمكننا أن نفعلها بمجرد أن نتحد .
خالد عبد القادر بكداش
مدير المنظمة الدولية للصحافة و الإعلام
التعليقات (0)