في بلاد ما شرقها وغربها البحر وباطنها الصحراء , لا مُدن فيها , فقط قَوافل بَدو رُحّل يتنقلون بحثاً عن ماء ومرعى .
قرر احد ابنائهم يوماً أن يشرب الماء بحذائه , دون سبب يجعله يفعل ذلك فقط رغبة بداخله أن يشربُه هكذا .
شُوهد هذا الشاب من بين ابناء قبيلته واستعجبوا فعله , ثم قلدوه وأعجبهم ذلك , ولم يَطُول الزمن حتى أصبحت هذه القبيلة لا تشرب الماء الا بالحذاء .
في ترحال هذه القبيلة ألتقت عند غدير ماء قبيلة أخرى يستسقون الماء فتعجبت القبيلة الأخرى من فعلهم وشربهم الماء بالحذاء ولم تزل في تعجبها حتى اصبحت هي الأخرى تفعل مثلها .
انتشرت هذه العادة بعيداً وأصبحت رمزاً من رموز قبائل تلك الأرض التي لا تتخلى عنه .
توارث الأحفاد من اجدادهم أن الماء لا يُشرب بلا حذاء , ونقلوا عاداتهم لأبنائهم الذين تمسكوا بها وحافظوا عليها وجعلوها شرف لا يُهان .
قامت المدن وقام العُمران واستوطنوا أغلب قبائل تلك الأرض في المدن ودخل ابنائهم المدارس وتعلموا و وصل الكهرباء والماء لهم , وانتشرت التقنية انتشار كبير في المدن .
نهضة عمرانية وتنموية وصلت لها هذه البلاد اثارت اعجاب ماحولها من البلدان , وكذلك نهضة علمية فالجامعات التي انشئت اصبحت تُخرج كل عام الألاف من ابناء القبائل الرُّحل السابقين .
مع كل هذا التطور مازال الجميع يشرب الماء بالحذاء , لم تندثر هذه العادة , والحديث عنها من المحرمات , انها عادة وتقليد يُعرفون به , ومتمسكون به .
يوماً ما أتى شاب في مقتبل عمره وشرب الماء في كأس أمام الجميع , تعالت الصيحات حينها وجميع الأصوات تهاجمه وتهاجم فعله , هاجمته عناوين الصحف ( شاب يشرب الماء في كأس ! ) , تحدثوا عنه في المجالس , بل نسبوا عدم نزول الأمطار ذلك العام لفعله !
شاب واحد كسر عادة لا معنى لها سوى إنها من الأجداد , عادة يستمر الأحفاد بعملها حتى وهم يعلمون أنها خطأ وليست في الصواب بشيء .
هذا الشاب أشعل في صدور الشباب رغبة في كسر اساطير الأولين , أشعل بداخلهم ثورة على كل العادات البالية التي لا تحمل أي معنى في هذا الزمن .
وزعت الكؤوس في كل مكان , ليشرب الجميع بلا خجل , ليشربوا طعم انتصارهم وحريتهم وكسرهم للقيود .
سعيدة تلك البلاد , جراءة شبابها جعلها في مصاف كبار البلدان , وكم اتمنى سقوط العادات والقيود في بلادي .
التعليقات (0)